- 15/01/2023 casualarticlesandblogsonline
- 26/12/2022 How to make a scary Halloween charcuterie board?
- 24/12/2022 كلية العلوم الإنسانية ونادي أبها الأدبي يحتفيان باليوم العالمي للغة العربية
- 12/12/2022 webblogsa
صهيل الريح [ 145 ]

دَويّ خطوة لم تصل !
ألمح نُثارات خُطى
ويلفحني الإعصار فتضيع مني تضيع..
أصادف أشلاءها وأنا أتمرغ في البيد أسربة المياه،
أكانت تلك التي تومض خطواتهم
أم أدمع نجمةٍ عمياء ضّلت الدرب
ولم يعد يوجهها قلبها!
غارقةٌ في الوهم والتنبؤات، يهزأ بي حدسي،
يمتد توهاني بلا معالم للنهاية،
هذه الصحراء الشاسعة التي انغرزتُ فيها
لا انتهاء لها ولا ابتداء،
تكشيرة الصبار في صدري تُعيد لي اللقطات
من قصصٍ خُضتها مع العواصف والحرمان،
والغربان من فوقنا تحوم مثل متوعك،
تنعي خطيئة قديمة بنشيجٍ لا ينقطع!
أَهُمّ لمناجاة السماء،
لكن الظمأ يُعرّيني من اللغة،
أتهجأ الرجاءات بفمٍ متجمد
كل حرف يخرج بثقل حجر،
أخاطب روحي، أتراني أحتضر!
أستحضر من ماضيّ مغبة إحسانٍ بذلته
لعل مردوده يتخللني مثل ماء..
في غياب اليقين، وتشوش الرؤى،
تصبح ترانيمي أَشبه بتراتيل المآتم،
يستحوذها الرُهاب والكمد،
وفي هذه الظروف العقيمة إذ لا معنى هناك
ولا مغزى،
أكابد ومشقة الطريق تُعزز مشقتي،
مُلقاة في التيه مثل الكثرة، أنا وتأويلاتي الساذجة،
نُحدق في فجيعة اللا انتهاء من غير توقعات ولا أمل،
نهوي في دوار الجهالة، فكم من أزمنة ترمدت ونحن واقفون نجمع فجائعنا ونُصيّرها مسيرة!
لم تعد أزماننا مُعبّدة،
أُلقيتُ في صحراء خامدة كالبركان،
أدور في كل اتجاهاتها وأعود إليها،
تمخرُني الدروب لأختبئ خلف ما خلّقته الريح
وجسدت منه هيئة،
آهٍ من هذا التيه، فما كنتُ أتحرى لنجدتي السيّارة
ولستُ خيارًا شهيّا لجائع مفترس،
كان هنالك شيءٌ يُغيبني، يُصيرني غير ملحوظة
يسلبني الرؤى يُعرّيني من القوى،
يعرضني لاختبارات تُنسيني ضياعي،
حتى أحنّ للدرب الطويل والغربان!
ما كان يرعبني في هذه المسخرة كلها
سوى العلامات الواضحة
التي تعلَق في الروح كندبة غائرة لا يمكن تأثيثها،
كلما تقدم بي الزمن أخاف المفاجآت التي تأخذني
في لحظة خواء أعيشها ،
ومخزوني من الحيل والخطط فائضٌ بالفراغ..
أربكتني المفاجآت فصرت في تناقضات
لا حصر لها،
لكني على الأغلب مثل الضحية الناجي،
أكابد في جعل يوم واحد يمر عاديًا وَواضحًا،
أرى الانتكاسات تَتمة لمسيرة مضت،
ولم تزل تمضي
وليس من نجاة صريحة الخطوات،
في حالة كتلك يُعد ترك الأيام تصب في مجراها
حلٌ ملائم لي،
والتخطيط يعد كارثة لا يسمح بها الوجود،
مناخات الأيام التي أتركها تمُر، توشك أن تصبح ريحًا عاتية لو أحاول فقط أن أبتكر خطة لمحاذاة النجاة:
حينها لن يكون هناك ولو غراب واحد يواري سوءة خطيئتي،
وحدي ستحملني جموع الخطايا للمساومة بي كقربان
مقابل جنحة وجودية في نظر الحياة!
لا أحد يظفر بالنجاة وحين تشعر بالهدوء لوهلة،
فلا تتوقع أن مباغتة موجة وحشية لك ستكون بعيدة،
حين يكون المناخ صفوًا أكثر من اللازم،
لابد أن تهلع
فمن جوانب الهدوء تتسلل العاصفة..
لقد تعلمت ألا أهرع بحثًا عن الأسباب،
ولا أستبق الحوادث،
أسترخي مثل شُعلة، أحترق على الدوام،
تُعيدني دواعٍ غامضة، تُرمّدني كذلك،
لا أتذكر متى آخر مرة مرغتني غواية الماء!
كانت ثمة احتجاجات خافتة تَعبُر لي،
لكن ما حاجتي إلى اقتراف الأسئلة واستنكار اللحظة
والمأساة تجثم أمامي، وفي مداي يتناثر حُطامي!
كم أنت بعيد أيها الخلاص
كم هي الصحراء صعبة المراس
والدروب موغلة في العدم
أشد عمقًا من الضياع..
أمتثل لتسريع مهمتي الوجودية
” بعمى ورُهاب وَدوار وَخشية”
أخلّف وراءي قطيعًا من الأيام تعوي لحظاتها
وعواطف تاهت في جلبة هذه الملحمة
عصيّ هذا التيه حتى على المعجزات والهبات:
إنني الكائن الوحيد الذي يموت لمرات،
ويحيا ما بينهما لمرة مثل خطيئة بيضاء لا تترُك أثراً
مثل دويّ لخطوة عويلها يدل على أنها لن تصل .

” عالمية القط العسيري ” ..
من بيوت الحجر والطين هناك حيث رسمت الجدات فنون ” القط العسيري ” – بفتح القاف وسكون الطاء – على
جدران ذاكرة ما زالت تحنو لرائحة المكان، وتسمو بوجه الزمان نحو مساحات إبداعية تحمل رسالة الإنسان
العسيري، حياته، ثقافته، ملامحه، وهويته وتعايشه مع الحياة ومجتمعه البسيط،
وعلاقاته الحميمية التي أحدثت فنا استثنائيا راقيا يأخذ من ذات الألوان الخضراء والصفراء
والزرقاء والحمراء بوحا يناغي به كل فنون العالم التشكيلة، إسقاطات نفسية مستمدة من ذات
البيئة العسيرية التهامية تحديداً !
ومن باريس مدينة الثقافة والفنون حيث مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة «يونسكو»
تأتي ورقة الإنصاف والاعتراف بهذا الفن العسيري الخالد الذي ظل عقودا طويلة يباهي العالم
بألوانه ورسومه الفنية ذات التوافق والانسجام الفني والحسي .
فن «القط العسيري» الذي لم ير في الواقعية ما يناهض وجدانيته الباذخة فاتخذ من المدرسة
التجريدية مسلكا نما مع الوقت كي يصبح فنا فريدا متمايزا عن بقية الفنون التشكيلية،
هذا القط العسيري التجريدي الذي لا يعترف بالرسوم التقليدية والكلاسيكية، وإنما إيحاءات
نفسية وجدانية بيئية تنهض على أنقاض المدرسة الكلاسيكية من خلال مجسمات فنية
إبداعية تأخذ من الأشكال الهندسية بعدا جماليا خياليا نفسيا يتماهى مع روح التأصيل والتاريخ
لهذا الفن الأنثوي الرائع، والخالد بخلود فناناته اللاتي صنعن فنا حضاريا رائدا وسفيرا لكل الفنون
العسيرية ذات الدلالات الإنسانية العميقة..!
