قصة قصيرة.
يقتعد كرسيه الهزاز الذي جلبه له صديقه الأجنبي ، يقول بأنه تحفة فريدة من خشب الصندل ، لا يسمح لأي كان بالجلوس عليه إذ يعده من أجمل مقتنياته وأشد خصوصياته التي يحرم على الغير الإقتراب منه، لذا ظل يحتفظ به في مكتبته المنزلية التي تطل على الشارع العام ، الشارع الذي قلما يتوقف عنه المطر ، ليتأرجح عليه في أوقات راحته ، مطلقاً سهام عينيه من خلف زجاج النافذة ، مستأنساً بخلوته ، سارحاً بخياله في الذِّكَرِ البعيدة ...
أثناء أرجحته لجسده على كرسيه ، تمتم قائلاً : قد لا أفي بوعدي لها الليلة ، تباً أشعر بخمول غير معتاد والأجواء تنذر بالمطر ، وهذا الشارع المكتظ بالضجيج أمامي سيحيله المطر لبحيرة عائمة ، إن لم يكن لبحيرات ، ولن يجرؤ كهلٌ مثلي على المجازفة بالخروج في مثل هذا الطقس السيئ، مد يده اليسار وتناول كوب الشاي الذي نسيه منذ دقائقٍ على الطاولة المنبسطة أمامه قرب النافذة ، وراح يرشف منه رشفات كبيرة متتالية، بينما يده اليمنى تجوس على صدره المحتقن بالسعال ،
تذكر المقالة وكان عليه الإنتهاء من كتابتها قبل حلول المساء ، استرد عينيه من خارج النافذة، تاركاً لكرسيه متابعة الاهتزاز ، انصرف لطاولته التي تكاد تحتل نصف مكتبته ، وراح يبحث عن قلمه المفضل الذي سيكتب به مقالته ، فمهما حفلت آنية أقلامه التي على مكتبه بأنواع الأقلام ، إلا أنه لا يحبذ سوى ذلك القلم الجاف الذي دأب على شرائه من المكتبات القديمة في الأحياء الشعبية ، أو من على بسطات الباعة الذين يفترشون الأرصفة، إذ كان يستشعر معاناة البسطاء فيشتري بعض أدواته الكتابية منهم ، بحث فوق المكتب الضخم ، نظر أسفله ، اتجه لأرفف المكتبة، فلم يجد القلم المفضل ، تمتم قائلاً : أعلم أني لن أفيها ماوعدتها به هذه الليلة، تباً قلمي ضاع ، تناول غيره على مضض ، وراح يكتب كلماته التي استعصت على كل الأقلام ، عدا ذلك القلم ، تمعر وجهه غيظاً، قرفص الورقة التي رصف سطرها الأول بتلك الكلمات ، (أعرف أني لن أفي بوعدي لها هذه الليلة، وأنَّى لها انتظاري) وألقى بالورقة في سلة المهملات تحت مكتبه الضخم ، وعاد مجدداً يبحث عن قلمه المفضل..