- 24/04/2023 شدو الأعياد
- 24/12/2022 كلية العلوم الإنسانية ونادي أبها الأدبي يحتفيان باليوم العالمي للغة العربية
- 08/10/2022 الأديبة عنبر المطيري على مأدبة التوقيع
- 25/09/2022 مساء المفاخر الفاخرة للوطن
صهيل الريح [ 184 ]

الوجه الإنساني للمملكة: ريادة وكرم وعطاء
ذكرى تأسيس المملكة عام 1139هـ هي ذكرى الأساس الذي قام عليه هذا الكيان الشامخ الذي يضم على ثراه الطيب أطهر البقاع المقدسة: الحرمين الشريفين، وهي ذكرى انطلاقة الوحدة الوطنية التي جمعت أشتات الوطن في بوتقة واحدة، وهي أيضًا ذكرى اليوم الذي سطّر فيه الاباء والاجداد أقوى وأروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء لهذا البلد الأمين الذي ضرب المثل الحي في التغلب على الصعاب وتفعيل كافة إمكاناته للحفاظ على الأمن والاستقرار والأمان على ربوعه في ظل راية التوحيد وتحت قيادة رشيدة مخلصة آلت على نفسها أن تكرس جهودها في خدمة الوطن والمواطن وتحقيق المصلحة الوطنية العليا في أجل معانيها. والمتتبع للمسيرة السعودية عبر أطوارها الثلاثة لابد وأن يلاحظ أن تمسكها بالعقيدة الإسلامية واتخاذها القرآن دستورًا للبلاد، أضفى على الكيان بعدًا إنسانيًا تمثل في العديد من المظاهر، حيث ضربت بلادنا المثل الأعلى في المشاركة الوجدانية والشراكة الإنسانية مع مجتمعها الدولي، واعتبر ذلك في حد ذاته أحد عوامل نجاح التجربة السعودية وثباتها واستمراريتها.
اليوم ونحن نعيش في هذا العهد الزاهر في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز مواصلين مسيرة العلو والتنمية والبناء في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية والصحية والتعليمية والسياحية وعلى كافة الصُعد لتحقيق رؤية سمو ولي العهد2030 التي ستجعل المملكة في طليعة الدول المتقدمة – اليوم نشعر بالفخر والسيادة والاستقلالية في كل ذرة من كياننا، عندما نرى بلادنا العزيزة وقد توجت كل تلك الإنجازات- وبعد أن تخطت عتبة الأحلام بعد أن حولتها إلى حقيقة على أرض الواقع- بتقديم رسالة إنسانية رائعة لمجتمعها الدولي، تمثلت في دعم ومساعدة وإغاثة المستضعفين في بقاع الأرض على مدى عقود وسنين طويلة، مما يجعلنا نفخر بانتمائنا لهذا الكيان.
فعطاء المملكة الإنساني السخي من أجل إغاثة المنكوبين والمتضررين من الكوارث المختلفة في العالم عامة، وفي الدول العربية خاصة، في إطار دورها الإنساني والإغاثي، وكرم حكومة وشعب مملكة الإنسانية، لا يحتاج إلى إثبات، فدعمها الكبير والمشرف لتقديم المساعدات الإنسانية جعلها تتصدر الدول المانحة في قطاع تقديم المساعدات الإنمائية والإنسانية، وتأخذ موضع الريادة في الأعمال الإنسانية على مستوى العالم، وهو ما تمثل مؤخرًا في صدور توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ،الحملة الشعبية عبر منصة “ساهم” لمساعدة المتضررين من الزلزال العنيف الذي ضرب مؤخرًا “سوريا وتركيا”. كما أطلقت مملكة الإنسانية جسرا جويا إغاثيا و فرق إنقاذ وتدخل سريع وفرق طوارئ طبية وتطوعية سعودية ، ومساعدات طبية وإنسانية بصورة عاجلة لتقديم مساعدات صحية وغذائية ولوجستية وإيوائية ، للتخفيف على الشعبين السوري والتركي من أسوأ زلزال مدمر، خلف دماراً مروعاً وخسائر فادحة في الأرواح ، والممتلكات وآلاف القتلى والجرحى إضافة للأضرار المادية.
ويأتي هذا الموقف للمملكة استمرارًا وانسجامًا لمواقفها العديدة السابقة في هذا المضمار، إيمانًا منها بأن عملها الإنساني لا يرتبط بأي اعتبارات أخرى، وذلك انطلاقاً من دورها الإنساني والريادي تجاه المجتمع الدولي في شتى أنحاء العالم، واستشعاراً منها بأهمية هذا الدور المؤثر في رفع المعاناة عن الإنسان في كل مكان، ليعيش حياة كريمة، فإنسانية السعودية حاضرة في مثل هذه المواقف دائما وأبدًا بشهادة المجتمع الدولي ومؤسساته وهيئاته.
إن نظرة وقراءة سريعة لمنصة المساعدات السعودية تجعلنا ندرك حجم العطاء الذي تقدمه المملكة لكافة المنكوبين من جراء الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات وما إلى ذلك، بالإضافة إلى تقديم المعونات للعديد من الدول العربية والأجنبية والتي يأتي في مقدمتها 6 دول عربية وإسلامية هي مصر واليمن وباكستان وسوريا وفلسطين ولبنان، بما مجموعه حوالى 56 مليار دولار. ويمكن القول – استنادًا إلى ما سبق – إن البعد الإنساني في سياسة المملكة يشكل أحد ثوابتها ومبدأ أساس في سياستها الخارجية، ودليل على أنها دولة محبة للسلام ومتوائمة مع مجتمعها الدولي.

……..العرف والعادات………..
هما قطب الرحى في حركة مجتمع يعيق نفسه بنفسه
أجد المبالغة في اعتبار العادات شئ من التناقض مع الإيمان ، والمبادئ خصوصا في المجتمعات التي تعلن التدين.
دعوة الأنبياء ماهي إلا خروج بل ثورة على العادات ، والأعراف .
مقولة(العادات محكمات)وهي سائدة ليست بمنطوقها…
وما تحريم الخمر في الإسلام ، وغيره من الأديان السماوية ! إلا شاهد على كيفية التعامل مع العادات ، وإلا لما حرم الخمر على قوم اعتادوا علية ، وتعارفوا وغير ذلك من الكوارث المتأصلة في المجتمعات التي ضلت.. ولكي ننهض من جديد لابد أن نتفاعل تفاعلا ايجابيا مع العادات ، والأعراف وإلا سنبقى خلف الركب نتقمل
إن أكبر خطأ ثقافي لازم مجتمعاتنا هو أن العرف دين أو جزء من الدين يلزم مراعاته وجوبا .

وزلزلت ذات فجر..
الكون أسرار وغموض لانهاية له، حيث الإبداع الإلهي يتجلى في ملايين الصور والمواقف والتكوينات.
هذه الأرض والتي ينتهي عندها حدود علم الإنسان بوجود الحياة، إذ أن من الممكن أن تكون هناك عوالم أخرى بمخلوقات مختلفة وأنظمة مغايرة فالله الخلاق قادر على كل شيء.
دعونا نبقى مع أرضنا فما بُثّ فيها من عجائب يكفينا ويفيض..
وكم أتعجب لنهم البشر لغزو الفضاء وهناك من أسرار أرضهم مالم يقدروا على فك شفرته وحل عقدته.
