- 15/01/2023 casualarticlesandblogsonline
- 26/12/2022 How to make a scary Halloween charcuterie board?
- 24/12/2022 كلية العلوم الإنسانية ونادي أبها الأدبي يحتفيان باليوم العالمي للغة العربية
- 12/12/2022 webblogsa
صهيل الريح [ 145 ]

لذّة الاستطراد !
كثيرًا ما يتعثر القارئ بالاستطرادات التي تواجهه عند القراءة، وربما استحسنها لاشتمالها على فوائد وفرائد أو تعليقات وشروحات مصاحبة للنص الأصلي، وتكون من اهتماماته، وربما كرهها فهي تصرفه إلى موضوع آخر، وقد تشتته لا سيما إذا كانت القراءة موضوعية أو بحثية في مجال معين.
الاستطراد هو أسلوب كتابي يغلب طابعه على التنقل من موضوع لآخر؛ أحيانا له علاقة وثيقة بمضمون النص وأحيانا لا. كمن يتحدث عن الاقتصاد، وفجأة تجده يتحدث عن عادات أو ممارسات يقوم بها مجتمع ما أضرت بالاقتصاد، لكن بصورة غير مباشرة ويتعمق فيها ويطرح تساؤلات عنها وكيف أن المجتمع توجه لهذه الممارسة التي أشبه ما تكون بالظاهرة، ناسيًا للموضوع الذي كان يتحدث فيه، ثم تذكر وعاد يكمل حديثه أو موضوعه السابق الذي كان من المفترض ألا يغادره!
بعض الأدباء نشأ على هذا الأسلوب، وتجده حاضرا في كتاباته، بل أن بعضهم يعترف بذلك ويعتذر عنه؛ كالشيخ علي الطنطاوي القاضي السوري -يرحمه الله-حيث يقول في ذكرياته: “…لقد خرجت عن الخط، ولكن لا كما يخرج القطار عن القضبان، فينهار ويسبب الهلاك والدمار، ولكن كما يميل المسافر إلى الواحة فيها الظل والماء، فيجد فيها الراحة والري. فعفوكم إن جرتني المناسبة إلى سرد قصة ليست من صلب الموضوع ولكن أرجو أن يكون من سردها متعة أو منفعة. أعود إلى موضوعي… ”
الاستطراد ينقسم لعدة أقسام، منه البعيد والقريب، وبعضه موصول بالموضوع، واستطراد يجعل الكاتب يصرف الكلام أو الحديث إلى وجهة أخرى كمناسبة أو موقف أحاله إلى هذا السياق!
من لذة الاستطراد عند الكاتب والمتحدث بأنه يعطيه أفضلية ليصبغ على كلامه صبغة الصديق الذي يناجي صديقه دون تكلف، أو الطالب الذي يتدارس مع زميله، في حين أن هذا الأسلوب قد يميزه عن غيره بكثرة الاستطرادات.
القارئ لا يخلو أيضا من اللذة التي يقتنصها أحيانًا من بين السطور، مثل اسم مدينة أو اسم شخص وطريقة ضبط النطق الصحيح لهما، وغالبًا لن تجد التشكيل المناسب والمقبول لعدم المعرفة؛ إلا في حال بحثت عمن يُلمَّ إلمامًا شاملًا بهذه المدينة أو هذا الاسم ولديه معرفة مسبقة!
قرأت مرة لعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- أن
«بقيق» مدينة شرق السعودية تكتب وتنطق خطأ بزيادة ألف في أولها (ابقيق)؛ لأن الاسم كتب في أول الأمر من قبل راسمي الخرائط -وهم أعاجم- كما تنطقه العامة وغالبا ما يسكنون أول الاسم مثل (محمد) و (سليمان) فيقولون ( امحمد) و (اسليمان) وهكذا، وهذا خطأ.
لا يمكن إغفال هذا الأسلوب من طلبة العلم وغيرهم ممن يحضرون الحلقات والدروس العلمية إذ تراهم يطربون لسماع فائدة عظيمة إما في التاريخ أو الأدب…إلخ؛ بسبب الاستطرادات التي يمتاز المدرس فيها بالبديهة الحاضرة والحافظة القوية.
كثير الاستطراد مجالسته لا تمل، فهو يطرق أبواب كل فن، وتظل ترتقب لقاءه بفرحة فائقة.
