- 24/12/2022 كلية العلوم الإنسانية ونادي أبها الأدبي يحتفيان باليوم العالمي للغة العربية
- 08/10/2022 الأديبة عنبر المطيري على مأدبة التوقيع
- 25/09/2022 مساء المفاخر الفاخرة للوطن
- 20/09/2022 🇸🇦 وطني 🇸🇦
صهيل الريح [ 150 ]

وطن القلوب !
* الوطن أغنية يشدو بهـا الصغار والكبار.. يحكيها الأجداد فيتيقنها الأحفاد.. الوطن قصيدة حب خالد وقصة عشق لا ينتهي ..
* الوطن حكايات الجدات وابتهالات الأمهات.. وطن القلوب والعقول .
* الوطن مولد ملحمة المؤسس الكبرى.. ملحمة النصـر والتوحيد.. ملحمة التاريخ والجغرافيا.. ملحمة الوطن ملحمة تتجدد كل عام.
* الوطن على لسان المترعين بعشقه «لست آسفا إنني لا أملك إلا حياة واحدة أضحي بهـا في سبيل الوطن ».
* الوطن حلم المشردين الضائعين الخائفين في كل بقاع الأرض.. الوطن الهوية والأرض والقيمة والقامة، هو الشـرف والعرض والمجتمع بأسره، هو باختصار الحياة.
* الوطن هنـا استثنائيا متمايزاً عن غيره يسمو بقدسيته إنسانا ومكانا.. مكوناته العظيمة التي قادته لأعلى مراتب التقدم والحضارة قيادة وشعبا !
* الوطن هنـا المملكة العربية السعودية.. مهبط الوحي الأمين ومهد الرسالات وقبلة الأرض ودعوة الخليل والبلد الأمين.. حيث كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
* الوطن قيادة حكيمة وقرارات صائبة وثقة كبيـرة تعبر بهـا كل العقبات والأزمات، وتبقى مملكتنا شامخة أبية حـرة تخطو نحو المجـد الذي تعرفه ويعرفها .
* الوطن شعب عميق الجذور أصيل في عاداته وتقاليده وحبه ووفائه وولائه لقيادته وحكومته، فكان في الموعـد ولم تنجح حملات التسفيه والتغرير والتجييش فالوطن أغلى ما في الوجود.
* الوطن خط أحمـر يرفض كل العابثين اللاهثين الحاسدين الناغمين والذين حاولوا دهورا ولم يستفيقوا من أحلامهم وأمنياتهم السرابية !
هؤلاء الغوغائيون الذين لم يعوا بأن أصوات النشاز تمنحنـا الكثيـر من الوطنية الخضراء التي تتسع في قلوبنـا بمساحات هذا الوطن الكبيـر.. تمنحنـا مواعيد ودواوين وروايات أخرى مع الوطن.. كل المنعطفات الحاسمة في تاريخ وطننا نكسب فيهـا الرهان وينتصر الوطن وترفرف رايتنا خفاقة :
وارفعي الخفاق أخضر
يحمل النور المسطر
رددي الله أكبر يا موطني
موطني عشت فخـر المسلمين
عاش المليك للعلم والوطن

ماهو الخذلان في علم النفس ؟!
يُعتبر الخذلان إحساس عميق ومؤلم يحْمِلُ العديد من المشاعر الداخلية المُتعبة والتي تعصِفُ كخيبات أمل وإحباط قوي والذي قد يحصل بسببه المعاناة والأذى النفسي بسبب الآخرين
أو إساءة بحق نفسه -أو مواجهة لصدمات عاطفية قوية –
كالخيانة والوحدة وعدم إيجاد الأشخاص الصادقين الذي يثق بهم أو يستند عليهم أومن جعله يبني لهم مخيلةٍ حسنةً في ذاكرته وهم عكس ذلك -والدخول فيهم وهو لا يعلم بمعرفة شخصياتهم جيداً أوماذا يحملون له من النوايا الداخلية فيهم –
من منّا لم يذق مرارة وألم الخذلان في كؤوس مكسورة الحوًاف
من منّا لم يقع في كسرة النفس وغصّات الشعور
من منَا لم يتفاجأ من ناس رآهم الأمل والمحبة والثقة –
لكن هُناك ألم أكبر وخيبة أكبر عندما تكون من أقرب الأشخاص لنا فكلما كان ذلك الشخص قريباً كان الألم أكبر –
من جعلنا أمورنا متعلقةً بهم .ضحكاتُنا وسعادتُنا وراحتِنا حتى كلماتنا –
من كانوا يُشاركوننا في خطواتنا ودموعنا وذكرياتنا بحلوّها ومرها وفي أول موقف أنتهى ظهر زيفهم وبانت ملامح وجوههم الحقيقية دون مبررات أو إعتذار فكان واقع مرير الذي كان أمام أعيننا مُنذُ البداية ولكن كنا غافلين ويااااالها من غصّة موجعة –
الخذلان ليس فقط من حبيب فهناك خذلان صديق حميم وأقارب وأهل -خيبة من تمسّكنا بهم بكل أيادينا وقوّانا وفجأةً افلتونا في أماكن لا نستطيع حتى العودة أو من أن نصل إليهم –
خذلونا حتى أحرقوا كل مساحات قلوبنا وجعلونا في مواقف لا تُكتب ولا تُشتكى –
رغم ذلك لم نتوقف عن منحهم فرص جديدة ولكنهم سيعودون غُرباء –
علمتنا هذه المواقف أول الدروس وأقساها عندما منحناهم الوفاء وهم سلبوا كل حقوقنا فأصبحنا في حلقات مُفرغة نبحث عن الأسباب التي لم نجدها –
قمة الخذلان أن تحدثهم عن غدر من حولك فيصبحون هم أول الغادرين لك وقتها لن ننسى من كان بجانبنا عندما أحتجناه ولن ننسى من تخلى عنّا فكل الحالتين لها بصمتان لا ننساها –
ولكن بعد الآن سنعيش الهدوء الذي لطالما تمنيناه
و سنحتفظ بأحلامنا تحت وساداتنا –
علينا أن نبتعد عن كل من كان سبباً في أوجاعنا وأن نأخذ الحذر بمسافات أمان وأن لا نختار بأحاسيس قلوبنا وإنما نُفكر بعقولنا هذه المرة-
وأن نبحث لراحتنا ونُعيد النظر بالواقع الذي نعيشه لأننا لا نعيش حياتُنا مرتين –
(الحياة لا تنتهي مع خيبة أمل يمكن أن نعيشها -يكفي أن نسير عليها بأقصى نضج نملكه ونضحك على خيباتنا بل ونُخّيب ظن من خذلونا فلا شيء أقوى من قلوب تجرعت مرارة الخيبات .

