تغافلَ أنه يحملُ في إصبعِه خاتمًا وذهبَ يبحثُ عن غيرها ، نزوةٌ ولا سواها صنعتْ غشاوةً على قلبه الذي عشقها ، تطيبَ بأجمل طيب، تأنَّقَ كما لم يتزين من قبل، نسيَ أنها قالت له بأنك أوسمُ واحدٍ في هذه الأرض، كان متواضعًا وهو يراها الأجمل، كلُّ هذا حدثَ في لحظةِ ضعف، لم يتحركْ فيه ساكنٌ وهي تسأله إلى أين في هذا الليل وبكل هذا العطرِ الفواحِ والأناقةِ التي ذكرتني بأجمل أيامنا؟ كذبَ عليها لأول مرةٍ وهو يغادرُ بسمتها التي غلفَها بعضُ الحزن ؛ لأولِ مرةٍ يشعرُ بمرارةِ حزنها وكأنها تشكُ في تصرفه ، أغلقَ البابَ خلفه كي لايزيدَ تفكيرُه فيها وكلُّ همه أن يعيشَ جوَّ العاطفةِ الجديدة، وصلَ وعلى ملامحِه بعضُ الندم، تبخَّرَ عطرُه واختفتْ رائحتُه ، وضحَ عليه الارتباكُ ولم يحسن حديثَ الغزل؛ فلم يكن في يومٍ من الأيامِ ألعوبةً تعبثُ بها النزوات، استقبلتْه بتعالٍ وقد بانَ حالُها ، جلسَ فلم تعجبْها طريقتُه في الحديث، طلبتْ منه أن يزيلَ الخاتمَ من إصبعه ، تريدُ أن تمحوَ بعضَ ماضيه لتتشبثَ أكثر ، فطنَ إلى نواياها، ارتسمتْ أمامه صورةُ حبيبتِه الأولى التي وضعتْ أوَّلَ خاتمٍ في إصبعه ومعها ابتسامتها الساحرة، رفعَ كفَّه قريبًا من وجهه يتخيلُ الماضي ، نادى باسم زوجته بلا إرادةٍ ثم تركَ المكان للأخرى ، عاد إلى بيتِه برائحةِ العرقِ واللسانِ الذي فقدَ خاصيته، طرقَ البابَ بعد وقتٍ قصيرٍ من مفارقته إياه، استقبلتْه بضحكتها الساحرة ، سألتْه عن سببِ عودتِه ولم يجبها ، طلب منها أن تلبسَ أجملَ ماعندها دون تفسير، سبقَها قبل أن تسأله لماذا؟ اختارَ لها خاتمًا أنيقًا وذهبَ بها لقضاءِ ليلةٍ خارجَ المنزل، قالت له : تصدق!! إن هذه الليلة توافقُ الليلةَ الأولى لزواجنا، تنهدَ وهو يخفي غلطةَ العمر، اختار مكانًا أنيقًا يليقُ بخاتميْن جديدين ، أغمضَ عينيه كي لا تَحضُرَ صورةُ مشهدِ الخديعةِ التي نوى فعلَها ثم فتحَهما وهي تتأملُ ملامحَ وجهِه الذي عرفتْه ، تناولا العشاءَ وكأنهما يلتقيان لأولِ مرة، رفعَ إصبعِه أمامَ وجهِها وفي نفسِه سرٌّ لا يريدُ أن يفصحَ لها به.