من هذه العقد كارثة الزلازل، إذ فشل ذاك المتشدق بعبقريته من الوصول لآلية تحدد مواعيد متوقعة لها، عرف العلماء إمكانية مكان حدوثها لكن وقتها مامن جهاز يرصد ولا قانون يحسب فيتجلى الموعد المتوقع .
الأرض – والذي قرر الله تعالى أن خلْقها والسماء أكبر من خلق الإنسان- تظهر يوميا دلائل تدل على مدى وجود الإتقان في خلقها وإنشائها.
الأرض جرم عجيب غير متوازن من حيث الجوهر والمظهر، فلبّ الأرض جحيم مستعر كمرجل عملاق وقشرتها أرض ثابتة، ويبطن القشرة طبقة صخرية؛ هذا الاستعار المستمر يحاول مستميتا إذابة ذاك الصخر المحيط لكنه لو ذاب لتمدد ، وربما انفجرت الأرض وحالت إلى أشلاء وشظايا تتبعثر في الفضاء، لذا كان المتنفس الوحيد لهذا الغضب المزمجر باطنا هو زفير يطلقه باطن الأرض على هيئة زلزال أو بركان، فالزلازل والبراكين وإن كانت من آيات الله وهناك آثار في السنة تؤكد كثرة الزلازل في آخر الزمان وعمر الفاروق أشار إلى ربط ذلك بالمعاصي والفتن ، ولكن أيضا جعل الله لحدوثها تفسيرا علميا منطقيا لا يتعارض مع كونها آيات من عند الله.
أحبتنا في سوريا وتركيا استيقظوا قبل أسبوع على هلع يخلع القلوب وامتلأت القبور موتى من جرائها ورصدت آلاف الحكايا الموجعة لأطفال نجوا وأسر طُمرت ونزفت قلوبنا ألما معهم ومن أجلهم، ولا ملجأ لنا سوى من أوجد الزلازل ليرفع عنهم همها وشرها ويصلح حالهم.
عودة إلى أرضنا المحيرة، أتعجب لغرور الإنسان الذي فرح بالهرولة بين الكواكب ورصد البوابة الأخيرة في الكون ولايزال عاجزا عن معرفة متى تنشق الأرض تحت قدميه وتهتز وتميد فتبتلعه!!
يدلي العلم بسر خطير عن الصفائح التكتونية والتي تربط قشرة الأرض بعضها ببعض كلعبة القطع أو ال “puzzle” ، إذ تتحرك هذه الصفائح تبعا لحركة الطبقة الصخرية تحتها والمتأثرة بالحرارة الهائلة للجوف الملتهب ، والحركة بين هذه الصفائح بأنماط عدة يؤدي لحدوث الزلازل.
يا لهذا الإبداع والتعقيد الدال على عظمة الخالق وضآلة الإنسان.
ومن العجائب اكتشاف توقف لب الأرض وانعكاس دوران محورها مما فسره البعض بأنها بداية النهاية وطلوع الشمس من مغربها.
وكثرت الشائعات؛ وانتشرت الفتاوى العلمية والتوقعات، وفي نهاية الأمر علينا أن نسلم أن هذه الأرض بل الكون الذي هي نقطة في أفلاكه إنما تدار بنواميس خالقها، نتوسله فيرحم وندعوه فنَسلم .
فهاك فتاة ترطب جفاف حلقها بقطرات مطر انزلقت إليها بين أكوام حجارة السقف الذي وأدها، وتلك أم يتوقف قلبها وينبض آخر لطفلتها الهاربة من برودة جسد يموت لدفء حياة تبدأ، وذاك الذي عاش أسير سقف وجدران بيته في تابوت إلزامي لأيام ظنها سرمدية، كيف يشعر الإنسان الأعزل حين تغلفه الحجارة من كل جنب ويعيش أياما تصادق أذنه نبضات قلبه ونيسا، والجوع يقرص والبرد يلسع والظلام يجثم ماردا على صدره، وقد يشق الصمت أصوات المنقذين عن بعد في انتظار متأمل ليد تسحبه من مملكة الحجارة المحيطة .
سجن هو قبر نجا منه البعض والبعض قضى الساعات حتى تلاشت علامات الحياة والعين ترمق كسير الحجر ونتوء الحديد، ما أبشع ما خبره كلاهما : الناجي والهالك، رحماك ربنا.
الأرض ما بين شاعرية سطحها في لوحة غروب الشمس وبهاء قوس قزح وبين سعير جوهرها تكمن شفرة هذا الكون الجامع بين المتناقضات، فروعة تتلألأ من صهير وجمال يسحر من هدير .
وصدق البيان “سبح لله مافي السموات والأرض” ..
الجرم الأزرق يحتضن رعاياه ومابين شهيقه وزفيره قد يقصف ويؤلم وقد يسعد وينعم .

( فلكٌ بمحضِ كوكب )
ليس كل من قال أفاد،
ولا كل من تحدث نفع،
ما كل من انهمر
سيلا أنبت كلأً وأجاد ،
وليس كلّ كلامٍ كلاما.
كثيرون يكتبون نصوصا مكررة..
عبارات معادة ..
ألفاظا تشبعت مللا..
وصايا قُتلت تنظيرا.
ساد هرجٌ ومرج في سوق الكتابة، فكثر الكتّاب وانحسرت الجودة، صاحب الإبداع يتأوه وجعا مما يرى ويقرأ من حثالة النصوص وضحالتها في عصر كثرت فيه البضاعة وفاضت معه الرداءة.
كتّاب المقال على أنماط خمسة:
نمط يكتب مقالا بسيطا متواضع الأسلوب مباشر الغرض، ضعيف المستوى لغة ومبنى هزيل الأركان صياغة ومعنى .
آخر يكتب مقالا طيب المحتوى نبيل الأفكار لكن بالمضمون ذاته الذي استهلك بحثا ومن ذات الزاوية التي فرغ منها آخرون وبألفاظ مكررة وعبارات تقليدية لا إبداع فيها ولا جِدّة.
ونمط ثالث يكتب مقالا جيدا حسنا ولكنه يظل يدور في مضمار المعهود ما بين الواقعية والخيال .
أما النمط الرابع فكاتب مبدع يكتب قطعة جميلة تتسم بالحسن والبراعة.
ومع كل نمط من هؤلاء يقل عدد المجيدين فكتاب المقال الهزيل غثاء كغثاء السيل ثم وبعلاقة عكسية كلما زادت جودة المقال قل عدد المبدعين فيه.
وهناك نمط إضافي تقوده قلة من صانعين ويروده ندرة من مبدعين ، يسوق فكرا عتيقا لكن بزوايا غير مسبوقة وأسلوب يفغر الشفاه إدهاشا .
إذ أنه يخرج تحفة فنية متكاملة الأركان من محتوى بديع وصياغة فريدة وأسلوب متفرد وتحليل مبتكر وقالب يرفل في عبقرية البيان العربي، فاللفظ مقنن في تناغم مع سمو المعنى، والسياق يموج تيها بين بحور البديع وجمال المبنى، والفكر المتقد والحِكم المدهشة والأغراض العميقة وفي مجالات عدة مابين حكمة ومعلومة وخبر وزينة أدبية.