احذر: أن تبتكر المتاهة فتتورط بحافظتك (اللافظة) نحو منحنيات النص الهائل، ويصبح استطرادك كالخيوط المتشابكة في بكرة واحدة لا تعود سليمة إلا إذا تخلصت من نصفها، ويأخذك الإطراء إلى فضاءات واسعة تفقد معها مسار العودة!

هل بقي للبوح وطن .. ؟
تهدَّمت كل ملامح قريتي الجميلة وتكسَّرت كل جسور أحلامنا البريئة وضاعت الأرواح تحت حصار اللحظة وأنقاض الوجع هل بقي للبوح وطن؟
حتى وطني رأيته راحلاً مطرقاً بخياله مطأطأً الرأس يجتث خطاه؛خوفاً ناديته :
ياااا وطن..يااااا وطن يااااا وطن
لم يعبه بما بكل نداءاتي وكأنه لا يُرِيدُ حديثي..!
ظننتُ إنه أصيب بالصمم فشاح عنَّي بوجهه الجميل وإن كان حزيناً..!
كأنَّه لم يعرفني ..يا وطن كأنَّني أعرفك..!
لاتهزأ بي وبضعفِ نظري فإني لأجدُ ريح وطني ..نعم أجدُ ريح وطني..!
ألست ذاك الـوطن الـــ…؟!
لم تكمل فقد خانتها عبرتها وتكمل حديثها وحاول الفكاك مني دون سابق إنذارٍ فأمسكتُ بتلابيبه ولم يحرَّك ساكناً وظلَّ معتصباً بعصبته المزركشة وهي تخفي تحتها حكمةُ شعبٍ أضاعتهالأطماع ويحتزم بحزامٍ نحيلٍ على بطنٍ ضامرٍ لم يعرف الشبع وسألته لاتخف ياوطن..فلستُ ممن لهم اطماع وكما تراني طاعنةٌ في السن ابتسامة ساخرة وتكملُ حديثها فقد سافر الفرح عني من قديم وأضعت قلبي في أزمان ٍ غابرة..!
ولكني أحبك وكأنها لا تريدُ أحداً أن يسمعها..؟!
لا لا ..لا أريدُ منك شيئا سوى حديث الرحيل والوداع فربما لا تجدني العام القادم..!
لا تقل لي بإني متشائمة فقد اشتريتُ كفني
أتعلمُ لماذا؟!
سوادٌ يتلبَّسني وحسرةٌ تعيثُ بي وفقدٌ يتلوى بي فلم تعد ذاكرةٌ لي فكل شيءٍ قد فقدت لاتخف من ملامحي المهاجرة..فقد عشتك بكل ملامح وجهي الذي تراه وربما لا يعجبك..!
حين كنتُ طفلة تغني بين الحقول وفي مدارس العمر وأسرتي تواصل الكفاح وتسقي وتزرعُ الأرض وتعمل بجد كأنهم خلايا النحل لا تعرف النوم..!
عشتُ ماضٍياً جميلاً وهو سلوتي في حاضرٍ مكلوم ..
آآآه قد نسيتُ أسئلتي..!
كههه..كههه..كههه
سعالي القديم لا يكاد يتركني وكأنه يخاف رحيلي..؟!
هو يعرفني من بين كل نساء الدنيا..فموطنه صدري..!
حتى إنَّه يلازمني ملازمة الظل ويعاقبني حين يراني أغيرُ ملامحُ حزني وحسرتي وتأملاتي الشاردة في وطنٍ يُرِيدُ أن يرحل..!
إلا تسمع..؟!
أقول لكـ وطنٌ يُرِيدُ أن يرحل..!
صوتها في جنبات المكان وتنهيدتها وحدها تكاد تلهب المكان..!
أجبني ماذا حلَّ بك ..؟
كأنَّك تحاول قتلُ أمرأةٍ تشاكسك وكأنها مفتونةً بك تلتفتُ يمنةً ويسرةً نعم نعم مفتونةٌ بك .. وإن كُنت تلملمُ مذكراتك بين حرب وحب.. أرحمني فقد نخرني الزمان بأوجاعه..!
ماذا ؟هل قلت شيئاً..؟
كأنني سمعتك .لعلها تمتمات قلبي..
لاتصدقُ أمرأةً تريدُ الموت وتكره الحب وتنسى حبيبها..!
أرجوك لا تقل شيئاً.. ولكن لا ترحل عني وتتركني..
ومازاااااال لي قلب..؟!
كيف أحببتك وكيف لي أن أنساك وأنتـِ الحياة..!