هذا الفن الذي ظل وما زال صنعة احترافية نسائية تعتمد على الفكرة أولا ومن ثم الانتقال
لأرواح الألوان التي تنطق جمالا آسرا يزين جدران البيوت العسيرية الداخلية فتبدو وكأنها
لوحات زاهية تنادي العاشقين لاحتساء قهوة جنوبية في بيوت رجال ألمع، وطن القط
العسيري ووطن الفن القديم الجديد !
وما «اللحاف الدريهمي» المقلّم بألوانه الزاهية و” الحضية» و” البترة” و” المشقة ” و” السق ”
إلا انعكاس توافقي جاذب يغري كل الباحثين عن عمق هذا الفن الذي لا يؤمن بالتقنية الهندسية
الآلية بقدر إيمانه الكبير بريشة الفنانة العسيرية التقليدية والذي يجعله مثارا للنقاش والبحوث،
وفي ذات الوقت مثيرا للدهشة والإعجاب والذهول حتى في تفاصيل تلك الريشة المعجزة
التي نقشت هذا الفن العظيم، ولعل رائدة التجديد لفن القط العسيري الفنانة التشكيلية فاطمة
أبوقحاص التي حملت على عاتقها نهضة التجديد كانت مؤمنة بجمالية هذا الفن وأنه سيصل للعالمية،
متى أدرك الباحثون قيمته وأصالته الفنية..!
من مدينة العطور الفرنسية باريس كانت وثيقة الحب الكبير التي منحت فن «القط العسيري» شرف العالمية،
وهو منجز يسجل للسياحة السعودية فهي من تبنت فكرته وعرضه وطرحه على منظمة اليونيسكو
التي بدورها وضعته في قائمة التراث الثقافي العالمي..!
تلك الزخارف التهامية الملونة عبرت كل قارات العالم لتخبر العالم بأن الإنسان الجنوبي التهامي
صديق بيئته على مر العصور، فقد طوع بيئته كي تتناغم معه في كل جوانبه الاجتماعية والحياتية.
ومضة :
تقول الباحثة في فن «القط العسيري» الدكتورة هيفاء الحبابي «نحن نفتقد كثيراً روح العمل الجماعي،
وهو ما تمثله ممارسات النساء عند قيامهن بتزيين بيوتهن، فأمسينا للأسف الجار لا يعرف جاره،
وحتى عندما بدأ الجيل الجديد بالقيام بالأعمال الاجتماعية التطوعية، طاله من النقد ما طاله
وتناسوا أننا كمجتمع بدوي أو ريفي، حضري أو قبلي، تاريخنا مفعم بالعمل الجماعي » .

(أُنثى من غُصنِ وردة )
عندما تغلِبُنا الأحزان نُحاولُ أن نبتسِم فإصلاح الكون من حولِنا لهُ لمسات ٌ من الجمال
إن روعة الكلام وسحرِه عجُزت عن التعبير عما بداخلي عندما بُعثت إلي عبارة يُقال فيها إنني كأُنثى من غُصن وردة شعرتُ بالبهجة والإنبهار فالرائعون هم فقط من يضيفون لمسات تُغير معنى الحياة بنظرِنا
تلك العبارة جعلتني أجمعُ بين روح الأُنثى وجمال الورد هُما شيئان مُختلفان ولكن يربطهُما معنى الجمال والحب والعطاء
المرأة هي زهرةُ الربيع وفتنةُ الدنيا وروح الكون المتكون بالفعلِ أو المُحتمل .قلبُ أبيض ووطنُ وأمان
من أضافت للمجتمع حدائق من العاطفة فبدأت تفتن الناظرين
بدأت كغصن ٍ مائِل تميلُ إلي كُل جنبٍ مع الريح ولكن لا تكسِرُها عاصفةُ الزمن
عندما تخوض صِراعات الحياة كتحمُل الوردة قسوة أشواكِها فهو لا ينمو بدونه وإنما الصبر على الألم أصبح واجباً إذا كانت نتيجته تستحقُ المزيد ،
الصمت صفة من جمال المرأة كوردةٍ تعيشُ في طبيعةٍ صامتة بكل أنواعها ، فعندما نتحدث عن أزهار المُستقبل فهي نتيجة بذور زُرعت بجميع لُغات البشر عندها لا تحتاج إلي مُترجم فهم بطبيعتهم يجعلون عالمهم إما ورداً برائحته أو شوكاً بألآمه عندما بدأتُ اكتب عن الأنثى والورد لا أدري لماذا تفيضُ مني الإبتسامة بل لأنهما بحد ذاتهما جميلتا التعبير والمعنى للأنثى والورد أنواع كل نوع له ميزته ودلالات مختلفة وكل لونٍ له صفته التي تُشير من معنى لآخر الألوان التي نرى بها الرومانسية والتفاؤل .
ومنها مايدل على طلب التسامح والنقاء والطهارة
غير تلك التي تُعطينا معنى الحب الأبدي أو البدايات الجديدة
وعلى ماتحمله دواخلنا من الغيرة
للورد لغات .روحه وكبريائه
جماله وذكاءه .أنوثته وحنانه
فكلما تعطلت الكلمات جاء الزهر ينطُق بجمال الشعور ..
جمالك من طهارة الورد أنخلق
الورد يأخذُ من من أوصافه جمالٌ
ولا الورد لا لمح جمالك ذبل

الريش روضة تهامة عسير ..
عندما تستهويك النزهة والترحال في ربوع عسير يحلو لك المكان و يسعدك بك المقام في روابي الريش جبالها وسهولها وأوديتها الغناء تسعد وأنت تتعرف على مكوناتها الطبيعية والإنسانية والسياحية ها نحن نعبر عقبة شعارباتجاه محايل مروراً ببلاد بني ثوعة الجميلة وقبل أن ندخل إلى محايل عسير نتجّه شمال شرق عنها الريش والتي هي إحدى مراكز محافظة محايل والتي يحدها شمالاً بارق وبنو شهر وجنوباً آل موسى وبنو ثوعة ..
وشرقاً بلسمر وبلحمر وغرباً آل خليف والطحاحين ويذكر السيد إبراهيم محمد الزين أن أرض الريش سهلية منبسطة تكثر فيها الأراضي الزراعية وتحيط بها الجبال من جميع الجهات جبل هادا من الشرق وجبل ضرم من الشمال وجبل عرمز من الجنوب وجبل مسل من الغرب كل الأودية تخترق أراضيها ومنها وادي مرّة ووادي الريش ووادي النصب ووادي سائل ووادي فيّاح وكل ذلك جعلها روضة تهامة عسير وساعد على ذلك خصوبة أرض الريش ..