يقرؤه فقير التميز فلا يدرك قاعه، ويتجرعه سائغا ذو الذائقة والوعي فيجده سلسبيلا، خمرٌ حلالٌ تناوله ، زلالٌ لشاربه، يخرجه من سحارة محفوظاته الثمينة كجوهرة يمتع نظره بوهجها بين الفينة والفينة، ويتلذذ بقرائتها نصوصا خالدة لينتفع ويستمتع.
وهذا النمط قلة القلة وندرة الندرة .
ألا إن هناك نمط سادس، يتزعم النمط الأخير ويترأسه.
فلكٌ يسكنه كوكب دري واحد، تسوسه امرأة ذات زخم وتعدد، تكتب نصا فينعكس وهجا درّي الوضاءة، لا يدانيها نجم ولا يباريها تابع
من قمر، فالحرف ينيخ ركابه لتمتطيه والوهج يخفت حبا وكرامة لتذكيه بنفث سحرٍ يدهش هاروت بلوغا ويربك ماروت سطوعا، مُشعلا فتيل الإمتاع الأدبي والفكري.
جمهور هذه الأخيرة ندرة، ومدركو أطايب نضير مقالها قلة، فالثلة يتبعون السهل الغث، والسمين يتطلب نخبة تعي وتفرز العطور وفق عبق زهورها، وهؤلاء على قلتهم صفوة مُتخِمة تجزئ المائة منهم عن ألفِ ألف .
إن لم تحدس كينونتها فانظر خاتمة هذا المقال،
إذ تُذيّل باسمها هذه الجمانة التي تكشف خفوت الباهت من نتاج الأنماط الأخرى، فالأبلج أغرٌ يأتلق والأدهم أسحمٌ لا يكاد يُرى إعتاما وغورا.
وقد ينتقد أحدهم تباهينا هذا ويعده نرجسية وغرورا، لكن معاذ الله فالفخر لأهل الفخر بدواعي فخرهم ليس كبرا ممقوتا، بل إحقاقا وإنصافا وقدرا مستحقا.

حقيقة الشرقي التي نعرفها ..
قامت المصممة الألمانية من أصل صيني ” يانغ ليو ” برسـم مجموعة من الصـور الرمزيـة عن الاختلافـات التي توصلت إليها بين الثقافتين الغربية والشرقية من حيث المبادئ والعادات وجمعتها في كتاب صغير باسم : “East Meets West” يوضح بالصور الاختلافات بين الشرق والغرب من ناحية المبادئ والعادات ورمزت للثقافة الغربية باللون الأزرق ورمزت للعربية باللون الأحمر وتناولت جوانب الثقافتين الحياتية وفق معايير ومقاييس معينة حسب رأيها بيد أن زاويتها للإنسان الشرقي كانت زاوية شكلية مظهرية ضيقة الأفق دون الخوض في عمق تلك الصورة والبحث عن المسببات التي وضعته في هذا المظهر وعدم الاكتفاء بالصورة النمطية الذهنية والتي تكون داخل الإطار فقط .. فقد خانها ذكاؤها – من وجهة نظري – إذا لا تعلم ” يانغ ليو ” حقيقة الشرقي التي نعرفها جيدا والتي قد نجد لها الكثير من مخارج الطوارئ في السلوك الاجتماعي والأخلاقي والتقاليد والأعراف وتداعيات تلك الصورة ودراستها من العمق دون تسطيحها وتقديمها للعالم بهذا الشكل الذي يحمل الكثير من الإجحاف والظلم والتعميم ومن خلال رؤية ” يانغ ليو ” يمكن لنا أن نستعرض بعضا من تلك الصور الرمزية ونكشف من خلالها حقيقة الشرقي الغائبة حيث ترى ” يونغ ليو ” أن الشرقي يتهرب من طرح رأيه بشكل مباشر بينما الغربي يقول رأيه مباشرة دون تردد والحقيقة الغائبة أن الشرقي يخاف على مصالحه ويحرص كثيرا على صداقاته وعلاقاته ولا يحبذ الوقوع في شراك الصدامية التي قد تذهب للعدائية وكيفية تعاطي الآخرين لرأيه فتجده يراوغ كثيراً .. وترى أن الشرقي يعمل ضمن جماعة ولديه تكاتف اجتماعي وشبكة تواصل كبيرة ومعقدة بينما الغربي يعمل لوحده ولديه صداقات محدودة جداً والحقيقة الغائبة أن الشرقي تربطه أواصر كثيرة منها منطقته بشكل عام والقبيلة بشكل خاص فضلا عن الدم، وكذلك الصداقات الاجتماعية والالكترونية الواسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وإن كانت مجهدة إلا أنني أراها ميزة وليست سلبية كما تعتقد وترى أن الشرقي مسرور لغضب الآخر الذي يحاوره بينما الغربي ينزعج ويحاسب نفسه ويبدأ في الحوار والنقاش المقبول والحقيقة الغائبة أن الشرقي يحاول رد القادم إليه فيسبقه لإغضابه قبل أن يغضبه .. وترى أن الوقت ضرورة ملحة عند الغربي والعربي لا يمثل لديه هاجسا مؤرقا وخاصة في احترام المواعيد .. والحقيقة الغائبة أن الشرقي لديه حفريات وطرق متكدسة وتحويلات ملتوية ومستنقعات مجهضة وأرصفة تعاني من البطالة والفقر .. وترى أن الغربي يعيش حالة انتظام في حركة السير مع بداية أيام الدوام الرسمي بينما تجد الشرقي يعيش حالة من الفوضى العارمة والحقيقة الغائبة أن الشرقي يعاني من الاختناقات المرورية والكثافة السكانية الهائلة وتهالك الطرق والبنية التحتية والتنبيهات المستمرة على طريقة ” نأسف لإزعاجكم ونعمل من أجلكم ” وتعثر الكثير من المشاريع! وترى أن الغربي لا يهتم كثيرا في سفره بالتصوير وتوثيق رحلاته وإنما يكتفي بالمشاهدة بعينه لكل الأشياء من حوله والاستمتاع بها بينما الشرقي يوثق رحلاته لدرجة كبيرة وتظل عدسة الكاميرات المحمولة أو عدسة كاميرات الهواتف النقالة ملاصقة له طوال رحلته وفي كل مكان والحقيقة الغائبة أن الشرقي يستغل الفرصة فربما لا تتكرر رحلته لهذه البلدان ثانيةً ومشاركة الأصدقاء له رحلات سفره فتجده يعيشها بكل تفاصيلها.. وتسلط الضوء بشكل كبير فترى أن الغربي يلتزم الهدوء في المطاعم العامة بينما تجد الشرقي يتحدث ويناقش بشكل كبير في تلك المطاعم العامة والحقيقة الغائبة أن الشرقي ظاهرة صوتية تنفيسية من ضغوط الحياة فيجدها فرصة لطرح الكثير من الأفكار والهموم والمشكلات التي تواجهه ، وترى بأن الغربي يهتم بالنظام كثيراً ومهما كان منتظراً سيضمن له حقه ومدة انتظاره، والعربي يتأفف ويتضجر ويلاحظ هذا في طوابير الانتظار والحقيقة الغائبة أن الشرقي يعاني من ” الواسطة وتكفى والجو الحار والزحام ” فضلا عن عبارة الصلاة والدوام انتهى والموال القديم ” راجعنا بكرة أو السيستم عطلان ” .