مت .. واقــــــــــــفاً !
لماذا يبدو الطفل سعيدا ، يعلو وجهه البشر و يسكنه الحبور ؟.. لأنه لايدرك الكثير …
ولماذا يعلو الهمّ وجه الكهل ، يستوطنه الشجن و تسبح في مآقيه البحور ؟.. لأنه أدرك الكثير …
وما بين براءة الطفولة وجفاف الكهولة مجاهل ُ شتّى يمر بها كافة البشر .. ولكن كلٌ يدرك بقدْر …
فالإدراك يرتبط بمدى عمق الوعي ..والوعي لايحكمه معيار ..فالعبقري ليس فائق الإدراك بالضرورة ..
والمعوَق ليس فاقد الوعي بالإلزام ..
سبحان خالق هذا الزخم .. لازلنا نحبو لتعريف المفاهيم والمصطلحات .. ومانيقنه فقط أن
صاحب العقل يشقى بعقله .. وأخا البلادة في الجهالة ينعمُ ..
ذلك الوعي الذي يلازمه حسٌ عالٍ يأسر صاحبه في بحيرة من التنبه تتدفق مياهها من ينبوع
الإحساس المرهف.. حسّاً لجيناً كبريق الماس .. ولكن من يميز الماس عن الزجاج ؟!
أيامٌ ..شهورٌ .. و أعوام .. تحفر وصمتها على جباه و وجوه فتظهر خطوط العجز ..
وبالداخل تشق الأحزان أخاديد من ألم تعًبأ بأرق الليالي وخيبة الآمال . .. ولكن أنَّى لأخاديد
النفس بعلاجٍ تجميليّ قبل معالجة خطوط تجاعيد البشرة .. أين نحن من ترميم الداخل قبل
تزيين الأقنعة؟!!
ذكرٌ .. وصلاة .. وقرآن .. ونقاء نفس .. وأمل .. تلك هي التركيبة الخماسية المكونات لبلسم الجرح الداخلي ..
فالحقد يزيد الجروح التهاباً .. واليأس يسد منافذ التهوية ليبرأ ويطيب …
أولا أزيدك عنصراً سادساً ..
إبتســــــــــــــــــــم … فالإبتسامة كالكلمة الطيبة صدقة والصدقة تطفئ غضب الرب …
والقلب يجف إن لم تصاحب نبضاته ابتسامة حقيقية تفتح نافذة لدفء شعاع النور لينفذ لأعماقك
اعمل على أن تكون واعياً … مدركاً … ولكن إحذر أن يكون إدراكك .. قاتلك ! فالوعي
مارد يتعملق في فكرك و وجدانك يتغذى على ماتتيحه له من معارف و مفاتيح للفهم .
كلما أدركت فهمت و كلما فهمت علمت و متى علمت تقلص جهلك و ارتقى فكرك و نمت
سعادتك ، ولكن ذات الوعي الذي يمنحك سعادة لاتوصف ولذة لم تسبق قد يسبغ عليك ثوباً من
ألم .. لابأس .. تألم.. فمن توصيف هويتك البشرية أن تكون مخلوقاً يتألم ..
فقط قل لي كيف تتألم أقل لك من أنت … بل اخبرني كيف تؤلم غيرك لأخبرك كم أهدرت من آدميتك …
الوجع ياسادة لايسيل في قطرات الدم الساخنة بشظية بارود …
كما أنه لاينسكب بإراقة ماء الوجوه حين الإهانة …
بل الوجع لايأتي في خسارة المال والوهاد من الأرض …
ولايتدفق في حال ذبح طائر … ولاجرح طفل … ولاتلويث بحيرة صافية … ولاحتى آهة مريض يتألم …
كل ذلك وجع .. ولكن أتدرون ما الوجع الذي لايشبه أي وجع ؟
أن تثق غافلاً بقلب وتصحو..
لتجد بدلاً من القلب .. حجر ..
أن ترنو بصفاءٍ لعين فإن حدقت ..
تارةً أخرى .. فوجئت بعين زجاجٍ .. لابشر ..
أن تضحك من الأعماقِ لوهمٍ ..
وتعبس لتلمس قناعاً فوق وجهٍ مستتر ..