وفي كنز الأنساب قبيلة الريش تقع منازل هذه القبيلة على ضفاف وادي الريش وتنطوي على أفخاذ عديدة منها السادة والمشايخ والشعثاء وآل مشول وآل معشر والكدسي وال دريب وال المصبح والعين وال الزهري ويقدّر روبين بيدول من جامعة كمبردج عدد أفرادها بنحو : ( ١٥٠٠٠) ألف نسمة عدنانية وقحطانية ويذكر حمد الجاسر أن قبيلة الريش هي إحدى قبائل تهامةوهم من بني عبيدية من كنانة العدنانية ولقد أحتوت الريش البشر الوافدة إليها وتكوّنت الأحلاف و والأسر وخاصة بعد القرن الثالث الهجري مع الامتداد بين القنفذة وحلي ومحايل إبّان العصورالوسيطة والتدخل العثماني ولمّا ظهرت الدعوة الاصلاحية في نجد كان أهالي القنفذة و الريش ومحايل من أوائل من الذين نضموا للدولة السعودية الأولى كما هو ظاهر من الوثائق المدوّنة للتاريخ ابتداء من عام ١٢١٤هـ عندما حج الأمام ابن سعود والتقى به بعض شيوخ هذه الجهة من تهامة عسير واعلنواالطاعة له وبعث معهم برسائل الى قبائلهم مما أغاض شريف مكة الذي أعلن حرباً عليهم إلا أن العسيريين استطاعوا هزيمته في في الحقبة ولقد قاموا بنشر الدعوة الإصلاحية في عموم بلدانهم مماجعل الأتراك يصوبون سهامهم نحو بلاد الريش وجيرانها ولكنهم استبسلوا دفاعاً عن دينهم وأوطانهم مما فقد عدد من أبناء الريش ومنهم ابن شيخ الريش انذاك وقد حضر السيد أحمد محمد عبدالواحدالزين جدال الزين مشائخ الريش الصلح المبرم في القنفذة عام ١٢٦٥هـ بين الاشراف والأتراك كما حصلت معارك عديدة بعد هذه الفترة من الزمن سواء إبان آل عائض العسيريين أو الأدارسة حتى قيّض الله لهذه الجزيرة العربية من يعيد لها مجدها وسؤددها بالمؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود حيث ضمت الريش ومحايل الى كيان الوطن العزيز بعد رسالة عبدالعزيز ابن مساعد بن جلوي آل سعود التعامل الادريسي مصطفى النعمي على محايل في عام / ١٣٣٨/١٢/٢٦ هـ حيث جعلت محايل والريش موضوع الجدية في النظر السعودي مما جعلها في محل التسليم بعد التنسيق والتكتيك العسكري سلمت هذه الجهة للقائد السعودي عبدالعزيز بن مساعد ممن ذكرذلك محمد العقيلي في كتابه ” أضواء على تاريخ الجزيرة العربية وقدجاءت الرسالة الموجّهة من الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بواسطة أمير عسير شويش الضويحي إلى شيخ محايل سليمان بن علي بن مخالد في أهمية إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله في أهالي محايل وقراها وضواحيها ” الريش “وغيرها .
ولقد نعمت الريش بالتعليم والأمن والصحة والحياة الاقتصادية وتطورت الحياة المدنية الى الأفضل في شتى المناحي ولأهالي الريش عادات وتقاليد وألعاب شعبية منها الخطوة والدمّة والربخة وغيرها ويشتغل أهالي الريش بالزراعة والتجارة والتعليم والوظائف الحكومية المختلفة .. هاهي الريش تزدان كل شتاء لتقول لزائريها مرحبا ألف حياكم في روابينا وبين أهاليكم وأهلها أهل كرم وضيافة وتراحيب ونخوات في قيم أسس ثابتة ..
وتنعم الريش بخدمات جليلة في كل قطاعاتها المختلفة بفضل الله ثم بتوجيهات وحرص القيادة الرشيدة من لدن خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان ومتابعة سمو أمير منطقة عسير تركي بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود ..
وإلى مدن تهامية أخرى ولكم تحياتي ..

عن ومضة.
كل ضرّاء مهما بلغت حدّتها لا تُلغي إرادة الإنسان فيمايخص نزعة التفتيش عن النجاة بكل
صورها وقوالبها وتصوراتها لديه..
يُنجدنا هذا اليقين مما نُحس به فُرادى، ولطالما حصدنا السكينة من خلال عدة تفصيلات تخصنا
وجدناها تتجول في مداراتنا ولم تزل تفرض جدواها كلما فقدنا وجهة الحياة بصفتها صورة من صور النجاة!
لا بد من وجود مسرّة في أعتى اللحظات، وفي بلادة الأيام التي نمر بها من سنوات دون أن
نتحسس القيمة من فرط اعتياد تواترها!
أقول لنفسي ذلك وأشرع لتحسس القيمة في كل شيء ألمسه الآن، السلامة بوصفها
أقصى أمنيات المرء في هذا العالم – البيت – الأهل – السند – الأمان – الغفو بسلام – حنوّ التضرّع
بيقين الإجابة، الكلمات حين تتنقل بحرية وتلقى رواجها بالتفاتة ومحبة – الحياة، الحياة بوصفها هِبة ،
هذه التفاصيل التي يتسرب منها السلوى، هذه القيمة في كل شيء ندور فيه ونتحسسه
ونتلقاه ونعطيه ويميزنا، هذه الخفة في إلمامنا بالنعم،
كنتُ أمر من عند ذلك مرورًا عاديًّا كما هو الحال لدى كثرتنا؛ لأن ليس لدينا الوقت
لنتوقف تأملًا لكل قيّم ونحن غارقون في علة السعي والجهاد ضد العدمية،
الآن هي وقفة نافعة نمارسها على قلق، في إجراءاتها نتمكن من الانحناء لأبسط الأشياء تقديسًا
لفاعليتها حتى اللحظة!
قد تطول الكارثة ويستمر تقديرنا لكل شيء على سبيل فواته والحنين له،
وقد ينتهي كل شيء الآن وفي هذه اللحظة، بيد أن احترازنا بتكويم التفاصيل الثرية يشبه
حجرة إيواء تقي من فقدان المعنى،
حيث تغدو بوابة لحياة جيدة ونافعة لم تفقد كفاءتها بما تُمرره من أحاسيس رائقة تناهض
ثِقل الكوارث بما تفرضه من أضرار..
اليوم نتعامل مع كل شيء مُفرِح ومستساغ بفائق التعظيم والتضخيم لفاعليته، التي هي
فعّالة بحق لدى من يظن أنه سيفقد كل شيء ويتشبث بما يحويه ويملكه من التفاصيل
والتي تُشكل رغم بساطتها مخابئ من هلع النهاية،
وترممنا بالهدأة ولو لوهلة نحسها دائمة من فرط عذوبتها وأمان وقعها.
ألاّ أفقد المعنى لكل ما هو أمامي وفي ذاتي الآن أهم من التفتيش عن المخارج
بتسويف الانتباه للأحداث الجارية، أن أتحسس فاعلية كل ما يحيط بي وأستقر في ظله أجدى
حاليًا من السعي للظفر بالمزيد استجداءً للخلاص،
تحيط بنا لمسات متوهجة، ملامح ثرية لأشياء لم تفقد كفاءتها قط، هِبات أكثر من كونها
نعم اعتدناها ولم نشعر بعظمتها من قبل!
يشتعل المرء بالإدراك لا سيما في حالاتنا هذه التي بدأ
كل شيء فيها يفرض قيمته ويتضخم الشعور نحوه،
فيحرس حياته بوجل لم يعهده، يتصرف على أساس وعيه المتأخر بقيمة كل شيء
ويحفل جدًا بفكرة أنه ذو حظوة، تملأ حياته الهبات التي لم ينتبه لها قط، يسترخي
في ظلها في عز الخوف والرهبة، يتحسسها كعتاد في ظل تهديد حرمان جمعيّ يكاد
يتجدد تجاه كل شيء ولكنه يتيح مخرج لدى من يتلمس في كل تفاصيل حياته هِبة
تردفها هِبة تحتفظ بتوهجنا في عُسر الحياة.

الحياة وفن التعايش الإنساني ..