أردتُ أن أقول لا ترحل عن شعبك فهم وإن رأيتهم يتهاوون كالفراش في نار الفتنة والطائفية ..
التي زرعها الأعداء وغرسوا أنياب الجشع في خاصرة اليمن السعيد..يا وطني لا ترحل فهناك أرى فجراً قادماً وددتُ لو أبقاني ربي ومد لي في العمرلارآه وأعدك يومها بأن أتوشح البياض وسأحاول بكل مساحيق الدنيا وأدوات التجميل أن أعود سيدةً حسناء وأغني لكـ لحنصنعاء وعدن والمحويت والحديدة وتعز وحضرموت والمكلاَّ..وكل نبضة قلبٍ :
” يا منى العين يا يمن ” ..
كيف لك أن ترحل قبل أن تجني سعادتك
فأنت اليمن السعيد..
لا تبك يا حبيبي فدموعك غالية ..
ستبقى سعيداً في عيني وفي عيون شعبك والعالم..!
لا ترحل أرجوك فأصوات القنابل المدوية ستخلفها أصوات السلام والحب والطيور..سنحتسي قهوتنا والبن الخولاني يزكّيها ..
عد لشعبك فهو وإن رأيته يتطاحن ويحترق..
فلولا اشتعالُ النار فيما جاورت
ماكان يعرفُ طيب نفح العودِ
ومضة :
هل بقي للبوح وطن .. ؟

بلاد امْرباحْ ..
– معدِّيْ برْ محمد : رجلٌ سبعيني ، معتصبٌ غترته على طريقة أهلنا في ألمع ، لا يستطيع مفارقة حزامه وشفرته ، حافي القدمين ، جزء من ثوبه محشور تحت الحزام فلا يصل سوى منتصف الساق .. مع الهزيع الأخير من الليل يضحّيْ ثوريه ويعتني بهما ، كي ينطلق معهما بعد صلاة الفجر لحرث مدرجاته الزراعية .. رجلٌ طروبٌ في رزانة وحكمة الأزد .. يُضربُ به المثل في كرمه هنا في ألمع .. يغني مع ثوريه أغاني الحرث من مثل :
أنا لامْغلامينَ حطاّبِ ليلِ
ومنْ يحطبِ الليلِ يلقى النّكودِ
ألا يامْغلامينَ وانا فداها
وانا فداشَ يا زهرِ الافْوالِ
وفي قيظ الهاجرة يكون غناؤه غزليا مما يرقق الهجير مثل :
لاقيَهْ واتمناّشَ يا لا قيَهْ
مثلَ ذا معدمٍ ويْتَمَنّى الغنى
لاقيَهْ ريتِ هوافِ مردافها
مثلَ هواّفِ مرْدًى منَ احنابَها
– لاقيهْ ، زوجته ذات المهمات الصعبة : ترعى البيت والأطفال ، وتذرى عليه في تَلِيم الأرض ، وتحمي الزرع من الطير والقرود ، وتحشّ الزرع وتصرم عذوقه ، وتجني شجر البنّ ، وتجمع جنى السدر ، وتقطف من أحواضها أغصان الطيب من البرك والريحان والشيح ، وتخرط حناءها ، لتجمع من كل هذا ومن سمنهم وعسلهم بضاعتها إلى سوق ( رجال) و(الأحد) ، ولا مانع من أن تأخذ في طريقها حملة من الحطب لبيعها …
– ذيبان : رفيق عمْر معدي . مولعٌ بغنمه إلى حدّ الهيام . رافقه يرعيان الغنم في أعالي جبالهما ، محاولا إقناعه بالمسير معه إلى الحج .
معدّي : ألا والعون يا ذيبان .
ذيبان : الله يعافي ذا اللون وانت والعون ..
( حوار حول امْغنم وأحوال البلاد ……..) .
معدي : يا ذيبان ، كبِرْنا ولمْ عاد لنا خلف ذا اليوم الا نرتجي منيّتنا ، ولم نقضيْ فريضتنا . أنا عزمت على الحج ايلا شا الله ، قلت ايلا أنت ميد سيرتي ، تعرف ياخوك سيرة امرفيق زينة وسلامتك ..
ذيبان : الله يحييك وعلمك ، أمانا فقد نشدّ امّطوّع وقال لي ذا ليس يقدر فلا كلَفَةَ علاهو من ربي ، وانا والله لانا آراني اواقدرْ ..
معدّي : يا رجال نمشي على نفسْنا ، بين القبايل وشيمْهم من قرية في امثانية ، وانْ شا الله لا وقع لنا الاّ خير ..