أن تغفو في دفء النوايا …
وبثوانٍ .. يوقظك جليدُ قاسيُ ..كالصخر
أن تتخذ الآخر ظلاً و فَيًاَ …
تفرش العشب .. بغية البرد ونور القمر
وماتلبث الغيمات أن تنقشع … وماتفتأ الأفياء أن ترتفع … ومايلبث الحلم الجميل أن ينقطع
ذاك هو الوجع …
فإن كنت صديقاً لاتخن ، وإن كنت محباً لاتغدر .. وإن اتخذك أحدهم وطناَ ..لاتفاجئه بغياب
وصمت وإلا فإنّ صمتك قاتله !
أفلا أنصحك بما يبقيك حياً و إن قتلك أحدهم … لاتنحني .. إما أن تقف صامداً كشجرة معمرة
أصلها ثابت و فرعها في السماء ، وإما أن تجلس لهنيهة تلتقط فيها أنفاسك و تسترد خلالها
عزيمتك وتملأ ثنايا صدرك بهواء نقي يزود خلاياك بوقود يدفعك لتقف تارة أخرى..
تـــــــــــــــــــــذكّر … بأنّ الشجر الشامخ يموت …. واقــــفــاً !

إنتبه لا يزعل (مهيوب) : ..
(مهيوب) :
يلفت انتباه الأطفال الصغار ذاك الشاخص بين حقول النباتات في المزارع ..
نظرتهم ربما خوف أو استغراب أو استخفاف مضحك! حسب عمر الطفل وحدة ذكائه ونوعية اطلاعه المعرفي ..
مهيوب بمفارقة لطيفة هي أن الناس تُعدد الأسماء والصفات والألقاب للشيئ العظيم سواء كان إنسانا أو حيوانا وحتى الجماد
أما (مهيوب) رغم هوانه إلا أنه متعدد الاسماء والصفات حيث تجد له أسماء متعددة ..
محتواه قشاً او خرقاً من ملابس وقماش لم يعد لها قيمة أو استعمالا على شكل جسم إنسان ويتم نصبه بقائمة خشبية أو تعليقه على غصن شجرة معترض ليكون مشاهدا بوضوح ..
تنطلي خدعة الدمية على من لاعقل له من الحيوانات والطيور فتهرب مخلفة سلامة الحقول بمحاصيلها وبذورها ليغنم المزارع بمحصول وفير ..
أما المفارقة فهي وجود (مهيوب)( بو) (فزاعة) بأي إسم كان بذاتٍ بشريةٍ ربما مسبوقة بحرف دال أو م أو ألف ، وغيرها..
هذا المهيوب البشري ياليته محشوا بقش وقطع قماش بالية ليكون معذورا بأنه مهيوب حقيقي وظيفته تهييب الأطفال بل للأسف يُلفت اهتمام كثير من الناس ويفرض ايقاعه الوهمي..
إذن للمهيوب البشري سمات تميزه عن مهيوب الحقول :
١- المهيوب البشري ( عكوز بكوز بكل مقام موجود ) متلبسا بثوب المستوى الوظيفي او درجته العلمية أو اكسسواراته الظاهرة أو بلسانه الإفعواني الأملس..
٢- جبان يتمترس خلف أقنعة ملونة،عملية تمويه متقنه لا تتيح الوصول إليه ومعرفته عن قرب..
٣- هشاشته الداخلية تجعلة حساس لا يتحمل النقد، تؤلمه شمس الحقيقة وتجرحه الكلمات الصادقة
٤- يعشق المدح والثناء ويعتبر من يتعامل معه ملزما بذلك ولا يقبل الحياد نحوه..
٥- المهيوب البشري أقرب ما يكون شبها بمجسم أبي الهول صورة أسد ولكنه جماد بلا روح.
مهما تجمع الناس حوله نهاية الامر التقاط صورة مع حجر لا يحسون بحبه او احترامه إنما يتعجبون ممن نحته بهذه المهارة..
٦- مهيوب البشري فعلا تخافه الطيور والعصافير اما البشر فلا تنطلي مهيوبيته إلا على ذوي أحلام وعقول العصافير ..
لذلك يجد ذوو النهى حرجا اثناء معاملة مهيوب البشر أو ضرورة التعايش معهم بالمداراة ، واسلوب عموميات المجاملة …
ودمتم سالمين ،،،،،،،،،،،،،.
–

والحكم جزافاً –
نصطدم – ونقرر – ونتوقع – وكل ذلك يؤول للحكم جزافاً حكم نمى بين الظن والتوقع حتى صعد منبر الحكم وتولى المصير في طريقة الحديث وردم العلاقات كمدينة تتعرض للقصف والبهتان وأسر الجمال في غلاف سوداوي –
لا أعلم إلى ماذا نريد أن نصل .
فطبيعتنا البشرية تميل للماضي في اعتقادكم لماذا..؟
لبساطة الأنفس ، لبساطة القلوب ، لبساطة العلاقات ، لعدم الاشتراط المستمر الذي يدير مراسيم مستوى الشعور
فكما ألاحظ ! أن مجتمعاتنا بات التمزق يسري إلى عروق الحب ، وسنابل الإخاء لتدخل الظنون السوداوية في تصرفات بعضنا وتصدر قرارات ممتلئة بقهر الضد الذي يلتهم الحقائق بظلم الموقف .