تعقّب صديقتي على احدى مقالاتي قائلةً :
” إنني أبكي الآن من كل الأشياء التي عاهدت نفسي بالأمس أن أتجاوزها والتي دعوت الله مراراً وتكراراً من أجل أن اتخطاها بقلب كامل .. لكن لا جديد البداية هي نفسها .. والقصّة لم أجد لها تهالك بعد ! ” ومن ذات النقطة أحاول أن أوازنُ بين القصة التي حتمت بها صديقي وتداعيات الفعل وردّة الفعل للوصول إلى نقطة التقاء قد أتفقنا عليها وأختلفنا حولها ..
الإنسان بطبعه كتلة من المشاعر والاحاسيس والذكريات والقناعات التي يؤمن بها ويدافع عنها وأخرى لا يؤمن بها ولا يتوقف عندها وتختلف أجناس البشر في نظرتهم للحياة مع مراعاة الظروف البيئية والاجتماعية التي عاشها هذا الإنسان وشكّلت الكثير من شخصيته إيزاء الحياة ؟!
لا يمكن للإنسان يا صديقتي أن يعيش بمعزل ٍعن ذكرياته والمواقف التي مرّت بها وعن تلك النجاحات التي حققها ولا الخيبات التي عانى منه وحين نستعيد النجاحات والخيبات قد نجد أنفسنا وقد تكوّنت لدينا صورة شمولية عن الحياة وإن هذه المواقف التي تمّر بنا صحيّة وطبيعية في ظل التعايش مع الحياة ومحاولات البحث المستمرة عن الأمل والتفاؤل
كما يقول الشاعر :
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ
فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ
الانعتاق من سوداوية الصورة الذهنية التي قد نحكم على أنفسنا بها وهي في حقيقتها مجرد تصورات ونظرات شخصية بالدرجة الأولى فليست كما نعتقد ونتصور ونحلل ونبالغ فيها بشكل كبير ..
فالحياة في عمومها ليست ذاك الجزء الخاص والذي بنينا عليه الكثير من قناعاتنا المغلوطة والتي قادتنا مع الوقت لأن تصبح قناعة صلدة صلبة لا يمكن نقاشها ولا حتى الاقتراب منها ؟!
إن التعايش مع الماضي على إنّه ماضٍ يُستحال اعادته للحاضر وإن الحاضر هو سيدّ الواقع الحالي وإن المستقبل في علم الغيب هي بداية التصالح مع الأزمنة في نظرتنا الإيجابية للحياة وإن العيش في الماضي واستحضاره في زمنٍ ليس زمنه احراق للحاضر هذا الحاضر الجميل الذي ينتظرنا بكل تفاصيله المضيئة هذا التصالح الإنساني المتوازن بين العقلانية والعاطفية والاستعانة بخبرات الماضي لنجاح الحاضر الذي يلد لنا المستقبل الأجمل .
الحياة جميلة بالتعايش الإنساني مع الآخرين وصناعة الفرح والابتسامة والبحث عن الشمس والضوء والأصدقاء الذين يمنحوننا الطاقات الإيجابية .

الإعلامي.. جزء من الجرح !
نتساءل بكل حرقة وألم هل أصبح الإعلام بكل أدواته وإمكاناته المتاحة والتي باعتبارها أدوات مساعدة مكنت الإعلامي من صنع المادة وقولبتها كيفما يشاء إعلام سطحي مفلس لم يعد لديه القدرة على التجدد والطرح العميق؟
الذي نراه أن غالبية إعلامنا اليوم والإعلام العربي عموما لا يعبر عن المجتمع الذي نشأ فيه، سواء كان ذلك متعمداً أم يرجع في ذلك لعدم فاعلية الدور المناط به والوظيفة الموكلة إليه.
إعلام يُوصف بأنه ذو تأثير بارد، حضور غير مكتمل، دفاع مفكك في تسلسله، نماذج مكرورة، أشبع حاجة الأفراد المادية ونسي أهم ركيزة الحاجة الفكرية بما فيها الأمن الفكري الذي هو بمثابة تحصين العقول من الاختراق، لم يحقق التنشئة الاجتماعية والتي عادة تتكون من المعرفة المناسبة لجيل متلهف صاعد، لم يطور الوعي وأعتمد على المجهود الشخصي مهمشاً القدوة القادرة على مسايرة هذا النضوج المعرفي -متسارع الخطى- رغم تواجدها في محيطنا، لكن لم يُسلط الضوء عليها لأسباب ظاهرة لا تخفى عليك أيها القارئ منها الشخصية النفعية التي تمارس سلطة المنصب حيث صدرت لنا التافه خالي الوفاض وأقصت كل ما عداه، مما ترك فجوة كبيرة وتيه واضح في الساحات.
إعلام أطروحاته لا تشجع أبدا على الحوار، وإنما هي يوميات سجلتها عدسة الكاميرا، مثلها مثل أحاديث في مجلس يتسلى بها “المعازيم” ريثما يجهز العشاء فتنتهي مع مغادرة آخر ضيف ثقيل.
أنت أيها الإعلامي تمثل وطن له صداه على وجه هذه البسيطة، تمثل تاريخ وتراث وقبل كل ذلك عقيدة وإيمان حقيقي راسخ، عليك أن تأخذ وظيفتك على محمل الجد لا تأدية عمل والسلام، هذه المجاملة والتلعثم والركاكة التي نسمعها ونراها في الإذاعة أو التلفزيون أو في الإعلام عموما محبطة جدا جدا.
لو تأملنا في القضايا أيا كانت محلية أم على مستوى إقليمي أم على الصعيد العالمي وكيف تناولها الإعلام لا يرقى إلى المكانة التي انفردت وتميزت بها المملكة بين دول العالم، ولست وحدي من يقول بذلك، ولا أنكر أيضا الجهد المبذول حتى لا يُفهم من كلامي أنني أبخس حق الإعلاميين الذين يشرفون المهنة.
منصات ووسائل الإعلام حاضرة دائماً لكنها تفتقد للباحث المتمكن والمذيع أو المقدم الذي لديه ذخيرة لغوية وتعبيرية ومطّلع بشكل كبير على الثقافات الأخرى بحيث تمكنه من إدارة اللقاء بشكل سلس ومفيد، أيضا الطرح لا بد أن يكون سهل ممتنع يفهمه العامة والخاصة، والموضوع والضيف أعتقد أن اختيارهما يحتاج لمزيد عناية وتدقيق.
من أهداف الإعلام التأثير ولكي نصل يجب أن نسأل أنفسنا كيف حال (المرسل) الذي يعتني بالرسالة؟ هل هو مؤهل للقيام بمهمة (الرسالة)؟ هل يستحضر أمامه أهداف منها تعزيز الهوية والافتخار بها؟ من هو المستهدف وأعني بذلك (المستقبل) كيف أجعله مهتم بما أقدمه وهل سيتأثر أم لا واضعاً نصب عيني أن المستقبل للرسالة يدرك ويفهم وذكي ولمّاح لا تنطلي عليه هذه الحيل، فمن الرعونة الاستخفاف بعقله والاستهانة به.
عندما يخرج الإعلام من مسئوليته الاجتماعية وأمانة الكلمة التي يؤديها والإلتزام الأخلاقي الذي ينتهجه لحماية المشاهد والمستمع والقارئ فهو يعد من أكبر العوامل في هدم مقومات الجيل الجديد وتدمير وحدته وتمزيقه، وحينها يكون كاذبا لا يواجه قضايا المجتمع مواجهة صادقة ناجعة، وعلى إثر ذلك يدل الناس على قلم مسموم وصاحب منهج غير معلوم، والنتيجة أشواك مغروسة في أفكارهم، تبدو لهم وكأنها ورود منثورة.
