يالهؤلاء الشعراء يُحيلون الكون سعادةً أو شقاوةً.
إنهم كالغيوم التي تُمطر فرحاً أو حُزناً أو تغادر إلى منافٍ ومدنٍ وقلوب.
الشاعرة الرائعة والناشطة جداً في تفاعلها الأدبي تقف على إحدى محطات الحياة لتتلو حزنها إثر طعنة باغتتها.
عنوان النص ( بي طعنة ).
عنوان النص فيه ديناميكية عجيبة..اختلط به علو الحرف الشعري وكثافة اللغة.
احتوى على صور صاغته بالألم..تلك الصور كأنها أشراط ساعة تقودنا إلى الراجفة حيث تقول( وأرجفت بي الراجفة).
تظهر الشاعرة علينا بنصها دون مقدمات ولاتمهيدات لنجد أنفسنا نتلقى الصاعقة..تباغتنا ولم تعطنا فرصة لاستيعاب حولنا ومايحدث من إثر تلك الطعنة التي غُرست في مفاصل مشاعرنا لتغوص في أعماقنا دامية الكلمات..مكثفة اللون الشعري والصور المتخمة بالألم.
(بي طعنة لم تبرأ )
لاتفوت على القارئ أن الشاعرة استفتحت النص بهذا إنما أرادت أخذنا إلى تراكمات ماضٍ مؤلمٍ فيه أسبقية الحدث والمحدث والنتيجة.فالطعنة لم تكن الآن فقط بل قد سبق حدوثها ومازالت قائمة متكررة.فهل الطعنة طعنة حبيب؟طعنة قريب ؟طعنةصديق؟ طعنة موقف ؟
الاحتمالات مفتوحة ومتجاوزة هذه الاحتمالات ولكن الطعنة حتمية وواقعة تركت أثرها في الروح قبل الجسد.تلك الطعنة لم تكتفِ بالحال الواقع بل تمديد لنضوج الألم إلى أقصاه..إلى حد النزيف القلبي والروحي بحيث يبدو للرائي( القارئ ) حال المروي( الشاعرة ) والنتيجة مؤكدة ( قضت بي الأبهر َ) فهل بعد ذلك من تعافٍ؟
إنه الجزء الذي يمد القلب بالدم وإسقاطاً لهذه الصورة في مشاعرها تكون الطعنة قد قضت على مفصل الحياة وعليه قضت على مشاعرها وتركت ندبة لاتُنسى ولاتختفي ظاهرة مكشوفة الصورة للعيان.
( جلجلت بي الأخضر)
إنَّ كل ذرة جمال مسيجة بالأجمل قد نُسفت في لحظة
وعبرت الشاعرة بالأخضر دلالة على الجمال وأن الطعنة أفقدت جمال الحياة في حياتها وتركت أثراً مضاعفاً وجرحاً غائراً.
( أرجفت الراجفة) لامحال هي قائمة ولكنها قامت في نفسية الشاعرة قبل أوانها وأحالت روحها حُطاما وتكثفت الصورة الشعرية فعبرت ( حتى غدوت كلحنِ ليلٍ أرمد) هي صارت لحناً حزينا ًمتوجعاً وليس ذاك وكفى بل عقدت اللحن بالليل لحن حزين وليل حالك وضاعفت صورة التعقيد فقالت ( أرمد )فأغلقت كل صورة جمالية يمكن أن تكون في اللحن أو الليل.
فأرمد: عمى
وفقدان الرؤية هنا يقودنا لقصد فقدان الرؤية الجمالية من إثر تلك الصيرورة التي غدت عليها.
( وزفرت أضلعي بين آهٍ وأنفاسٍ ترعد )
الأضلع الحارقة تزفرُ بالآه والأنين والتي صدرت من أنفاسها المكتومة ولشدة الكبت وكتمان الألم تولَّدَ الإنفجار ( يرعد ) صورة مفزعه إنه الألم في قمة غليانه وإسهابه وشرخه للروح شرخاً عميقاً يغوص في ذات الروح فلايُبقي للنفس ولا للروح حياة.
( طعنة ،جلجلت، أرجفت،ليل أرمد،زفرة،ترعد، كسر،جز،ضربة،
خارت ،ظُلم،أيتام،متدمدم،متهشم،
متلعثم ).
ألفاظ مكثفة في النص الشعري لايخلو من الألم والوجع والانكسار...إنها حالة الشاعرة في صورة توهج الألم وتشابك الصور المفزعة.
تقول وقد حطت رحالها مع التيه( لستُ أدري عن ماذا أُفصح ).
إنه العجزعن القول قد نفدت الكلمات وتصاعد الحال فوق الاحتمال.
( عن بوح دربي ) أي بوح هو لنجد ذلك بادٍ للعيان بارز ؟
إنه الكسر الذي لايلتئم وليس الكسرالجزئي بل أتى على الكل ( كل مدائني).
( أم أسكب القهوة في فمي كالكركم) أن تُسكب القهوة في الفم قد يكون مألوفاً لكن أن تكون قهراً ومُرةً ذاك هو الغير مألوف..كنتُ أُحبذ لو كانت استخدمت لفظ صبَّ القهوة على سكب لأن الصبَّ دلالة على القوة ( صببنا....).
كيف تُجز الأشواك وهي مغروسة وفي حالة قمعية ظالمة يتلو ذلك( خارت كلماتي) لم يبق شيئاً تستند عليه بعد تلك الطعنة التي قضت على كل ماله صلة بالروح والأواصر والمشاعر حتى خار جسدها وخارت مشاعرها وروحها فصار متلعثماً،مهشماً،
متدمدماً.
النص الشعري نصُ ألمٍ وتجريد من كل المشاعر الإنسانية التي قد يتعرض لها أحد ما فتأتي نتيجته الظلم والقهر أو الخيانة والالتفاف.
أجادت الشاعرة في تصويرها للصور وكثفت الألفاظ....
اقتصرت على عنوان قصير الكلمات ( بي طعنة) عميق المعاني والمدى والأبعاد.
إنه التوهج الشعري في صورة الألم.