ومضة :
يقول محمود درويش :
أنا عربي
ولونُ الشعرِ .. فحميٌّ
ولونُ العينِ.. بنيٌّ
وميزاتي : على رأسي عقالٌ
فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
تخمشُ من يلامسَها

“سيّدة كل اللغات ”
منذ أن احتفال اليونسكو للمرة الأولى باليوم العالمي للغة العربية في تاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2012 واللغة العربية تكتب اسمها في أعلى مصاف اللغات العالمية بعد أن وضعت اليونسكو العالمية هذا التاريخ السنوي لإبراز أرث اللغة العربية الإنساني عبر الزمن ومساهماتها العظيمة في الحضارة الإنسانية ، ولم تنل اللغة العربية شرف عالميتها إلا بعد أن سلّطت منظمة اليونسكو العالمية الضوء بشكل دقيق وكبير على مكانة اللغة العربية في إثراء التنوع الثقافي واللغوي للإنسانية ، ومساهمتها في إنتاج المعارف، وذلك من خلال موضوع هذا العام والذي حمل عنوان :
” مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية ” …
وتنظِّم اليونسكو بمناسبة هذا الاحتفال الخاص باللغة العربية العديد من الفعاليات الثقافية في مقرها الرئيسي في باريس حيث يجتمع الأكاديميون ، والباحثون والخبراء لمناقشة التنوّع الثقافي وتجربة اللغة العربية الثرية وتفاعلها مع اللغات الأخرى والقيم الإنسانية المشتركة والإمكانيات التي تتيحها التقنية الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة ، وضع تصوُّر للتماسك الاجتماعي من خلال التعددية اللغوية وتتضمن الفعاليات الثقافية التي تنظمها اليونسكو العالمية رسماً تشكيلياً حيّاً لجدارية كبرى للخط العربي ومعرضاً للّوحات شِعرية ٍ على مدار اليوم !!!!!!!!!!!!
لذا فإن الواجب علينا إيزاء هذه اللغة العظيمة المحافظة عليها كونها لغة ديننا الإسلامي العظيم ، والحرص على نشرها والتعامل بها في كافة مناحي حياتنا وترغيب الأجيال فيها وتحبيبها لهم وتطبيقها من خلال مناشط وفعاليات مجتمعية تعليمية ، وفي كافة المجالات والتعريف بأهميتها وقيمتها ودورها الهام في حمل رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه اللغة التي تمثلنا دولياً في كافة المناشط والمحافل ، وألاّ تطغى عليها اللهجات أو حتى اللغات الأخرى لنكون أكثر تمسكاً بهويتنا الوطنية هوية الحضارة العربية الإسلامية ، والتراث الأصيل الممتد عبر التاريخ الإنساني !!!!!
هذه اللغة التي كانت وماتزال وستظل صامدة أمام كل التحديات والعقبات والمؤثرات ، فالّلغة العربية هي الأقوى تأثيراً بين لغات العالم حتى استحقت أن تكون ( سيّدة كل اللغات ) متفوقة على كل اللغات العالمية الأخرى .
فكرة أخيرة :
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
– حافظ إبراهيم –

يوم تكونين ..
يا غريبة على رِسلكِ سيري كالأفلاك في المدار
لنكنّ يوم تكونين يا لغة الضاد !
رويدك فوقع خُطاك جُرحٌ بالصميم ، يامن كشفت عن ساقيها وتمشي بالنبض الهوين الهوين ، على صرحٍ ممرّد بنزف الوتين ، وبساط الريح معسجدبقرارٍ مكين ، وكف يلمم هزائمٌ تداعت على طورِ سنين .. عينٌ تُعاتب بصمتٍ وفي البوح واقع عظيم ، فالنطق في حرم جمالك هلاكٌ وتأبين ، يناجيإنكسار أهدابك لالا تُنادين ، بربّك رِفقاً فبلقيس قبلك لم تستبين ، حسبته لُجة وهو من قوارير شفيف ، علامَ شموخك وأنت بحبرٍ كباقِ البشر تكتبين ،يا ليلكية أهذه شمسك مشرقة ؟!
حين تصبحين وفي الغروب لقلوب البشر تأسرين ، أم أنه تمر حنّاء به تتخضبين ، وبسحر هاروت وماروت تُنجمين .. !!!!!
يا زهرة الأوركيد لِمَ أجدني أسير خلفك كالضرير مكبّل الأيدي أسير ..أجمع المتناقضات والأضداد بكل يسر ولين ، وأرفض وضوح الأمر ؛ تمرداً و هوجليٌّ أكيد ..
قالت :
حسبُك فثورة الشك تجلياتك حتى اليقين ، وأوهامك تخمين تشابه أطوار تخليق الجنين ، ولا تسلني فنحن عوالم جين ، لنجمات و شُهب تسير ثم تسير، نسبح في فضاء ملكوت السماء وهو جِدُّ فسيح ، وهب أنك بأبلجٌ وأدلج قد توشح باللُجين ، ولا بأس عليك ولا تُراع .. حين تُمايز بينها و تُمير فها قدأتاكِ غيمٌ وتيمٌ وليلٌ و سيلٌ يهيم ثم يسطع سناهُ بالجبين !!!!
أنا ياسيدي بارقةٌ مُترفةٌ فارهةٌ مُفوهة أُوقدتُ مصباحي مجبرة من دموع العاشقين ، فأشعلتهُ عنوةٌ من غياهب دمعي مُتيقّنة أن لي في الفرح حظ أنثىوفي الحزن لي مثل حظ الأنثيين ، فسال حرفي قبل حبري سلاسل سجين ، ممزوجاً بدمعي كسلسبيلٍ عن الشمالِ وعن اليمينِ ، وتسيدتُ تكويني بأمرربي لأكن من الشاكرين ، فأنا الفريدة بحالي ودمعي وحرفي الذي أختال به وأباهي أنساق طبائع الثقلين ، حين إمتشاق قلمي ركوعاً وسجوداً في كلصومعة بُنيت في وسط الشرايين ، أعزف نغماً راقياً في وجدان الملايين ، لا يفقهه إلا ذو لُبٍ وكل رزين ، كيفاً وكمّاً إيماءً وجلجلةً بالأنين ، فقد روضتهلأسير وآثقة الخطى بشموخ ملكات السخاء ضمناً وفناً إذا تهافت الرنين ، إن كان لهجاً بتسابيح عموم المصلين ، أو نضحاً بالندى مع هبوب النسيم ،وقت يطيب السهر وتعلو ضحكات السامرين ، وتكتحل العيون بجماله حين احتفال الزهور ورقص الفراشات طرباً حول مصباحي الأشم وكنزي الثمين، في بلاط جُلّاسي الطاهرين ، أولئك كوكبة من أجمل القارئاتٍ وأروع القارئين ، سعداء بفخامة مصدر التكوين ، يقولون :
على رسلك وسيري كالأفلاك في المدار !
لنكن يوم تكونين يا لغة الضاد .
شُرفة :
إنّ الّذي ملأ اللغات محاسنًا
جعلَ الجمالَ وسرّه في الضّاد
-أحمد شوقي –

(قنينةُ عطر )
(الحب حبيسا داخل القلب كالعطر في زجاجة لاقيمة له إلا إذا انتشر )
أسرتني هذه المقولة و عبرت بأناقة عن قناعات اعتقدت بقطعيتها طوال عمري .. كم يثير غضبي ذاك الود المسور داخل قلب مغلق، لا أفهم مشاعر لايعبر عنها بكلمات أو سكنات أو تصرفات،
إن كانت القلوب كالقدور و الألسنة مغارفها فأنى لمحب أن يكون جاف الحرف بخيل المعنى ،
لم يصل العلم الحديث بعد لفهم آلية الشعور و كيفية نسبته للقلب، ذلك الانتساب الذي لا يدرك ماهيته و لا تفسيره، فما بين شروح و تفسيرات علماء الدماغ و وظائف الاعضاء و تفصيلات علماء النفس حول حقيقة المشاعر المختلفة و كينونتها ..