نعوّل كثيراً على قرارات التوطين القادمة بقوة أن تشمل منافذ الإعلام ومفاصله، وتنحو في رؤيتها نحو المعالي والقمم، وعلى قدر أهل الإعلام تأتي المواهب، وعلى قدر الوعي يحدث التغيير .

أهمية الأدب ..
أهمية الأدب ..
لكل أدب خصائصه وعناصره التي لا بد لها لتكوين عملٍ فنيٍ كامل ..
فلا بد لصاحب الأدب ، شعراً كان أو نثراً أو غيرها من الفنون أن يحرص ويعمل على إيجاد توازنٍ بين هذه العناصر..
الأدب عُرف عند الكثير من الباحثين والمهتمين به ، ولعل تعريف دكتور
البلاغة والنقد والأدب محمد علي درع هو الأشمل من جميع النواحي..
حيث عرفه بقوله “الأدب هو الإبداع في كلمة واحدة ، والأدب بمفهومه العام نتاج فكري إبداعي يشكَّل في مجموعه القديم والحديث الحضارة الكليّة الفكرية واللغوية الحاضنة لأي أمة من الأمم بل ومرآةً عاكسة بثقافتها ومجتمعها ” ..
لم نعرف العصور والمجتمعات الفائتة إلا عن طريق الأدب سواً أكان شعراً أو نثراً وحتى القصة وغيرها من فنون الأدب، إذ أن الأدب مرآة لكل العصور والمجتمعات..
تكمن أهمية الأدب في حفظه لهذه المجتمعات وما كانت عليه من هوية وتراث وجعلها تُذكر إلى يومنا هذا ،فلولا الأدب بجميع فنونه لما عرفنا أدباء وشعراء العصور المتقدمة وكيف كانت حياة العامة في ذلك الزمان..
كان الأدب يحضى باهتمام كبير عند المجتمع لما له من أثر في النفوس ولو أنه في حقبتنا الزمنية لقيّ الجحود والنكران وعدم الاهتمام به إلا من النخبة من الأدباء ، ومن يتذوق جمال هذا الأدب الذي به تزداد صلابة وقوة للدفاع عن الفكر والوطن..
ولعل شعر (الهياط) والشيلات العنصرية التي غزت مجتمعنا هي من أذبلت زهرة الأدب وجعلته مهمشا عند كثير من أفراد المجتمع..
ولا ننسى دور وزارة التعليم في تهميش الأدب في مناهجها والاقتصار على جزيئات لا تسمن ولا تغني لقارئها شيئاً ، كما أنّ للنوادي الأدبية دور في ما يعانيه الأدب من فتور..
فمع إضفاء الطَّابع العالميّ وتشابكه بما يُسمى بالعولمة فإن الأدب هو من يستطيع الحفاظ على هويتنا وحمايتها من الضياع والتزييف..
همسة :
قال أبو فراس الحمداني:
“الشعر ديوان العرب
أبدًا وعنوان الأدب
لَمْ أعْدُ فِيهِ مَفَاخِري
ومديحَ آبائي النُّجُب” .

حارس الأمن
ليلة البارحة حدثت مشادة بيني وبين حظي ، كلانا يتبرأ من الآخر وللحقيقة ياحظي وللشفافية التي أتميز بها فأنت من اعترض طريقي ولست أنا … ليتني لم أنطق ذلك فقد قعد من نومه وأرسل نظرات أكثر سوادًا مما ارتكبت يداه ، ويبدو أن الأخ نام طويلًا خلال النهار بينما كنت أصارع الأحداث والمواقف والوجوه ، كنت أبحث عنه شزرًا وهاهويحتسي قهوةً وسهرًا .. حسنًا ياحظي النائم ، أريد أن أنام فغدًا يوم يعلمه الله .. باختصار لا أريدك ولم أكن أريد هذه الأرض ، كان لي رغبة في كوكب آخر ، خالتي قبل وفاتها العام الماضي تأملتني طويلا ؛ ثم قالت : أتقول أنك لم تكن تريد الأرض ؟ هل تعلم أنه يوم ولادتك عثر شيخ قريتنا في قطعة حديد في ساحة منزله ومات على الفور؟!
لقد كادت والدتك تموت جوعا حيث لم يهتم لولادتك أحد ، ولم تزرها نساء القرية فقد انسحب الجميع للعزاء وتركوها وحيدة ، كنت ابتسم أكثر من خالتي التي ضغطت على أسنانها وهي تقول ثم مرّ عامان وتوفي أبوك شابا وسيمًا دون مرض وتلته أمك حزنًا عليه .. وأنت تبتسم وكأن أمرًا لم يحدث ..
تعالى أزيز ضحكاتي وقلت ياخالتي ومن قال إن شيئا لم يحدث؟!!!
لقد مرت الأيام وعمي وأبناؤه يرفلون في إرثي بينما أنا مشرد بائس وأنت عروس لا يشغل بالها سوى زوجها وأمه وحلم العشرة أطفال ،، أتى الأطفال ودرسوا وأصبحوا أطباء ومهندسين ومعلمين وابنتك الجميلة ، فتحت خالتي عينيها ياحظيفخفضت نظري ومسحت دمعتي وألقمت فمي خبزًا يابسًا كي أصمت .
حظي يحتسي قهوته حتى آخر قطرة فسبحان من وهبه ثقلًا وغلظة . نام وتركني أحتسي دمعًا باردًا … لأنني لم أعد….. أكترث ، أواجه كل شيءٍ في هدوءٍ مميت وأستقبل كل شيء وكأنه ثلج ، نم ياحظي نام حظك …
أرسم وجه ابنة خالتي على الورق . هوايتي التي لن ينافسني فيها أحد أو يسرقها مني ، ولبنت خالتي عينان تخترقان حجب قلبي المثقلة والمترهلة في آن واحد وشفتان بطعم الكرز تنتفضان عند الخوف أو اللهفة لاأدري ، أتذكر عندما أفزعتها ذات مساء ؛ ظنت المسكينة أنني عفريت خرج للتو من مزرعة المنزل المكتظة بالأشجار وبالعصافير النائمة ، شعرت بالخجل والألم ، فاقتربت مني ياحظيالنائم وتناولت يدي بين يديها الناعمتين كسرير ، يعلم الله أنني لم أشعر بنفسي إلا وأنا هنا بين يديك …
شعرت اليوم التالي وأنا أتاهب لمغادرة حظي أنني أخف حملا فقد تحدثت كثيرًا ، يا للغرابة أيريحنا الحديث رغم الجوع والعطش والشوق ؟!!!!