بالإضافة إلى ظلم الرد الفعلي لذلك –

قواعد اَلتَّزَلُّف العشر للأندية الأدبية
قواعد اَلتَّزَلُّف العشر للأندية الأدبية
القاعدة الرابعة – راقب العشري
حدثني مَن ظننتُ حديثه صدقًا عن الكاتب قِرْطَاس، وحرصه على أن يكون رافع الرأس بين الناس، وكيف تبدل الحال وتغير المآل، وقد بدأ بين أهله وجيرانه وقد تغير حاله وَكِسَف باله، نحُل هيكله و بان هزاله، قرأ في النقد والبلاغة بكل همة وشجاعة، دخل كوكب الفلاسفة وصارت أيامه كاسفة، خاض في كتب العقائد فصار مائلاً بين الهرطقة والزندقة وتشعب في الأديان من زمن عبادة الأصنام، بحث في العلوم فخاض في علم الأسقام وتوجس الأوهام، غزا فكره المرض فشكر المولى وما شكا حاشا وكلا ولا أعترض.. بل قرأ الداء والدواء ليبعد عن فكره بشاعة الأهواء، وحين ضاق به ليله وخانه زمانه هرع للأصفهاني ورقص طرباً مع الأغاني ذلك كله حدث وهو منتظر للشيخ مكناس، حتى إذا ما رآه، جرى إليه… بكل ما بقي له من قواه وبكامل عقله وما حواه…
– مرحبا يا شيخ، قد تأخرت في المدد وإنني منتظرا لك أيام كثيرة بلا عدد.
– دعني أسترح… فلقد شق علي الطريق وكما ترى ليس لي رفيق لأنني أقول الحق حقاً ولو كان عنقي تحت السيف، ولا تسألني علاما؟ ولِمَ لا أخشى الملامة؟
شرب الشيخ شربة ماء وتنفس الصعداء ثم التفت لهيئة قِرطاس، متفقدا حاله الحساس. سكت برهة ثم نطق…
– سيأتي يوم عليك على أبواب المكتبة… وما أدراك ما المكتبة! المفترض أن تكون حافظة للكتب أو مخزن للمرتجع من الكتب والدوريات والحق الحق أقول لك يا قرطاس هي جدران من طوب لا تقبل أن تذوب، مكسوة بالإسمنت ومنه تستمد التزمت والعنت، بمحاذاة الجدار ترص الكتب رصاً، صفاً تلو صفا، بنظام ديوي العشري صُنفت وعلي اليمين واليسار مجلدات بالجلد قد غلفت، وعلي مرمى البصر أرفف لِلشِّعْرِ ولو زارها الشعراء لأنشدوا كم:
غادر الشعراء من مترجم… أم هل عرفت الدار بعد توهم! وهي كما يقول كارلوس زافون مقابر للكتب المنسية ولو حصل أن وصلت إليها يداها، لكتب أربعين رواية بدل الرباعية، ولكنها أقدار تتبدل ما بين الليل والنهار.
رفع قرطاس حاجبيه، وشرد عقله من بين عينيه، مكث جسده يرتقب، وللدقائق يحتسب، ينتظر دخوله للمكتبة…
– حين يؤذن لك بالدخول، فاخفض الرأس وأطرد من عينيك النعاس، أخطو بيمينك هكذا يحثك دينك، وامشي الهوينا بين الكتب ففيها تجوس أرواح من كتب، أستشعر ملمس الورق، لكن إياك أن يغريك منظر الورق فتنحني وتشمه فتعطس من الغبار، وتصاب بالدوار، ولا قدر الله تهاجمك حشود العناكب فتنهار، ولسوف تتحرش بك العثة فهي تتكاثر في المكتبات الرثة، وإذا ما تسلق جلدك عنكبوت فأصرعه بضربة منك كيما يموت. وليكن شعارك:
(أصارع الحشرات لإنقاذ المكتبات)
وحين ترى عقرب الكتب فليتك لا تبيده فلولاه لأصبحت الكتب رمادا ولم تذر في المكتبة كرسيا ولا أوتادا، ولو قدر لك أن تقترب من الروايات المخبئة في الجنبات رأيت عجبا، وسمعت كربا، فأنني أسمع صريخ شخوصها بين الحين والحين، وكتابها يحدقون بي نظر العين للعين، تشكو جفوة القراء، وحبرا أُرِيقَ على الورق وكان هباء، أما المخطوطات فعسى أن يحفظها المولى من شر الأرضة البغضة وبراثنها القارضة، ويهيئ لها رجل رشيد يعيد لها مجد تليد.
سكت مكناس عن الكلام المباح، وطلب الترخص في الرواح، وظل قِرطاس في مكانه، يعد ليله وأيامه.

مبدأ عجوز نيسابور
مبدأ عجوز نيسابور :
البساطة هي الوضوح ، والسلاسة بدون تعقيد ..
ممارسة الحياة ببساطة مريحة تفيد الديمومة بلا تكلف وتتيح لكل أحد أن ينال حظه بعيدا عن التعقيد ، والمظهرية الجوفاء ، والمرهقة ..
البساطة تغذي الجانب الروحي، والقيمي الأخلاقي في ممارسة مجالات الحياة فتضفي الطمأنينة، والانشراح، والسعادة..
من منغصات الحياة في هذه الفترة الحالية ! تسارع مخيف في نضوب مفهوم ، وتطبيق البساطة في أغلب جوانب الحياة ..
كم البون شاسعا بين مناسبات الماضي ، وبين مناسبات الفترة الآنية ؟!!!
بملاحظة سريعة مقتضبة !!
نشهد تداعيات نضوب البساطة بارتفاع التكاليف ، وعجز ، وتذمر الأغلب، وانسحاب البهجة، والسرور إضافة للعوارض النفسية ، والتخلخل الاجتماعي ..
في ملمح خاطف لجانب شخصي يفتقد البساطة !!
كم من الخصومات ، والمشاحنات تظهر أو تقبع كمدا في النفس ، والمشاعر ؟!
