شبيب أيها الأريحي: تلّمس صدغيَّ إنى أراهما انخسفا، تمعّن في اعوجاج أنفي، الملعون سيتمثل لي صورة في أبي وأمى، علائم الموت مرعبة، لا تنسَ أن تلقنني الشهادة، وتقرأ سورة الرعد ويس.. الخباز له عليّ دين، ادفعه من ترِكَتي حتى ترتفع أعـمالي، اقرأ المحفور على ظهري قبل أن تغسلني بالسدر والحنوط، إنني أحفظ ما كتبوا إن كنت في شغل عن القراءة، لقد خطّوا الآتي: حلمك المُشتهى لن يتحقق.. ومواجعك ستظل ساهرة حتى اللحد.. وسنلبسك مسحاً تتخبّل به.. وقلبك لن يحضر معك وأنت تقرأ قرآنك..
إنني أحس الآن عِرقاً في جسمي قد خرج عن موقعه، بنات آوى ظهروا في النهار، وحضروا معى الاجتماع صامتين، صاروا بقدرة قادر مناشف ناعمة..
شبيب أيها النوراني: إن أصبحتَ منشفة لرئيسك في العمل يمسح فيها أخطاءَه ولعابَه فأنت ميت..
غيث أُخَيَّ هوّن عليك، فلا تغضب ولا تخف ولا تغفل، فتلك مداخل الجنّ للإنسان، اطمئن يا شبيب فالجن لا يقربون المحتضرين، ثم إنهم أقدم منّا في الخلق وأكثر حضارة، وقد يكونون أدركوا قبلنا أن خطأ الإنسان الأكبر في هذه الدنيا الغاوية أنه يتصور نفسه- دون أن يدري- نبيّاً بلا رسالة..
إنني هربتُ وعزائي أن الهروب مما لا يحتمل من سمات المرسلين، فلماذا تخاف من شكواي؟..
ألا زلت تؤمن بأن الشكوى عدوى؟ أعرف أنك عاجز عن الإجابة، قد يكون الخوف علّمك العجز، ولكني أحب هذا النوع من الخوف، فهو خوف الحكماء.. كل ما أطلبه منك الآن أن تسير خلفي لتلتقط الساقط منّي، لأنهم حاولوا تفتيش قلبي، فارتاعوا حين رأوا قلبي في صوتي.. كانوا يتصورون أنني ذبالة شمعة، والآن سيمشون خلفي يستضيئون بوهجي الذي مسَّهم، ويترقبون سقوط ما في قلبي لأنهم لا يملكون مثل الذي فيه.. غيث أُخَيّ.. انفض ما في داخلك فالكتمان نار هادئة..
لم أنشب أتوخى نهاية الاجتماع برداً حتى أحسست دبيب الرعدة يسري في أوصالي حين رأيته يستعدي المجتمعين.. أراد أن يجعل مني محدودًا، فيعقل لساني ويقلّم أوتاري.. كنت أوزع بصاقي على من حولي من المجتمعين من فورة غضبي، رأيت بصاقي زهوراً بيضاءَ نبتتْ على وجوههم المسودّة.. انتهى الاجتماع فكان أول انتصاراتي التي حُقّقتْ حرمانهم من العشاء..
الداجون عادوا لنصب حبائلهم، أرادوا قهر عقلي، جرّدوا سيوفهم متأخرين، كان سيفي هو صوتي الذي ورثته عن أبي، كان أبي بداخلي في تلك اللحظة يناضل.. هي أيضا كانت بداخلى تناضل، حضرتْ بدون ثغرها الوضّاء..
تخيل معي يا شبيب، فالخيال هو الشيء الوحيد الذي لم يقتل في هذا الزمن.. تخيل أن يصفّ في غرفة مقاسها 6 × 4 م ستة عشر كرسياً، وتجلس عليها فقاعات من الصابون ترتدي الغتر والعمائم.. ولبعضها لحى تداني قلوبها.. وشوارب سوداء لامعة مُعتنى بها.. كلهم يخافون من جرّة قلم تأتي من رئيس وضع الدين في سلة مهملاته..
إنني ثقبت تلك الفقاعات بأظافري بعد أن نفختها كطفل يتسلى ويلهو، فسقطتْ منفجرةً غير مأسوفٍ عليها.. تخيّل أن رئيسهم أراد ضربي على أصابعي بعد أن حوّل الفقاعات إلى مناشف ناعمة نشرها على جرير نصب وَتَدَين له من ضَرَعِهم.. وكلّ يوم يمسح في واحدة منها زبادهُ ومخاطهُ المتجمّد.. وهو كالفتاة السوداء التي أوهمتْ نفسها وزميلاتها أن حاكم المدينة يغازلها..