كنت أغني وأنا استقبل ماءً دافئًا بدا للحظات أنه يحضنني وأنا أضحك ، خرجت وأنا متتعش ، قابلت مديري الذي يغضب لتأخر موظف عنده وكأن القيامة ستقوم ذلك أنه لم تقم قيامته ، لم يفقد أبويه ، ولاماله ولاحبيبته ، قررت أن أبتسم ، ويا للمفاجأة حين ابتسم ، ثم قال : لقد بكرت اليوم على غير العادة ، لوكان لدي مديري الفاضل فائض من الوقت وضحت له أسباب تأخري ، لكنه قطب جبينه لقدوم زميل آخر وقال لا ، لا وقت لدي لأسمع مبررات مكررة ، مضيت نحو عملي الممل ومضى نحو زميل أقل صبرًا مني ، وماهي إلا ثوان حتى سمعنا صراخًا وعراكًا. ، يا إلهي . أسأل الله أن يغفر لي فقد شعرت بالسعادة وهم يضمدون جراح المدير بينما الموظف الآخر كان يصرخ ويقول لست بحاجة لوظيفة تديرها أنت ، لقد أتيت لأمضي الوقت إلى أن يتم قبولي في وظيفة تناسب شهادتي . سامح الله أبي الذي يرى أن مثل هذه الوظائف تصقل شخصيتي ،
ومضي ، كان زميل آخر يقول إنه ابن فلان الفلاني . قلت نعم الآباء حينما يكبرون يرون الدنيا بمنظارٍ قاسٍ وبحكمة خانقة . قال زميلي : كن مهذبًا وأنت تتحدث عن الآباء ، حسنا فلنعد للعمل كي نكسب رغيفًا وفنجانًا من الشاي الأحمر القاني وشردت بذهني ، انزوينا في ركن خفي ، ليمضي الوقت دون أن نشعر ، ما ألذ الوهم !!!! وما ألذ وجه حبيبتي … وما أجمل التحرر من حظي … عدت إلى البيت ، ألقيت بنفسي وبأحمالي على سريري ، كان جهازي يرن ، جهازي هذا أهدتني إياه ابنة خالتي ووضعت لي شريحة فيه وقالت الفاتنة : هذا لك كي تغرد أو تفني …. إنه هدية ياأخي ..لماذا ياابنةخالتي تقدمين لي هدية توهمني بوجودي وسعادتي وحظي وأن الأرض أرضي ، ثم تصفعينني بقولك ياأخي ؟!!!
سقط الجوال من يدي غضبًا وصدمةً وحرقة …
مضت وأنا اجمع ما تناثر منه وأخفي وجهي ، لقد أيقنت أن الفتي الذي لم يبك بين يدي أمه وأبيه يبكي على الملأ وفي كل مكان وفي كل لحظة وبكيت يومها كطفل صغير. .
العمل منهك ، حارس أمن مستباح الكرامة والمال والجهد ، بإيعاز من مديري أعمل اثنتي عشرة ساعة واقفًا كسارية ولكن دون شموخ ، كجندي ولكن دون هيبة ، تساءلت قبل العمل لماذا يريدني مديري أن أعمل ولم أكتب العقد بعد ؟!
أليس العقد يحتوي اتفاق طرفين وراتب تعاقد وشروط ؟!!
تلبسني قلق عجيب ، لكن حظي المخاتل قال لي بلغته العنيفة يا فاشل !
يا عاطل جرب هذا الشهر ، كدت ألعنه ، شهر أيها الظالم ؟!
أضرب اثنتي عشر ساعة في ثلاثين يومًا .. لا قوانين تحكمهم ، لامباديء ..
لاشيء أمامي سوى أن أسير خلفك ياحظي ، سرت خلفه ، ذهبت للخياط وجهزت بدلة بعد أن اقترضت قيمتها من صديق ، ما إن يقرضك حتى يعود يطلب القرض قبل أوانه ، وبدأنا العمل ولاحظت أنني أفضل من آخرين لايملكون سيارات رغم أنني لن أحصل على بدل نقل ولا بدل سكن ،
الحياة قاسية ياحظي ، انشغلت كثيرًا عن ابنة خالتي ولا أجرؤ على الاتصال بها وبثها أشواقي واحتياجي كقطرة ماء باردة في هذا اليوم القائظ ، كترياق سموم في صحراء بعيدة يجب أن تصبر كي تحصل عليه لتنال حبيبتك ، أعود منهكًا ، أغسل بدلتي وأنام باكرًا بعد صلاة العشاء لأكون في مقر عملي مع ساعات الصباح الأولى . شهر كامل مر ، كيف مر هذا الشهر ؟!
لاأعلم ..
واليوم يوم الراتب الذي لم يكتب عقده وراتبه حسب التخمينات خمسة آلاف ريال ، سأحلق ذقني ولا بأس بحمام ساونا ، وربما أشتري هدية لابنة خالتي وأصلح سيارتي ولا بأس أيضًا بوجبة دسمة مرة في الشهر وسأضع المتبقي في البنك ، أطللت بوجهي تجاه حظي فوجدته نائمًا ، اطفئت نور الغرفة ومضيت ….
لم أقابل زميلًا متبسمًا هذا اليوم ، الوجوه مكفهرة ، والنظرات زائغة واليأس يعلو الوجوه ، مضيت مسرعَا أستلم (شيكي ). ابتسم مديري حين رآني وبحث عن شيكي وأعطاني . فتحت الشيك بسرعة ، ألفان وخمسمئة ؟!!!
صرخت ماذا أفعل بها وهل هي أجر اثنتي عشرة ساعة لمدة ثلاثين يوما؟!!
قال نعوضك الشهر القادم يابطل ..
بطل ؟؟!
بطل في تحمل الظلم والقسوة ..
بطل في العمل أكثر من ساعات الدوام الرسمية ..
بطل في العمل دون عقد ..
بطل في استلام راتب خصم أكثر من نصفه ..
للحظة خطرت في بالي أن أمزق الشيك وألقيه في وجهه فأنا غني جدًا بكرامتي وهو فقير جدًا بأكل أموال الناس .
لكنني تذكرت صديقي الذي أقرضني ثمن البدلة . تذكرت هدية حبيبتي ، تذكرت أحلامي الباهتة .
هل أبكي ؟؟
هل أصرخ ؟
هل أوسعه ضربًا ؟
لم يكن أمامي سوى نائبه يطلب مني أن أوقع على الاستلام ، لقد هرب كلص ، لم أجد أحدًا من زملائي في الممرات ولاأريد أن أجدهم ( فاكفهرار وجهي يسد نفس بلد بحاله ).
ركبت سيارتي وسرت على غير هدى ، عدت دون أن أقدم استقالتي ، تذكرت بعض الشائعات والنصائح بأننا عندما نمضي دون ملفاتنا فقد يتم توظيف أجانب فيها يرضون بانتقاص رواتبهم وتبدو الشركة وكأنها توظفنا وتدعم السعودة … اللهم أفرغ علي صبرًا كصبر أيوب ..
ها قد عدت عاطلاً .. فاشلًا كما يرى الأقارب ، لا أصمد في عملي أكثر من شهر .. تحدوني رغبة شديدة في بث معاناتي ومعاناة زملائي عبر وسائل التواصل لأن الظلم يكوي قلبي ، وإن سكت عن حقي فلن أحقق أحلامي ؛ حيث أن الأحلام ليست وقفًا على وسائد النوم الفاخرة وأسرة النوم الحريرية ، الآن يوأد الحلم ، الأحلام ملاذنا نحن المتعبون ، المنهكون أحلامنا كلمة حانية ويدان دافئتان وقلب ينبض كي نستمر في الحياةً ، أحلامنا ليست دفاتر شيكات ولا شراء مؤسسات ننتظر إفلاسها لننقض كصقر جارح ..
كان سائق خالتي يهرول نحوي مبتسمًا ، يدس في يدي بطاقة جميلة ، فتحتها في لهفة بالغة ، وشوق ظاهر ، إنها دعوة زواج ابنة خالتي على ابن عمي ، لاشيء الآن سوى مزيد من اليأس والقهر والبكاء حتى وإن التقط عابر صورة دموعي ونشرها ليتسلى المتخمون عليها ويكتبون عباراتهم المنمقة . ولكن لم الغضب أيها المنسلخ عن حظه ؟!!