يقف العلم بكل تطوره العبقري عاجزاً عن إبداء تعليل منطقي لمَ نحب شخصاً و نحجم عن آخر و كيف يصل حب الأم لصغيرها درجة التضحية بالنفس و لماذا يكره أحدهم آخر حتى يقتله .
و هنا يأتي قارب النجاة من بر المنظور الإسلامي لنحظى بإجابة حيث أنه نسب الألفة و الاختلاف إلى تعارف الأرواح و تنافرها و لتتقهقر جميع نظريات علوم النفس و علوم الطب إلى خانة إعادة النظر و التفنيد فالألفة التي هي احدى أنواع المشاعر قرر الحديث الشريف أنها تأتي تبعا لسيطرة الروح و ما أدراك ما الروح ..يقول الحق (و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)”الإسراء -85″ ، و الروح ذلك السر الخفي الذي يوجد قبل البدن و الذي به تكتسب الأبدان طاقتها و بغيابها تتحول لعجز و لا إرادة ذكر بعض المفسرين أنها تنطبق ايضا على النفس (يا أيتها النفس المطمئنة)،
فكل الاجنهادات العلمية كانت و ستزال عاجزة أمام هذا الخفي المستتر و سيظل عقل الإنسان قاصرا بقلة علمه عن تفسير ماهيتها ..
إذن المشاعر الإنسانية جزء من تلك التركيبة المعجزة و الغير مدركة مما يجعلها
في ذاتها سراً كبيراً كمحيط استحال سبر عمقه على بشر أو أحجية صعب فك رموزها من قبل بشر..
فمن الصعب أن تجد إنسانا يحمل عاطفة أحادية لا سواها فالنفس البشرية مركبة تركيبا معقدا و الشخص ذاته قد يكون رحوما في موقف و فظا في آخر، فليس من مخلوق شرير بالمطلق و لا خير بالمطلق إلا من رحم ربي، لهذا يعتبر المرء الودود الحسن الأخلاق مبشراً بجزاء عظيم في الجنة كون هذا الخلق الحسن يستوجب ضمناً نفي المشاعر السلبية و تحجيم ظهور أثرها في سلوك و كلمات و مظهر المسلم، فالعنف و البذاءة و النميمة و الخيانة و الكذب كلها آثار و نتائج و ترجمة لمشاعر مكنونة في النفس من كره و حقد و حسد و شر، و الخلوق ماهو إلا فارس صنديد لجم جماح ذئاب المشاعر فإما سجنها في قضبان نفسه مجاهداً خروجها بين الفينة و الفينة أو حكم عليها سجناً مؤبداً لا إفراج عنه فتظل تصرفاته نظيفة و أقواله عفيفة و ربما وصل إلى أعلى درجات الفروسية فأعدم مشاعر الشر و الحقد و نظف مجاهل نفسه من جثثها النتنة وحول الذئاب خيولاً في نواصيها الخير تظهر شامخة على السطح فلا ترى من ذاك الإنسان إلا طيبا و لاتسمع منه إلا خيرا.. و جوهره في درجة نقاء مظهره.
ذاك الفارس هو أحد أهل الجنة الذي شرحت صفته السيرة النبوية .
إذن من الأولى أن نخرج مابداخلنا من مشاعر طيبة في أشكال عدة .. كلمات رقيقة يسكبها زوج في أذن زوجته، تصرف رائع تسعد المرأة به قلب زوجها، هدية بديعة شعراً كانت أو نثراً أو وروداً أو خاتماً من ماس يقدمه المحب لمن يحب أماً كانت أو أختاً أو زوجة أو صديقاً أو أخاً أو قريباً أو عامل نظافة أو خادمة .. النسيج الاجتماعي يشمل خيوطاً بشرية و البشر كلهم يشتركون في الاحتياج لحسن الكلمة و لطف الإحساس ..
فامنح و لاتك بخيلاً .. إن تدفق في حناياك للحظة ذاك الشعور المبهج المسمى حباً أو وداً لأحدهم فقلها بلا تردد، كم ستفرح أمك بكلمة أحبك يا أمي .. و كم ستسعد خالتك بقولك لها انك اشتقت إليها، و كم ستزهو عائلتك إن عبرت عن سعادتك بهم ..
بدلوا الوجوه المتجهمة و الأقنعة الخشبية بوجوه حقيقية باسمة إذا دخلتم بيوتكم و السلام فعل و لايقتصر على اللفظ، فانثر السلام أينما حللت بابتسامة و كلمة ودودة جميلة ..
وهج:
الحب قمر ُ ساطعُ بسماء قلبٍ ٍ..
لا تجعله سجناً و صمتُك
السجانُ
الودٌ زهرٌ رائعْ بحقولِ
عشبٍ…
اسقه ماءً فراتاً فتثمرُ
الأغصانُ
الحرفُ سيفٌ إن رُمتَهُ بسجالِ حربٍ…
و الحرف عقدٌ فريدٌ
تصونه الآذانُ
و عطرُ الورود يزول بيسيرِ سكبٍ…
و عطر الكلام يدوم وإن
رحلت الأبدانُ

مرآة الحياة في قراءة الأدب !
مذ وعيت الدنيا ووالداي -حفظهم الله- يستمعون لإذاعة القرآن وبرامجها العلمية. دربوا سمعي على حفظ الأشعار ذات المعاني الغزيرة واللقاءات والخطب الفصيحة من علماء وأساتذة أفاضل متخصصين في العقيدة والفقه والتفسير والسير والأدب والتاريخ وغيرها وكان لهم الفضل بعد الله في حفاظي على الهوية وحبي للسان العربي والفخر به والذود عنه من كل نقيصة.
شعورٌ فائق الوصف عند ارتفاعي للكتاب الأول الذي كان تفريغا نصيًا لإحدى المحاضرات. من بعده كنت متلهفًا لمعاينة ذات الأسلوب القصصي من كتاب آخر تعرفت فيه على كتاب من كتب الأدب وألزمت نفسي على نسخه مرة واحدة على الأقل وألا أتجاوزه كسابقه.
أسرني وشدّني كثيرًا جماليات كتب الأدب وأنها تعلم الأدب والمروءة والرجولة ومن وعاها بقلبه رقَّ طبعه وزاد عقله ولطف حسه بمن حوله وتهذبت أخلاقه!
نظم الشعر وكتابة القصة والرواية وأدب الرحلات والوقوف بجانب السير الذاتية واقتناص فوائدها والنهل من معينها، وما يدور حولها… خلصت إلى أنها تقويم للملكة البيانية ورفع للذائقة الأدبية ولثراء المخزون اللغوي والترنم والطرب بأشعار العرب فصيّحها وعاميّها، ومعرفة بما ينطق به الآخرين وما يعتلج في نفوسهم أو كما قال محمود شاكر في جمهرة مقالاته: أيها القارئ ..أصارحك بأني ما كتبت قط إلا لنفسي وحدها، ثم لا ألبث أن أعرض عليك ما أكتب، لا لأُعلمك أو أنفعك، بل لتعرف كيف يفكر إنسان مثلك!