بسبب فقدان البساطة في التعامل مع الأخطاء العابرة ؛ كتعريف شخص باسمه المجرد !والتعقيد ثوران الغضب لنقص لقب علمي أو وظيفي أو اجتماعي ..
أما في المجال العلمي ، والمعرفي قد يصل المراقب لذلك الميدان شيئا من التعمد للتعقيد ، ومجانبة التبسط أو البساطة ولا تخفى الأسباب لذي لب..
في الجانب الأهم في حياة البشر !
الإيمان ، والعبادة ، والتدين ! ثمرتها ، وحلاوتها في البساطة كتلك الجارية التي استنطقها رسول الله بقوله : أين الله ؟.
فقالت : في السماء.
فقال : إنها مؤمنة أو كما قال عليه الصلاة والسلام ..
أيضا ذاك الأعرابي عندما قال :
لا أزيد عما فُرض عليَّ بشئ .
فكان قول رسول الله عنه : أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق.
وغير ذلك كثير في بساطة الايمان ، والتدين ، والعبادة وما ضل الضالون إلا بالبعد عن البساطة ، وولوج مسارب التعقيد ، والتدقيق غير المبرر ..
وهذا الذي الذي اهتدى إليه الإمام فخر الدين الرازي بعد رحلة فلسفية كلامية في التعرف على الرب ، والإيمان به ؛ وبعد معارك جدلية ، ومناظرات في هذا الشأن مع أصحاب ملل ، ونحل شتى ..
في رحلة الرازي إلى نيسابور، تجمع الناس حوله لينهلوا من علمه، فسألت سيدة عجوز من هذا الذي يتهافت الناس حوله؟
فقالوا هذا الرازي، الذي جمع ألف دليل على وجود الله
فردت: لو لم يكن في قلبه ألف شك ما احتاج ألف دليل !
فلما بلغه قولها رد: اللهم إيماناً كإيمان العجائز…
أخيرا :
سأعرج على ميدان التربية الأسرية للبنات ، والأبناء ؛ وكذلك التربية المجتمعية من قبل مؤسسات المجتمع المعنية !
فقط أقول : البساطة البساطة في التربية ؛ ولا نركن إلى ذريعة : لقد تم تطبيق أعلا المعايير التربوية الخاضعة للمناهج العلمية ، والدراسات المهمة من أعتى مراكز البحوث ، والدراسات ..
ودمتم سالمين،،،،،،،،

قواعد التَزَلُّف العشر للأندية الأدبية
القاعدة الأولى- تجاهل الأبواب
حدثني مَن ظننت حديثه صدقًا عن رفيق له ابتلاه الله بحبّ الكتب، نهل من القراءة ما شاء الله له أن يفعل، وحين امتلأ صدره بفيض الأدب، ومنَّ الله عليه بالفكر؛ فكتب وكتب، كلّ أمره كان خيرًا، حتى نصحه رفيق بأن ينشر نتاج فكره، ويطرق أبواب الأندية الأدبية، ومن يومها وهو في حال شد وجذب وهمّ وكرب.
فلم يعد يراه أحدٌ إلا شاحذًا قلمه وحاملاً لفافة ورقه، غلب جسمَه الغمُّ وعلا وجهَه الهمُّ، خانه البصر ولازمه الكدَر.
حتى إذا ما حان يوم ذهابه لقلعة النادي المحصَّنة، تجمَّل بثوبه، وتطيّب بالعطر، دقَّ مقبض معاقل الأندية بابًا بابًا، فلم يردّ عليه أحد.
وذات يوم وهو على باب النادي، وقد أرهقه الهبوط والصعود، وهدَّ يديه الطرق على الأبواب، قفل راجعًا حينها مطأطئ الرأس، فسمع تنحنحًا لرجل خلفه، فالتفت فرأى شيخًا قد جاوز الثمانينيات، وشيك سقوطه لولا عكازه، فهرع إليه وعاونه على الجلوس، فجلسا سويًّا أمام بوابة الحصن المغلق -النادي الأدبي المزعوم-.
بادره الشيخ بالسؤال:
• هل تظن أنك ناشرٌ كتبك لديهم؟
• أتمنى ذلك؛ فقد قضيتُ أعوامًا أحاول، وما من مجيب.
حكَّ الشيخ رأسه متفكرًا.. إليك النصيحة الأولى:
• لتلج للداخل عليك أن تتعلم قواعد التزلُّف العشر، وحينها ستُفتَح لك أبواب الأندية الأدبية على مصرعيها.
• علِّمني مما علمك الله، دُلّني يا شيخنا.
• اسمعني يا بني جيدًا، عليك أولًا أن تُجهّز مخطوطك، أَوْقِد فِكرك وأشعل روحك، وابدأ الكتابة، لا تكتب حتى تشعر أن الفكرة تخنقك، تتحكم فيك، تُحاصرك كلك؛ فيستجيب قلمك. اكتب كل حرفٍ بعناية ودراية، وانقش كل سطر بماء العقل، نَسِّق الصفحات. اكتب كما لو كان ذاك آخر العهد بالكتابة، استجمع عصارة فكرك في تلك الساعة، واكتب حتى تنضب أفكارك. ثم أغلق الصفحة. ولا تنشر منشوراتك حتى حين.
• ثم ماذا يا شيخنا؟، متى أعيد طرق الأبواب؟
• الحقّ الحقّ أقول لك، بل تجاهل الأبواب، حتى تصل للصواب، هذه النصيحة لك للكتابة؛ أما الأندية الأدبية فالطريق لها مكبّل بالمخاطرة، ومحفوف بشلّة المصاهرة، والآن حان وقت الرحيل أيها الكاتب…
- قِرطاس يا شيخ؛ أسماني والدي قِرطاس ليعلو شأني بين الناس.