ذيبان : ايلا حجّتْ ضاعَ غنمي ، وايلانت عزمت فالله بجاه النبي ياهبْ لك حظ ، وانتبه لروحك انا اخوك ليس بك الغِرّ ان امْحجاج ولا لم يعوّدْ نعمهْ ، الله يوجّهْ جاهكْ…. وأخذ ذيبان يردد ( الواحي) لغنمه التي كانت تلتف حوله كلما سمعتْ واحيَه من مثل : ( لحن بلالالالالالاة معروفة لدى رعاتنا تسمى : الواحي ) ثم يترجمها بكلمات على نفس اللحن تمثل أمانيه :
ألا ليتَ امْجرادِ امْنافرهْ غَنمٍ ليْ
ألا وانَّ ارْضِ ربيْ كلها محجرٍ ليْ
ألاَ وامذيبِ راعٍ وامْنمرْ كلبةٍ ليْ
ألا وامْطَورِِ ذا متْقلِّلٍ بندقٍ ليْ
ألا وامْتالقةْ تا في الاحدْ لحيةٍ ليْ
ألاَ وامْنِ امْصبايا فاربعٍ نسوةٍ ليْ
ولَّشَ معدّي برْ محمد معه ، ثم ودّعه وهو ( يشْغب) على ( امْربْحان) الذين كانوا في غزوة على إحدى مزارعه .. واتّجه إلى بيته ..
يجمع زوادَهُ للسفر : سفْرة ( إناء من الجلد يجمع فيه زاد المسافر ويحمله بجنبه) – جَبَنَة ( دلة) صغيرة – صافي (قهوة) جهزتها له لاقية – عكّة سمن صغيرة – قليل من الدقيق .
ودّع لاقيه موصيا إياها في أبنائهما وفي الحلال من نحل وغنم وبنّ وبلاد .. ثم ولّى شطر مكة …
أكمل حجه ، وبعد طواف الوداع دخل ( سوق الليل ) يريد شراء صُنْبرة ( حب الحمص) ومسابح لإهدائها منْ يستقبله ( هنا حوار مع الباعة الحضريّين) برياله الوحيد الذي يملكه..
فجأة في الشارع ، شابّ حضريّ قوي مفتول الذراعين لابسا (شميزا) وفوطة سفلية ( حوكة) ، ذو كرش ظاهرة جدا ، متفنّنا في استقبال الرجل :
تفضّلْ يا عمّي حياك الله ، أهلا وسهلا .. وتراحيب أخجلت الرجل !!
معدّي منبهرا جدا : أكْرِمِه وسَلّمِهْ .. أكرمَك الله يا ولدي ..
يأخذه الشاب ويجلسه على طاولة فخمة ، ويبدأ بشكلٍ عمليّ :
– تبغى فول ؟
– أكرمك الله
– تبغى عدس؟
– أكرمك الله
– تبغى يدام ؟
– أكرمك الله …..إلخ
امتلأت الطاولة ، وبدأ الضيف يأكل بشراهة حتى أنهى ما أعطيه ..
– معدّي : يبدأ في دهن يديه ولحيته الحمراء المحناّة وساقيه ببقايا السمن ، ويعلن لمضيفه :
– استكرمنا يا ولدي ، لم عادَ الاّ خلفناّ علاكم العافية ، أكرمكم الله وزادكم من فضله ..
– الشاب الحضريّ : ريالين يا عمّي !!
– معدي : هاااااااااااه ؟؟
– ريالين !!
– كيف ؟ لمه ؟
– يا عمي انت أكلت بريالين ، بلا ترْيَقهْ هات الفلوس ..
– قل لا إله إلا الله !!!
– حق ، بس هااات .. ايش تبغى تاكل ببلاش ؟؟؟
– يا ولدي انّكْ ذا عزمني ، أنت في عقلك ؟؟
– روح يا عمي عند اللي يعزموك .. هات الفلوس ..
– الله ينصرك لا معي ريال ، ولكنك عزمتني وليس يرد الكرام الاّ امسيحان …
الشاب فهم أنه لا فائدة مع إصراره على دراهمه ، يصلُ بينهما الحوار إلى حالة أن الشاب ركله بركبته ركلة قوية على ذقنه وألقى به في الشارع تنزف دماؤه ..
– يمر عليه أحد العسكر لابسا بزته العسكرية :
– مالك يا شيخ ؟
– عزمني هذا الولد وألح علي ، وغداني ، وخلفها طلبني دراهم !!!