هل كانت تحبك أم تشفق عليك ؟
لماذا لانفرق نحن البؤساء بين الحب والشفقة ؟
حسنا يا عاطل لن تتزوجك فتاة أو تنتظرك وأنت شهر تعمل وآخر تبحث عن عمل ، لن تنتظرك فتاة وأنت تتسول حقك من مدير لا تعرف إلا كنيته ، كما لو أنه رئيس منظمة إرهابية وتجده يومًا ولا تجده يومًا آخر ..
ومضى وحيدًا دون أحلامه ودون وجهها الذي طالما زاحم قسوة الأيام في عينيه …
مضى يبكي بصوت عال ، يفزع الريح النائحة ، تركض وهو يتبعها كقشة .

التقنية والإنسان ..
التقنية والإنسان ..
أيهما طوع الآخر ؟!
منذ البدء كان الوصل، رابط لايستغني عنه البشر ، يحتاج الإنسان أن يتواصل مع المحيطين بعيدا كانوا أم قريبا، وما اللغات إلا مراكب وسفن تمخر عباب الجمود لتصل الناس بعضهم ببعض، انتقال جسدي من مكان لسواه أو تواصل عبر الحرف و النظرة و التماس، كلها مظاهر للإتصال وجسور للارتباط.
في حبو الحضارات كانت القدمان تنهب المسافة وهمهمات اللغات الوليدة تفتح بابا للتفاهم، ثم كانت الدواب مسخرة لانتقال أكثر راحة و سرعة، ثم جاءت الطافيات اللواتي يمخرن صفحات المياه وصولا من بر إلى بر.
لم يكن للإتصال سبيل سوى عن طريق المباشرة والحضور، وينوب عن الإنسان حمامة زاجلة تعانق بساقها رسالة فتطير بشوق محب أو نداء مستغيث.
و خط الحبر آهات العاشقين على الأديم والرقاع، وغاص القلم في مداد النجاة ليحرر خطاب تنوير وتقرير دستور أو قصيد مدح و هجاء .
مئات السنين تداعت و الإنسان يحلم بقرب ممن يحب، فاخترع و ابتدع ، وابتكر وأبدع ، واكتشف للتواصل و الاتصال طرقا أروع، وهبت الحضارات تفرز عجائب والعلوم تنتج غرائب، حتى وصلنا لحاضر زاحمت فيه أقمار مصنوعة أقمار السماء المرفوعة، وباتت الأرض تتعجب مشدوهة من عبقرية الساكن و نتاج ذكائه، وسادت الكوكب التقنية و أدواتها حتى ماعاد يظن بأن هنالك مزيد.
التقنية وأساليبها عالم ذي زخم، قلص المسافات الحقيقية مقابل التسارع و التقارب، منحنا معلومات فورية بيد وسلب منا القدرة على الاحتفاظ بها بالأخري.
ضعفت ذاكرتنا وأذهاننا و قويت ذاكرة الهاتف..
بهتت علاقاتنا الحميمة و توهجت علاقات البعد والافتراض..
شبكت التقنية بين أطراف الأرض و تركت الكثير الكثير من البشر والقيم والمنافع لتقع صريعة من سماء المسافات المقلصة واحدا تلو الآخر.
تعطلت حواس الآدمي و أضيف للآلة مجسات و حساسات لتشعر..
تبلدت مشاعر ذي الروح و النفس وتوقدت منابر التواصل بالأحاسيس والشعور،
حلت الملصقات الباردة في مقاعد الكلمات الصادقة الدافئة ، وتمددت الكلمات المتطفلة في سواحل الاتصال بدلا من عناق الأعين و احتضان الشجن وجها لوجه.
تهاوت قلاع الحافظة القوية والقدرات الحسابية واللفظية لدى كثير من الناس مقابل تطبيقات الذكاء والذاكرة والقدرات الخليوية والالكترونية.
بل تلمست العلاقات المهمة كالبر و ميثاق الزواج و الأخوة والانتماء والصداقة وغيرها طريقها نحو مقابر الدفن والتواري وركب الخلاف موجات الحياة وسيطر الفساد الأخلاقي والاجتماعي و ابتذال النفس الإنسانية على مراسي القيم ومرافئ الخلق الحسن.
نلهو بأجهزتنا نحسبنا مسيطرين عليها، و تلهو بنا تحسبنا مأجورين لديها،
نزهو بأدوات نظننا نطوعها لأغراضنا والحقيقة أنها تسخرنا لغاياتها..
ألبسنا التقدم التقني حلل الكمال والتمجيد، وجردنا ذات التقدم من مزايا الإنسان و معايير تفرده وتميزه.
عصر الآلة الذكية التي يديرها إنسان غبي، آخر ملامح ذكائه كانت حين ابتكرها ثم ابتلعت تلك التقنية كوحش مسعور ثنايا تلك العبقرية وحولتها لمراتع ضعف و بؤر تخاذل و انهيار.
ولازال السباق قائم حتى لتقليل عدد البشر مقابل سيطرة الأداة و الآلة و التقنية، فالمصنع ذي المائتي عامل يقطفون رزقهم من ثماره ويشيعون الدفء حبا في نواتج صناعته، اكتفى بعشرين من البشر ومئات من آلات ذكية تزيد عدد العاطلين و الكسالى والفاسدين.
إذن و بعد كل هذا حين يبرق سؤال:
“الإنسان والتقنية.. أيهما طوع الآخر وسخره لشروط منظومته؟؟”
الإجابة تهطل من رباب هذا المقال و ديم سطوره.
لكن لن تيأس خيول بشريتي من أن تجمح في وجه التسلط التقني المكفهر، نحن من صنعنا التقنية ونحن من يجب أن يوظفها بما يفيد، ونحن الأقوى و الأذكى، فالتقنية ابتدعها البشر ، والإنسان أبدعه رب البشر، و لا مجال لمقارنة بين صنع عبد و صنع خالقه .

*حافلة البلد*
في ليلة مبهمة خرجتُ من المنزل.. إلى أين؟ لا أدري!
ساقتني قدماي إلى مقبرة مجاروه. “السلام عليكم دار قوم مؤمنين”. المكان موحش، فوضى من العظام. غٌصت داخل الزمان، أحاطني أنين الأرواح وحديث الموتى. أمسكت بجمجمة، تحسستها بيدي، أدخلت أصابعي في تجاويف العينين. رفعتها إلى مستوى بصري، تساقط منها بقايا أتربه وعناكب ميتة. داهمتني التساؤلات؛ لمن تكون يا ترى؟ لوزير.. لعامل بسيط.. لغني..لفقير… لظالم أو مظلوم؟! هل يتنعم صاحبها في الجنة أم يتعذب في النار. متى تنغرس رؤوسنا المحشوة غرورا بجوارها؟ اليوم..غدا… بعد عام… أقل أكثر؟
رميتها على الأرض ومشيت، سمعت صوت حطامها خلفي، ربما وقعت على صخرة، لم ألتفت للوراء.
خرجت من عالم الأموات إلى عالم الأحياء، ركبت حافلة البلد، لا أدري إلى أي عصر تنتمي هذه السيارات وفي أي بلد صنعت، شاهدت مثيلاتها في مدن: كاراكاس، دلهي ومانيلا. سلكت بنا الطرق مسرعة محطمة كل قواعد السير. بعد صراع مع الصداع والغثيان، حطت بنا الرحلة في وسط البلد. عمارات وبنايات شاهقة يكسوها الرخام الفاخر والزجاج المصقول. ازدحام بشري في كل مكان، اختلاط والتحام بين أجساد النساء والرجال. أصوات نشاز للبائعين المتجولين بلغات متنوعة، متداخلة وغير مفهومة، بضائع من الهند، والصين، وتايلاند.