إذًا يا قرطاس! انتظرني يومًا أو يومين.
وسأعود إليك لأكمل لك قواعد التزلف العشر كاملة التمام دون زيادة أو نقصان.

انهضْ ياكلينومينيني ..!!
من الطبيعي – ويُقال الأفصح أن نقول من الطبعي , لأن القياس في النسب إلى فَعِيلة : هو حذف الياء فيقال فعلي , وطبيعة تكون طَبعي – فمن الطبعي أن تمر على المرء أوقاتٌ لايرغبُ فيها في مغادرة سريره , وذلك لأسباب عديدة ومختلفة , ولكن من الهام – ويقال الأفصح أن نقول من المُهم لا من الهام ..
( والله ياعم سيبويه لو تكمل المقال وتسيب المفاصح حقك يكون أحسن , جزاك الله خير ..)
وهذا الشعور بالبقاء في السرير لا شيء فيه البتة إن كان موقتاً وعابراً , ولكن إن كان هذا الشعور دائماً أو شبه دائم , فهذا مؤشر خَطِرٌللغاية , يجب التوقف عنده وفحصه وتشخيصه والبدء في علاجه , وبالذات إذا كان هذا الالتصاق بالسرير مؤثراً سلباً على حياة الإنسان ومايجب أن يقوم به من أعمال ومايتحتم عليه أن يؤديه من التزامات خاصة وعامة .., وعندها لابد أن نُحدد , هل سبب ذلك كسلٌ وخمولٌ ؟ وإن كان كذلك , هل مرد ذلك للسهر وقلة النوم أو ضعف جودته , أو للأمر علاقة بالغذاء أو لنقص في الفيتامينات أو لغير ذلك , أم هو درجة من درجات الاكتئاب التي أورثت صاحبها انعداماُ في الرغبة في الحركة وممارسة الحياة والإنتاج , وهل هذا الاكتئاب سببه صدمة ما أو موقف قاسٍ أو تجربة صعبة أو إحباط متكرر جعله لايرى أي جدوى لمايقوم به ؟!! أم هي تراكم ضغوطات مختلفة ماعاد الإنسان يطيق حملها فقرر أن يرفع كل راياته البيضاء ويُسلِمُ جسده للسرير كسجنٍ اختياري ..؟!!
هنا يجب أن يتم الجلوس مع الشخص – ولايشترط أن تكون مختصاً أو خبيراً لتفعل ذلك , كُن فقط مُحباً له – ومحاولة مد يد العون عليه وإخراجه من تلك الدوامة العنيفة , ومعرفة الأسباب بالحوار الهادف المكسو حُباً والمغمور بالصدق ..
أو قد يكون هذا الشعور سببه مايُعرَفُ في علم النفس ب ( الكلينومينيا ) ( Clinomania ) أو (ديسانيا) ..
وهي حالة نفسية قد يدخلُ فيها الإنسان ومن الجنسين – وبالذات المراهقين وصغار السن – ويكون السبب الرئيسي لها – والأفصح أن يقال الرئيس لأن ….
( يوووووه خلاص يابن منظور …!! )
هو الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية والغرق في وسائل التواصل الاجتماعي , مما يجعل المرء عالقاً داخل عالمٍ افتراضي غير حقيقي , رافضاً الخروج للعالم الواقعي ..!!
وهذه الحالة لها علاجها السهل اليسير بإذن الله أن تم تشحيصها مُبكراً ..!!
وخلاصة الحل :
الإعادة التدريجية والذكية للعالم الواقعي بكافة تفاصيله ..
همسة :
ينام عميقاً من لا يملك ما يخاف من فقدانه ..
لاأعلم علاقتها بالمقال ( لكن جات على بالي ) ..!!

حنين قلبي
أيا مَنْ تُغنِّي بالغناءِ وتسعدُ
حنينٌ بقلبي ازدادَ والبينُ مُجهِدُ
أُنادي على أسما عسى أنْ تَجِد لنا
مِنَ الشوقِ ما يسقي الكؤوسَ ويُسعِدُ
وأسماءُ لا تُصغي لمن ذابَ مُغرماً
ولا هيَ تدري بالذي يتودَّدُ
إذا لم نذُق للأُنسِ عندَ اشتياقنا
نصيباً فلا نادى المُحبينَ موعِدُ
ويَحسدُني الواشونَ إذ لم أذُق نوىً
فمالي أراني أشتكيكِ وأُحسَدُ
فأينَ التي لم يُنصِفِ الودَّ قلبُها
وما الودُّ إلَّا نظرةٌ لو تُزَوَّدُ
أراني أُقاسي اللَّومَ في كُلِّ مَرَّةٍ
أقولُ بأني في هواكِ مُقَيَّدُ
أذوبُ افتتاناً بالوصالِ وكُلَّما
ذكرتُ التلاقي ازدادَ فيَّ التَّنهُّدُ
وقالوا تُنادي مَنْ ؟ أما اعتادكَ النَّوى
أما أنهكَ اللُّقيا الجفا والتَّبَعُّدُ ؟
أنادي تلاقينا الجميلَ وإنَّهُ
حياةُ لكم كانت بنا تتجدَّدُ
وأسألُ عَنْ أسما وفي القلبِ عشقُها
وَتَعلَمُ أسماءٌ بما بي وتشهدُ
حنيني إذا ما قُلتُ لا ينتهي فلا