إن قراءة الأدب ليست كما يراها بعضهم أنها نشاط كمالي يمكن الاستغناء عنه! بل هي مواجهة للمشاكل الناجمة عن الخيال الفقير والفكرة الموحشة التي تنشأ في لحظة فزع. أنك ببساطة قادر على التعبير عن الأفكار والانفعالات والعواطف بدقة، ومشاركتها للطرف الآخر من هذا العالم.
يقول ماريو بارغاس يوسا الفائز بجائزة نوبل للأدب في مقالة بعنوان لماذا نقرأ الأدب: “تكمن إحدى منافع الأدب للشخص في المقام الأول عند اللغة. المجتمع الذي لا يملك أدبًا مكتوبًا يعبر عن نفسه بدقة أقل، وبشكل أقل وضوحًا من مجتمع يحمي طريقة التواصل الرئيسية له، وهي الكلمة، بتحسينها وتثبيتها عن طريق الأعمال الأدبية. لن تنتج أي إنسانية بلا قراءة ولا مصاحبة للأدب إلا ما هو أشبه بمجتمع صم وبكم وناقص الفهم، وذلك لعلته اللغوية؛ وسيعاني من مشاكل هائلة في التواصل نظرًا للغته البدائية. وهذا يقع على مستوى الأفراد أيضًا، فالشخص الذي لا يقرأ، أو يقرأ قليلًا، أو يقرأ كتبًا سيئة، سيتكون لديه عائق مع الوقت: ستجده يتحدث كثيرًا ولكن المفهوم قليل، لأن مفرداته ضعيفة في التعبير عن الذات.”
ويضيف: “صحيح أن قراءة الأدب مصدر للمتعة، ولكنه أيضًا مصدر لمعرفة أنفسنا وتكويننا عبر أفعالنا وأحلامنا وما نخاف منه بكل عيوبنا ونقائصنا، سواء كنا لوحدنا أو في خضم الجماعة، وسواء كانت تلك الملاحظات تبدو ظاهرة للعيان أو تقبع في أكثر تجاويف الوعي سرية.”
في قراءة الأدب وأعني القراءة اللصيقة بعين الباحث يتحقق شيء من الخُلطة التي هي في الأساس تشف عن تباين الطبائع واختلاف التصورات والأفهام وتفاوت البيئات، وأن ما تراه في محيطك وتعرفه وتُدلل عليه ليس بالضرورة هو الخيار الأمثل! لذلك كان من روافد نماء العقل وازدهار الفكر وسمو الهدف = مداومة النظر في أحوال الناس الكبير والصغير، العاقل والمجنون، الفطين والبليد؛ حتى تعرف النفس منزلتها وإلى أين تمضي في الطريق كيلا يطؤها الزمن، ومما تحترس وتحتاط !

لأني امرأة
لماذا أحزن على المرأة ؟ قالوا إنها مخلوقة من ضلع أعوج ؛وهاهي تحمل العالم فوق كتفيها ،أنى لهذا العالم أن يستقرفوق امرأة بناؤها أعوج ؟!!
أمهاتنا وجداتنا في الماضي ذقن الأمرين من خدمة في المنازل والمزارع وحمل تلو حمل وتربية شاقة وجوع تلك الناقصة عقل ودين !!!
وزوج يتنقل بين زوجاته ، ديك زمانه وفي نهاية يوم شاق يدعوها فترفض ، تلعنها الملائكة
مؤمنة بالله حتى النخاع
وبرسوله الكريم وبالقرآن الكريم الذي يخاطب العقل والروح
وكافرةبما تدسون في العسل
لم أحزن على المرأة
أقنعوها أن المرأة التي لاتغار على رجلها ليست أنثى
ثم استمتعوا بمشاهدتها وهي تتلوى غيرة عليه كما يستمتعون في شرق آسيا بصراع الديوك حتى الموت
اتذكر رواية الأرض الطيبة حيث كانت زوجة الشقاء والحصاد وأم الأطفال تموت في غرفتها المبنية من القش والخيش بينما زوجها يحتفل بزواجه من أخرى في الخيمة المجاورة
لم يسمع حشجرة صوتها وهي تودع الحياة حيث صخب الطبول ورقصات المزارعات الحافيات وصليل خلاخلهن تعلو كل صخب ، ماتت جوعا وفقرا وأعمالا شافة
ار فقي بجسدك الطاهر الذي حمل الأبناء وغذاهم من حبلك السري
اعتن بصحتك وبفكرك وبسعادتك
فأنت مصدر الحب والإلهام والأمومة
امنحي نفسك اجازة حينا بعد حين من كل شيء / الزوج / والأبناء / والعمل
موتي أميرة على فراش وثير
لاخادمة تحت أقدام الآخرين

أنا التي أجيد العدّ بأصابع مبتورة
ميلينا عيسى: أنا التي أجيد العدّ بأصابع مبتورة
بقلم:عمر الشيخ
2022 يختبر الخيال مخزوناً بصريّاً، ذاتيّاً، فكلما كانت التفاصيل تخصّ حياة القصائد، أصبحت الإثارة الشعريّة، شهيّة أكثر. وما هي حياة الشّعر؟ إنّها التجربة الصادقة للكتابة الذاتية! وهذا هو الانطباع الذي وصلنا من نصوص الشاعرة السورية ميلينا عيسى في مجموعتها “وإن تكسّرت العناوين” (دار نينوى 2021).
مِن الغلاف الذي يترك سؤالَ البحث عن عناوين، ونحن نطالع قمراً واضحاً، وحيداً، يطل على جبل أجرد إلاّ من بعض الأشجار أو المعاني المنتظرة في الداخل، لذا علينا البحث بتفهّم عن تلك العناوين دون معرفة مسبقة باحتمالات الصواب أو عدمه.
تُعفينا الشاعرة من غواية العنوان، وتترك لنا حرية التذوق في كل جزء من المجموعة، فنشعر في تأويلات العناوين بهيبة الجسد، وأشكال الحبّ الصاخبة، صور الألم الإنساني، الكثير من الفقد، وخيط طويل من مناشير الذاكرة.
ومع “جسد أشبه بكاهن” نفتتح فصول المجموعة، نقع على لحظة اشتهاء للغريبة حيث تنمو الرغبة في مرآتها العارية، “أتعطش لإثم الغريبة يعطّل الوقت/ لتعصر العنب الناضج/ بخاتم سرّتها” ص11، ومنذ البداية تنبّهنا الشاعرة، ربما، إلى أن الجمال لا يسجنه النوع الاجتماعي، بقدر ما يحرره الاحتفاء بما يحلو للنفس من أنوثة أو سواها، وقصيدة تالية، تصف الشجرة بصورة رجل قائلة: “يقتصّ من الحسناوات بِكَيّ أكتافهن” ص12، وأيّة علامة هي تلك التي تدل على اشتهاء محموم اشتعل منذ القصائد الأولى؟ إنّها الأنثى تكتب بصوت النّساء؛ عنهنّ ثمّ عن الآخرين، وتلتقط الجمال بالرسم اللغويّ. ونحن نقرأ ونشكّل الصورة، تأتينا غوايتها، ويشتدّ الانفعال: “لا تردمي برمالك العمياء آخر الطريق/ وأسوار ذاكَ العناقِ،/ أيتها التي أعبد” ص13، ثمّ “كيف أمحو رائحتكِ عن أشياء الحجرةِ المُعدّةِ للهياج، واحتضان نساءٍ عابثات؟” ص14.