– دفع العسكري ريالين للشاب ثم أخذ بيد الشيخ معدّي ناصحا إياه :
هنا إذا عزمك أحد فهو يريدك أن تأكل وتدفع مقابل الأكل ، مرة ثانية إذا عزمك أحد لا توافق ..
– يعزمني ويطلب دراهم ؟؟؟؟
– نعم
– يتّجه الشيخ معدّي إلى الجنوب مولّشاً بأعلى صوته : ألاي اللللللللله يسقيشَ يا بلالالالالالاد امربااااااحْ ….

النكتة السعودية ..
النكتة بمفهومها العام هي الخيط الرفيع الذي يجتمع حوله أفراد المجتمع بكل أطيافه كي يمنحوا أنفسهم فرصة التعبير عن معاناتهم بطريقة ساخرة فيها من الإسقاط الشيء الكثير.
وحين نتتبع مراحل تطور النكتة في ثوبها العام نجد النكتة كائنا حيا متغيرا ومتجددا على الدوام، ولا يمكن للنكتة أن تعيش في عزلة بعيدة عن الظروف الاجتماعية لتأتي في سياق ظروف وأعراف المرحلة كثقافة منطقة معينة، فإن النكتة المتمردة على العرف تأتي بشكل مضاد له متهكمة عليه وساخرة منه.
والنكتة ليست مجرد فكاهة لتبديد الوقت فحسب، بل هي وسيلة ساخرة لعدم رضاها عن السائد والخروج من ضغوط المفروض.. فبزمن البساطة والطيبين كانت شخصية «جحا» و«أبو نواس» هي طريق النكتة القديمة السائدة، وبعد فترة احتلت النكتة السياسية دور الريادة، لتحتل النكتة الاقتصادية المشهد بمعاناة الرغيف والبطالة وذلك بعد حرب الخليج تحديدا.. إلى جانب نكات وقتية أو موسمية تظهر في كل الأزمان والظروف، وهي تلك النكات المتعلقة بحدث أو ظرف اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي موقت.. أو النكات المصاحبة لأي بطولة أو مناسبة رياضية وصولا إلى النكات المرتبطة بالهبوط الحاد في سوق الأسهم، ومن هنا نمسك بخيط النكتة السعودية التي بدأت توهجها منذ انهيار سوق الأسهم عام 2006 والنكتة السعودية تتصدر المشهد العالمي كأكثر النكات رواجا وانتشارا، بل أضحت وجبات سريعة لذيذة، زاد ذلك شبكات التواصل الاجتماعي التي لا يمكن أن يمر حدث أو خبر أو تصريح إلا وتجد من يتفنن في صياغتها بأسلوب التقنية الاحترافية والتي أظهرت بعدا فنيا لشبابنا القادر على صنع الضحكة من رحم الأحداث والمعاناة.
إضافة للبرامج اليوتيوبية الساخرة والتي تجلت في أبلغ صورها ورسمت طريقا جديدا لحراك نكتي ثقافي مركز لترتقي تلك البرامج اليوتيوبية الساخرة نحو مساحات أرحب من خلال القنوات الفضائية التي استقطبت نجوم النكتة السعودية على منوال (النشرة الـ…) و (كلمتين وبس) وغيرها كثير.. ومهما كانت النكتة السعودية بجوانبها الإنسانية سلبا أو إيجابا إلا أنها مؤشر ثقافي لحاجة المجتمع للتنفيس حتى وإن كان واقعهم تعيسا بئيساً .
ومضة :
النكتة هي ثقافة إنسانية شائعة لإثارة الضحك، إلا أإن الضحك قد لا يكون بالضرورة مرتبطا بالفرح والسرور .. فهناك الكثير من الضحك يثيره الحزن الشديد كما يعبر عن ذلك بالمثل الشهير
(شر البلية ما يضحك).

اللغة بين نهرين
لا شك بأن المفردة اللغوية التي يختارها الكاتب تؤثر في مسار مشروعه الكتابي، ولهذا تكون اللغة متفاوتة من مشروع لآخر، فالشاعر يحمل في كتاباته أدواته الشعرية والراوي يدعم حكاياته بالسردية المثخنة بالأدب المحترف، بينما تطفو المفردة الموضوعية والمباشرة في المشروعات المقالية والكتابات الموضوعية بشكل عام ليصل المعنى لأكبر قدر من القراء.