جلست علي مقعد إسمنتي بقرب بناية شاهقة، بقيت لحظات أتفرس وجوه المارة محاولا قراءتها. جلس بجانبي رجل وامرأة من جنسية شرق أسيوية. زوجان.. صديقان.. لا أعلم، لكن بينهما حميمية دافئة .
ظلت تتبدل أمامي الوجوه وتتغير في أمواج متلاحقة، أشكال وألوان متباينة، أنهك بعضها التعب، وارتسمت على الأخرى حمرة العافية. هذه الملامح تخفي ورائها؛ المجرم الخطير،العاشق المتلهف، السعيد، المهموم.
مرت أمامي امرأة ممتلئة القوام، تمشي بغنج الغواني وقد أسدلت على وجهها غطاء أسود شفاف يسمح للرائي بمشاهدة جمالها الأخاذ وأنوثتها الطاغية من خلفه. لماذا عمدت إلى فعل ذلك؟ ربما للتباهي بحسنها أو قصد الإغواء.
لم اهنأ بالمقام، فلم يكف الحمام عن إسقاط رغوته اللزجة المزعجة على ملابسي. مسحت ثوبي واتجهت إلى داخل البناية.
يا لروعة المكان! استقبلني هواء عليل ونسيم بارد. روائح متنوعة؛ بخور شرقي، بن برازيلي، وعطور باريسية من نساء متأنقات.
أحسست وكأن قدماي ترفعان جسدي في الهواءوتزفه ليطير متتبعا تلك الروائح، اصطدمت بالسلم الكهربائي المتحرك ووقعت أرضا. قهقهات وضحكات صدرت من خلفي. استدرت للوراء، مجموعة من الشبان راق لهم المنظر، ولم يمنعهم ذلك من مساعدتي.
التقطت شماغي وعقالي وهممت بالمغادرة.
– شكرا يا شباب.
-عفوا يا عم.
يا عم! لفظه لم أعهدها لقد أنستني ألمي.
ابتعدت عنهم قليلا.
ألصقت وجهي بزجاج محل ساعات فاخرة. تفحصت وجهي، مررت بيدي عليه.
يا إلهي، ما هذه الأخاديد الغائرة والنتوءات!
بدأ لي وجهي وكأنه خاض معركة مع الزمن غير متكافئة تركت آثارها على ملامحه. يا لسوء حظي! حتى الصبغات والألوان لم تخف منابت الشيب. اقترب مني بائع الساعات وسألني: أي خدمة يا عم؟ لم احفل به. تركت وجهي الذي لا أريده على صفحة المرايا ومضيت. بدت على يساري لوحة نيون كتب عليها: بيت الدونات. دلفت داخلا المحل، شاهدت أطايب الحلويات المتعددة. سألت البائع: لو سمحت هذه بكم؟
– هذه. أشار بيده.
-لا…لا…هذه. المغطاة بالشكولاتة .
– بسبع ريال، أجابني البائع.
-أعطني واحدة.
-حاضر.
أدخلها مع مجموعة مناديل في كيس.
-تفضل سيدي.
-شكرا.
خرجت إلى بهو المبنى. بحثت عن مكان للجلوس. ما إن هممت بالجلوس حتى رن جرس الإنذار وتوقف، ثم تبعها رنات متقطعة. سمعت صرخات من بعيد:
حريق، حريق. تسارعت بارتباك شديد حركة المتسوقين، اكتظت أبواب الخروج وتدافع الناس بشكل دائري. بدأ النساء في العويل والأطفال بالبكاء. قوة مغناطيسه جذبتني عنوة إلى عمق الدائرة البشرية. طارت الدونات في الهواء ولم أتذوقها طعمها بعد، لحق بها الكيس والمناديل. تراءت لي الحشود هياكل عظمية متحركة. يا الله هل دقت ساعة النهاية؟ أصبت بدوار، لم أتمالك نفسي وسقطت بعنف على الأرض الصلبة. هرب مني رأسي وهربت أيضا أطرافي. بكيت، ناديت من يجمع أشلائي، فلم أعد أملك جهدا لمقاومة الموت.

معشوقتي الخضراء ..
/
كل عام ومعشوقتي تعانق السّماء مجدًا ، وتحضن السّحاب فخرًا وعزًا ، دُمتِ يا بلادي حُبًا وعشقًا للأبد.
دام عزك ياوطن..
عندما يبدأ المرء بالكتابة عن وطنه تحتار الكلمات والعبارات وتصيبه الحيرة من أين يبدأ في وصف وطنه الذي يُحبّه، فالوطن أكبر من أن تحويه عبارة أو تختصر معناه بضعة كلمات، وحبّه أنقى من كلّ أنواع الحب، لأنّه حبٌ غير مشروط وليس فيه مصالح…
اليوم الوطني يحكي لنا سيرة وطنًا، وفي عامه التسعين نحتفل بهمّة قيادة وفخر شعب وطموح وطن..
هاهو اليوم الثالث والعشرين من سبتمبر مقبل ليحكي لنا قصة عشق دامت 91 عامًا لـ ملك وأرض وشعب..
يوم الوطن يمثل لنا الفخر
والاعتزاز بماضينا المجيد، وحاضرنا العظيم الذي نبنيه مع قيادتنا الحكيمة، ومستقبلنا المشرق الذي سنصل إليه بالهمة التي ستوصلنا بحول الله إلى القمة..
ما هو الوطن؟!
الوطن ليس مجرد سؤال نُجيب عليه ونمضي..
الوطن هو الحياة..الوطن هو السلام..الوطن هو الأمان..بلا وطن تنسلخ القيم ويذهب الأمن وتعم الفوضى..
عام يذهب وآخر يأتي ووطني يزداد بهاءً ورفعة وتقدم..
عام يذهب وآخر يأتي ووطني يزداد حبًا وولاء لكل من تلحف بترابه..
الوطن هو العطاء الذي لا ينضب، ومنبع الماء الصافي الذي لا يتلوّث حتى لو كان كلّ شيء حوله يُحاول تلويثه، لأنّ حبّ الوطن مثل الذهب الذي لا تتغيّر صفاته مهما طال به الزمن..
الوطن هو سند من لا سند له..
الوطن هو البطن الذي يحملنا بلا كلل وملل..
وطـني ذلك الحب الذي لا ينقطع..
والعطاء الذي لا يتوقف..
وطـنـي أيها الحبُ الخالد من لي بغيرك وطنًا، أبالصحاري أم البحارِ، أبالجبال أم السهولِ، أبالهضابِ أم الوديانِ فأحلُمُ بهِ شمالٌ وجنوبٌ، شرقاً وغرباً ستبقى الحب الأبدي..
حفظ الله الوطن أرضاً وإنساناً..
آخر السطور :
يقول حبيب الزيودي :
*سكبت أجمل شعري في مغانيها
لا كنت يا شعر لي إن لم تكن فيها
*هذي بلادي ولا طول يطاولها
في ساحة المجد أو نجم يدانيها
*ومهرة العرب الأحرار لو عطشت
نصب من دمنا ماءً ونرويها
*يا أيها الشعر كن نخلاً يظلّلها
وكن أماناً وحباً في لياليها
*وأيها الوطن الممتد في دمنا
حباً أعز من الدنيا وما فيها
* بغير كعبتك الشماء ما وقفت
هذي القصائد أو طافت معانيها
* هذي صفاتك إني إذ أُعددها
على الأنام فإني لست أحصيها .
–