أظُنُّ ولكن ذاكَ أمرٌ مُؤكَّدُ
إذا رُحتُ مشتاقاً أظَلُّ كما أنا
وأرجعُ والأشواقُ نارٌ تَوَقَّدُ
إذا قلتُ ذاكَ الوقتُ قد كانَ مرتعاً
لنا صاحتِ الدُّنيا وللوصلِ مورِدُ
أُذَكِّرُهَا بالنَّخلِ إذ كانَ شاهداً
وللصُّبحِ أشواقٌ وللعصرِ مَوعِدُ
ألا حبَّذا تلكَ السويعاتُ والهوى
وخوفُ التَّنائي لا يجيءُ لهُ غدُ
إذا ما دموعُ العينِ هلَّت تَذَكُّرَاً
فقلبي شموعٌ مِن جوى البينِ تُوقَدُ

المتنبي وناقتُنا
من المعلوم أن أبا الطيب المتنبي حينما غادر مصر مغاضبًا، وهاربًا من كافور ليلة عيد الأضحى، كان راكبا ناقة، ووصف هذه الناقة كعادة القدامى، لكنَّ وصفه لها جاء مقارنة بينها وبين المرأة، فذكر أنه يُحب الناقة، ولا يُفتَن بالمرأة، فقال في قصيدة طويلة مطلعها :
أَلا كُلُّ ماشِيَةِ الخَيزَلَى فِدا كُلُّ ماشِيَةِ الهَيذَبى
الخيزلى وصف لمشية المرأة الجميلة ، والهيذبى وصف لمشية النوق ، فقال إنه يفدي الناقة بالمرأة، أي إن كل امرأةٍ حسنة المشية فِدَى كل ناقة سريعة الخطو، يعني أنه من أهل السفر، وتُعجبه الإبل السريعة، والخيل القوية القادرة على السير، وليس ممَّن يعشقون النساء، ويتغزّلون بهن، ولا بمشيتهن المتثنية .
ثم يقول :
وَكُلِّ نَجاةٍ بُجاوِيَّةٍ خَنوفٍ وَما بِيَ حُسنُ المِشَى
النجاة هي الناقة السريعة، وهي الناجية أيضا، وسميت هكذا لأن راكبها ينجو بها، قال الشاعر عبدالله البردوني مخاطبا أبا تمام في قصيدته ” أبوتمام وعروبة اليوم” :
كانت بلادك رَحْلًا ظهر ناجية أمَّا بلادي فلا ظهر ولا غبب
والمعروف أن “الرَّحْل” هو ما يوضع على ظهر الناقة ليُركَب عليه، يقابله السرج عند الفرس.
أما الكلمة المحورية فهي “بجاوية” التي وردت في قول المتنبي:
وَكُلِّ نَجاةٍ بجاوِيَّةٍ خَنوفٍ وَما بِيَ حُسنُ المِشَى
فهي نسبة إلى البجة من قبائل شرق السودان، وقيل نسبة إلى بجاوة، وهي قبيلة في مناطق النوبة في شمال السودان، ومن هنا تنتقل النوق إلى منطقة “دراو” في جنوب مصر التي تمثل سوقا كبيرة لبيع النوق السودانية إلى يومنا هذا، وهذه النوق توصف بالسرعة، فقد روى ابن جنى عن أبي الطيب، قال: (يرمي الرجل منهم بالحربة، فإذا وقعت في الرمية طار الجمل إليها حتى يأخذها صاحبها) .
والثابت لدى شُرَّاح المتنبي أن أبا الطيب استعمل إحدى هذه النوق البجاوية”السودانية” في رحلة هربه من كافور التي امتدت قرابة ثلاثة أشهر، وخلَّدها بهذا البيت:
وَكُلِّ نَجاةٍ بجاوِيَّةٍ خَنوفٍ وَما بِيَ حُسنُ المِشَى
ــــــــــــــــــــــــــ

«حديقة الغروب» ؛والنهر الوجداني المنفصل عنها!
أبحرتُ في قصيدة الشاعر المبدع غازي القصيبي رحمه الله؛ بهدف الوقوف على أهمِّ الأبعاد الفنية التي تجوهرت في قصيدته المتفردة ؛التي أطلق عليها تسمية(حديقة الغروب)؛ومن خلال تلك المعايشة الساعية لاكتشاف تلك الأبعاد المتشابكة في رسم خارطة النص ؛ومجريات أحداثه ؛استخلصت أبرزها وفقاً لهذا التقسيم النقدي:-
البعد النفسي ؛البعد الاجتماعي ؛البعد الديني؛ والبعد الوطني ..
وفي هذه الرحلة كنت أستشفُّ مِسحة الحزن التي غلفت أبيات القصيدة؛فأتأثر بذلك الجوِّ النفسي الذي أحاط به أثناء ميلاد نصِّه ..
إنَّ اختياره للكلمات الموحية ؛وبراعة تصويره للتجربة؛ تميَّزتْ بدقة الشعور ورهافة الإحساس.
تأسس بناء قصيدته تلك على فكرة توديع كل الجسور التي تربطه بالحياة الفانية؛ ابتداء من أقرب الناس إليه ؛زوجته ؛عائلته ؛وطنه ؛وكأنه أحسَّ بدنو أجله؛وآن الأوان للرحيل الأبدي.
في تلك القصيدة ودع الدنيا بحذافيرها على طريقته الإبداعية الخاصة المستقلة؛ على أنَّه شاعر فذ يمتلك البلاغة ؛وبعد النظر؛ والقدرة على التصوير ؛وفي تشبيهاته البيانية مايؤيد ذلك.