وفي موضع آخر من المجموعة وتحت عنوان “عدستي لو تلتقط ضحكات البداية” تحيلنا الشاعرة إلى نصوص أخرى تتكثف فيها المشاهد الشعريّة كشريط نداءات: “كم عظيمٌ أنتَ في قفزكَ الرماديّ،/ الذي لا يجيدُ غرزَ أنفاسه في لثةٍ بريئة” ص 22، بهذه الصرخة تواجه القصيدة، الجسد المنذور للحكمة والذي لا يعدو كونه متردداً غارقاً في المجازات، أمّا المرأة المرتفعة من جذورها لا تنتظر العودة, فهي على لسان الشاعرة تقول: “أغفو بعين واحدة،/ لستُ عشبةً بريّةً/ أنا نخلةٌ/ أراقبك من أعلى التلال” ص23، لا تقدّم كشف حساب لأحد، ولا تمطر قبل موعدها: “ما من وسادةٍ تجمع رأسين إلا إذا رأت/ حُلميهما” ص 26، وأخيراً تظهر ميلينا كاشفة عن ذاتها وبكلّ وضوح الألم تخبرنا: “في سبيل الشّعرِ أفشل في تسديد ديوني العاطفيّة،/ وأفتّش في جيوبهِ عن مضادّ للاكتئاب” ص 28، كأنّنا نريد أن نصل إلى تعريف للعنوان المفقود منذ البداية، وكأنّ على القصائد أن تجيب عن الأسئلة! وما حاجتنا إلى الجواب إذا كنا نقع كلّ سطرين في دوامة من متعة الصور وغرابة المفردات المبنية بسلسلةٍ جذّابة؛ فالقصيدة على صفحات هذه المجموعة قد تعرّضت للشمس بشكل جيد وللضوء بما يكفي من نضوج، وبين يدينا تنمو مجدداً مع ذاك القمر المطل على الغلاف كأن الشاعرة تقول لنا هذا عالمي الشعريّ، هذا شبقي على الصفحات برسم الغناء: “لهفتي تذوبُ في فمكَ وأنا أتأبط سكرتكَ” ص 38.
هناك مواضع عديدة في المجموعة يمكن أن نلتقط فيها “ضربات” خاصة، جمل شعريّة مستقلة بذاتها، وهي لا تنفي أهميّة القصيدة نفسها، إنّما حاولنا أن نجد قراءة مختلفة للقصيدة الحديثة هنا، إذ مهما اخترنا قطعاً من النصوص، بقية الحالة الشعريّة عالية وخاصة.
وما سبق من تجريب في محاكاة النصوص ما بين القارئ وفهمه الذاتي، ما هو إلا فرصة أتاحتها مخيلة الشاعرة للتجريب، إذ وحسب كلّ متلقٍ، تترك القصيدة أثرها وتأويلاتها بناءً على ثقافة الآخر- القارئ. تقول الشاعرة ما تريد، وحين يُنشر يصبح ملكاً للعالم، ثمّ لكلّ واحد منّا فرصته ليقول على قولها ما يشعره من آثار شعرية جديدة.
وباعتقادي أن النصوص الشعريّة التي تفتح الخيال لبناء نصوص أخرى من وحيها، هي امتياز يُسجل لمقدرة التجربة من تمكنها في لعب أدوار عديدة ضمن سرد شعريّ مكثف لامرأة تتقن التنقّل بين أصوات تصنعها أمامنا من لحم ودم, لولا بعض الحكمة في أمكنة تتناقض مع فكرة نصوص أخرى في المجموعة؛ بمعنى أن الشاعرة في مكان ما تصطاد بمرارة ساخرة حكمة أحدهم، ثم ما تلبث أن تقع هي في شباك الحكمة. تقول ميلينا: “اللعنة على أحصنة تلوك اللجام/ عند أقل هزيمة، / … / السائس المغلوب يزيد من رعاف الطريدة” ص44، وهذا ما دفعنا للتدقيق أكثر في تنوع الأسلوب بين أجواء القصائد، فمنها ما هي طويلة بمقاطع قصيرة وهناك قصائد ذات سردية قصصية مخففة، وأخرى تتداعى فيها الصور المفاجئة كالنصوص ذات الطابع الأيروتيكي.
تمتلك مجموعة “وإن تكسرت العناوين” القدرة الخاصة على تقديم مقترحات فنية للقصيدة الجديدة، فهناك الاختزال للصور الفنية، لغويّاً، وتقديم التفاصيل دون كشف كلّ شيء، شعريّاً، مثل: “لأن قدري أن أعثر على ظلّي بين سيقان الفارّين،/ وقدرَ المتسولين عند بابي، التسلسل من ثقوبي المأزومةِ” ص 51. ثمّة الكثير من “الأنا” التي لا تنفك تتصاعد مع نهاية ختام المجموعة، تلك الأنا بكامل صدقها وانكسارها ومهاراتها واختباراتها وألمها ووضحها وشهوتها؛ إنها الأنا الشاعرة دون مواربة، تبحث عن “متبرع بقلب إضافي” ليحمل تلك الروح العاشقة، ذاك اللسان الصياد: “تحرشك بالأوثان لا يعني أنكَ سوف تشبهُ الآلهة” ص 57.
هناك الكثير من الطقوس اللاهوتية في المجموعة مثل “قدّاس لموت مؤجّل” وهو عنوان فصل لا يخلو من فقدان الزيت المقدس ورنين الأجراس في النهايات: “يا سيد اللاهوت! لن أحمل صكّ غفراني إلى أسرّةِ الأوباش/ أنا التي أجيد العد بأصابع مبتورة” ص70. إذاً، هي إعادة لإنتاج المخيلة الدينية عن الطقوس، وتناص في استخدام التعابير القديمة على نحو شعريّ معاصر، وهذا ما يمكن تلمّسه بقوة في القصيدة الطويلة التي تختم المجموعة بعنوان “أحجار القيامة” وهي عبارة عن عدة مقاطع مرقّمة، تترك انطباع المرويات الغرامية بقسوتها وشدة عشقها المعذّب مع كولاج بين حواريات من السماء، ومن الأرض، وبين الجسدين العاشقين “الطريقة الجديدة للحبّ، / أن نستعيض عن الرسائل بالقُبل” ص 85. ورغم هذه المرونة والرقّة في فاتحة القصيدة إلا أن الاعتراف المدوّي هنا يحيلنا للاستنتاج الجماليّ التالي: هل يصلح كل هذا الشبق أن يكون شعراً؟ “الحبل بين أصابع الأنثى،/ يتحول من أرجوحة للعشقِ/ إلى مشنقة لِمن رماهم سوءُ الرؤيةِ/ في الطين المتحرك” ص96. الإجابة لدى الشاعرة بتوحد الأرواح، ولا داعي لمصادرة ساعة الفرَجِ من عمر امرأة، ولا داعي لمزاحمة الخطوات: “بوابة الجحيم تتّسعُ لِكِلَينا” ص97.
إن الجمال في قراءة الذات هو إعادة اكتشاف أصوات المرأة في أجساد مختلفة، وهو معانقة تلك الرهافة اللعوب والرقص بين حقل من النصوص التي عادة ما تكون على هيئة أشجار رصينة الشكل، متقلّبة المزاج حزينة وصلبة، ولكنها آسرة، أو أجساد شهية تمارس الحبّ والحياة رغم ضجيج السّماوات والنصوص المقدسة ولعنة الغفران، وأين المفرّ من كلّ ذلك؟ إذا كان الشّعر في هذا الكتاب لا يتركنا إلا ويرفع نخبنا بصحةِ المُتعة.

ليسَ حُباً بل دُعابة لـ محمود وهبة : كتابةُ الأوكار والدهاليز المظلمة!
يعيش الشاعر أقسى أنواع الوجود وهو يرى الحياة الحقيقية تتسرب من بين يديه، الوجود الظاهري ليس ملكاً للشاعر، ولم يكن من أولوياته، لكنه دائماً يبقى مُداناً بعذابات هذا العالم، وسجيناً في متاهة الصرخة الإنسانية المدوية، وغريقاً في ليل الدموع الذي يكرر نفسه بلا معنى. والحياة برمتها كذلك لا معنى لها إن لم يستنطقها الشعر ويسبر أغوارها السحيقة. هكذا هو الشاعر هنا ملاك عابر أو إله معذب فاقد القدرة في عالمنا، ذاك العالم الغارق في الماديات والمحسوسات حد الثمالة، والسائر بنشوة إلى أقاصي الفوضى والانهيار.
بانعدام كل قيمة حقيقية يستند إليها الإنسان، وبموت جميع الآلهة والمقدسات يعمل الشاعر دائماً على تصويب انحراف العالم، إما بالتدمير أو بالخلق المتجدد، والسؤال، أين يكمن معنى الألم عند الشاعر؟ إنه في تلك الطاقة التي تعمل على استفزاز حيوات منسية في داخلنا، وفي أشياء مهملة تتلاشى في حركة الزمن.
“ليس حباً بل دعابة” هو عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر اللبناني محمود وهبة، الصادرة حديثاً عن دار النهضة العربية في بيروت ضمن سلسلة أصوات الشعرية. في هذه المجموعة نرى الشاعر وقد استند إلى مفارقات تنوعت بين الدهشة والكوميديا واستنطاق الأشياء المنسية في الذاكرة وفي التفاصيل اليومية، وهناك بعض المقاطع التي كان لها طابع الصيرورة والتحولات انطلقت من إيمان الشاعر باللغة وما توفره من انزياحات استثنائية خارجة عن المألوف. الدعابة بقدر ما تظهره لنا من مرح وخفة، بقدر ما تخفي في أعماقها ألماً ورعباً. يغذيه التخلخل والتناقض بين الذات والموضوعات الخارجية، لذا تجنح السخرية هنا إلى أن تكون تأسيساً للوجود، وهي لا تشمل فقط ما هو ملموس ومحسوس، وإنما تنزع لأن تفرض سلطانها على كل ما هو ما ورائي أو ميتافيزيقي.
يقول وهبة: “يسألني الصوت/ ماذا خلف تلك الغيوم؟/ هل الأرواح التي غادرت منذ مدة؟/ ملائكة تردد تسبيحاً للغريب عن المكان/ ماذا فوق العرش؟/ ربما جورب.. حمالةُ صدر ومنشفة”. بهذه السخرية العميقة التي تحطم كل مقدس وتنزع عنه كل سلطة، وتجعله دمية أو أضحوكة بيد الإنسان.
يُكمل الشاعر مجيباً عن تساؤلاته: “سجلات للخطايا/ صرخات معذبين/ لم يدركهم على الأرض/ إله”. الصرخة وحدها تجعلنا نحيا، ليعبر الألم عن احتجاجه وعصيانه، وليجادل الإله عقلياً في شرعية وجوده وماهية فردوسه الموعود، والإنسان منذ الأزل ما زال يكابد العذاب على هذه الأرض.
يصطاد وهبة تفاصيل دقيقة في حياتنا اليومية ويعيد خلقها في صورة مركزية ورئيسة في حياتنا. يقول في قصيدته التي أهداها إلى الشاعر الفلسطيني الراحل يحيى حسن: “إليّ أيها السواد الخارج من خوف/ أيها القلب العالق في كأس/ أيها الضباب القابع في رئة مدخن/ إليّ أيها القلب المبحر في سفينة/ أيها الظل بعد قهقهة/ إليّ أيها العابر بخفة ملاك وحشي/ إليّ يا موتاً سريعاً في غياب”.
إن إعطاء اللون والحركة لمفردات مثل، الخوف والظل والقلب والملاك، وسبكها في استعارات لغوية مجازية، دليل على قلق الشاعر من فكرة الفناء أو العدم، وما استنطاق الموت ومحاورته في غياب مقبل إلا صرخة في وجه الزوال والنسيان، حيث لا يريد الشاعر هنا إلا أن تبقى نبوءته من بعده، أو فكره المتقد للأجيال القادمة.
لو أخذنا مثلاً مقطعاً مثل “أيها الضباب القابع في رئة مدخن” يعطينا صورة مكررة في حياتنا اليومية وفي لغتنا المحسوسة، في المستشفيات وتقارير الأطباء، لكنها غير مسبوقة شعرياً ربما. فمن هو الذي فكّر أن يحاور دخاناً في رئة المدخن، وأن يعطيه دفقاً شعورياً، أو إحساساً بشرياً بالحياة؟ هذه لفتة مهمة. لم يكتفِ الشاعر محمود وهبة بأن يصطاد ما هو عابر ومنسي في حياتنا، وبأن يخلق من اللحظات الهاربة حياة كاملة، لكن تتملكه روح ضاجة بالأسى، متمردة على منطق الأشياء والعادات والقيم. لهذا نجده وكأنه تحدوه الرغبة الجامحة في المضي أكثر بحواسه إلى الأوكار والدهاليز المظلمة، إلى كل ما هو منبوذ ومحرم ضمن العرف البشري والأخلاقي، ليكشف لنا إنسانية المومس، ويحدثنا عن ألمها المقدس وانكساراتها، عن نبوءتها المتوارية خلف ستار القبح والاشمئزاز. يقول وهبة: “تُعيرنا المومس جسدها / كل ليلة حتى ننسى/ تُعيرنا انكساراتها وذاك الصراخ الأخير/ لا تشبع المومس/ قبل أن تخرج منك إناثاً وحشرات/ قبل أن تتكاثر وترجع إلى ندمك / المومس حنجرةُ الله/ ورزنامةٌ لخياناتٍ قادمة”.
يحاول صاحب “غلامٌ يطاردُ مجرة” و “سيرة الأعرابي” في مجموعته أن يؤسس كينونة مختلفة للإنسان تمنحه الثبات والاستقرار في زمن التلاشي والمحو والموت المجاني، كل ما هو عابر وهامشي في حياة الإنسان، يخفي تحته أعمق المعاني التي تستحق أن نحيا من أجلها، وأن نعيد معها خلق العالم وصياغته من جديد، وبهذا تدوي في أعماقنا رغبة البقاء وصوتها المجلجل ضد إرادة العدم. يقول: “هل من عمر لهذا الموت المستلقي على الجدران/ العكاز طريق الأعمى/ قنديل الأعمى/ العكازُ حياة”.