ففي أبياته الأولى؛ استوطن البعد النفسي فبدا مخاطباً فيها نفسه متسائلاً عن عدد سنين رحلة العمر “خمس وستون في أجفان إعصار”؛ وكأنه يخبرنا بأنه كلما أراد الهدوء والراحة ؛واجه من جديد أعاصير من الحياة؛تفرض عليه أن يجدد عراكه معها ؛ويصف لنا العناء الشديد الذي شهده في مسيرته الطويلة؛ ويعود بذلك لنفسه مستفهماً بقوله:- أما سئمت أيها الساري؟!
يحدث نفسه أما مللتِ؟! أما تعبتِ من أعدائك؟!
ثم ينتقل الشاعر لوصف مشاعره لزوجته الوفية في فتوته وشبابه وقوته؛إذ لم تتغير أو تتبدل؛ فمشاعرها ثابتة كما كانت في أطوار حياته المختلفة ؛في حالَي مرضه ؛وضعفه؛ولذلك شبه حبها بالندى الذي لولاه لأصبح جائعاً عارياً ..
ومن شدة هذا الحب الذي يبادلها إياه
تمنى البحر أن يكون قافيته التي يستقي منها الكلمات ؛ومحبرته الغيوم؛ وأن هذا الأفق الواسع يتجلى بأشعاره التي يكتبها فيها شعره …
ثم أردف قائلاً
إن ساءلوك فقولي كان يعشقني
بكل ما فيه من عنف وإصرار!
وكان يأوي إلى قلبي ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعه داري
وإن مضيتُ فقولي لم يكن بطلاً
لكنه لم يقبل جبهة العار!
وإن سألوها عنه بعد رحيله إلى الدار الآخرة ؛عليها أن تعترف لهم بأنه كان يعشقها عشقاً صادقاً ؛ويلزمها أن تقول للجميع بدون مواربة بأنه كان بطلاً؛ ولكن ليس بطل معركة ما؛ وإنما البطل الذي لم يرضَ يوماً أن يلبس ثياب الذل والمهانة والغرور ؛ولم يبع مبادئه وقيمه بثمن بخس؛راضخاً لجبروت ظالم مُستعبد..
وأنت يا بنت فجرٍ في تنفسه
ما في الأنوثة من سحر وأسرار
ماذا تريدين مني إنني شبحٌ
يهيم ما بين أغلال وأسوار!
وابنة الفجر التي يشير إليها هنا هي ابنته؛ ومن هنا يبدأ البعد العائلي فابنته هنا توحي بالأنوثة من شدة سحرها وجمالها؛ فهو يسألها:- ماذا تريد منه؟! وبشبه نفسه هنا بالشبح؛ وكأنه يلفت النظر لرحيله القريب أو نهايته المحتومة ؛وقد شبه نفسه بفصل الخريف؛ كناية عن الجفاف والذبول والفناء
وإذا كانت الطيور تهاجر عند قدوم هذا الفصل؛فإن عمره كالورد الذي يذبل .
إنه يشتاق للأيام التي تصرمت من عمره؛ ويبكي عهد الشباب الذي انقضى سريعاً، ويقول لابنته أن لا تتبع خُطاه؛وأن تكتفي بقراءة ما كتبه.
ويا بلادا نذرتُ العمر زهرته
لعزها دمتِ إني حان إبحاري
..
تركت بين رمال البيد أغنيتى
وعند شاطئك المسحور أسماري..
إن سائلوك فقولي لم أبع قلمي
ولم أدنس بسوق الزيف أفكاري..
وإن مضيتُ فقولي لم يكن بطلاً
وكان طفلي ومحبوبي وقيثاري
وفي هذه الأبيات تتجسد لنا ملامح البعد الوطني؛ فهو يصف حبه الشديد للوطن؛ الوطن الذي نذر عمره له ؛ويبثُّ إليه خبررحيله القريب في قوله:- إني حان إبحاري..
وأنه سيرحل تاركاً بين رمالها الذهبية وصحرائها أغانيه؛ وكلماته التي سطرها في الوطن العظيم؛ والتي تعبر عن مدى حبه له –
و إذا سألوه عن القصيبي فليقل عنه إنه لم يبع قلمه؛ ولم يدنس أفكاره بأفكار مزيفة بل كان طفل الوطن محبوب الوطن الذي قام بإفناء عمره في حب بلاده ووطنه –
يا عالم الغيب ذنبي أنت تعرفه
وأنت تعلم إعلاني وإسراري..
وأنت أدرى بإيمانٍ مننتَ به
عليَّ ما خدشته كل أوزاري ..
أحببت لقياك حسن الظن يشفع لي
ايرتجى العفو إلا عند غفار..؟!
وتتسم الأبيات الأخيرة من القصيدة بنزعة دينية واضحة المعالم ؛طابعها العام الابتهال إلى الله؛ والاعتراف بين يديه بالخطايا والذنوب التماساً للرحمة والمغفرة من لدنه..
وترقرقت معاني الاستعطاف في هذا المقطع ؛كتفويض الأمر لله؛وإحسان الظن بعدالته وإنصافه ورحمته الواسعة ؛والرضى بقضائه وقدره ؛وفيها تجلى عنصر الخضوع لله والضراعة للذي يعلم الأسرار وخفاياها ؛أن يتجاوز عنه وأن يُحسن خاتمته وهو في طريقه إلى لقائه..
ومما يميِّز هذه الخاتمة المؤثرة أنها جاءت كفصل الخطاب؛متزامنة مع إحساسه بنهايته؛وانقضاء أجله؛وانتقاله إلى العالم الأخروي..
رحم الله الشاعر القصيبي وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ؛ولله ما أخذ ولله ما أعطى..