إن اللغة المقالية المباشرة سهلة وسريعة الوصول لاهتمام القارئ، الذي يتوق لمعرفة نهاية الفكرة المعالجة سريعًا، بينما تبقى المفردة الأدبية أكثر تخصصية وانتقائية لجمهورها من سابقتها، وهكذا تُعرف لغة وأسلوب الكُتاب والشعراء والأدباء كل بحسب اشتغاله، فمتى يكون الأمر شائكًا؟
عندما تجتمع المهارتان والمعجمان في رأسك، وتنطقان في الوقت نفسه، الكينونة المزدوجة! اللون السوريالي الذي يطبعه الشعراء والأدباء على أوراقهم المعتقة برائحة الأدب العربي والمترجم المختلف، الغوص في الفجوات الشعورية واللاشعورية! استنشاق هواء الدهشة والسمو في إبداع المشهد وطراوة اللغة.
على الضفة الأخرى، هناك الصياغة الموضوعية الأكاديمية التي علمتنا اختزال الكلمات في كتابة المقالة، فكل جملة لها موقع من الإعراب والمعنى، وفي حذفها نقص جذري لفكرة المقالة، المقالة التي لا تكتبها الموسيقى أبدًا لكيلا تبعثرها العاطفة! العاطفة التي قد تسطو على رأس الكاتب/ة فتغرقه، إلا أن المقالات الصحفية الأسبوعية ليست للغرق كما المقطوعات الشاعرية، بل للإنقاذ ولمواجهة الفكرة بنظيرتها، فأين تكمن الصعوبة؟
عند وقوع الحدث، تخرسك الدهشة والارتطام المدوي في رأسك! تتمنى لو تكسر القلم أو تكتم صوته مؤقتًا، أو تنسحب كليًا من المشهد، لكنك مدفوع بعهد قطعته بينك وبين مسؤول التحرير قبل أشهر، إنهم ينتظرون مقالتك بنكهة صحافية منتظمة خالية من نتوءات الأدب ودخان الشعر، هيا لقد صار الوقت الأخير، فاحسم أمرك وتذكر الآن أنك كاتب رأي! وأن قراء المقالة ليسوا كلهم من الشعراء ولا القاصين.
يصاب الكاتب أحيانًا بلفحة صمت، لا يدري من أين أتى هواؤها، لكنه على أية حال بحاجة لـ«التصومع» وربما الصمت مؤقتًا، لحين يسترجع عافيته النفسية واللغوية، وله ذلك، إنما إذا كان كاتبًا مُعلقًا مثلي فلا خيار لديه سوى حقن دمائه بالطاقة المستوردة، ليتم مقالته، ثم يعود للحظته العاطفية.

زمن الطيبين !
زمن الطيبين !
بين ماضٍ تليد وحاضر مجيد صراعات
وتحديات تقودها مقالات وأحاديث ومقاطع !
كل ينتصر لزمنه ويراه الزمن الأجمل والأفضل بكل المقاييس
فهذا العجوز الذي اشتعل رأسه شيبا يستهزئ بهؤلاء الشباب
الذين ينضحون فتوة وشبابا بينما تجدهم أيضا يطلقون على
الزمن القديم ” زمن الطيبين ” بشيء من السخرية والانتقاص
وتتسع الهوة بين الفريقين مع تعاقب الليل والنهار !
وتمضي السنوات والجدال يتكرر بين جيل وآخر وكل جيل
يرى أن الجيل الذي سبقه يعيش في غياهب الجهل
بينما يرى الجيل الذي بعده يسبح في بحر النعومة والكسل
وهو الجيل الذي لن يتكرر والنموذج الذي يجب أن يحتذى !
هنا لابد أن نقرر أمرا مهما وهو أن نردم تلك الفجوة بين
الأجيال لا أن نوسع الهوة ونقرر الاختلاف !

حتى لا تجف الأقلام وتنضب الأفكار
يجود قلم الكاتب عندما تنضج به الفكرة ويمحورها داخل نصوصه
بروعة ما يسكبه …سواء كانت بنكهة إغاظة.. أم بنكهة عاطفة
أم بنكهة حزينة تعصف بها أمواج الألم بين مرافئ الأمان وطيات القهر وأعماق الويل
التي عبرتها كلماته وأطلقتها شطآن نصوصه …
ومن خلال تعايشي مع نصوص الكتاب في العامين الماضيين .. وجدتُ قامات من الإبداع والتألق يتفردون بأساليب نادرة تجعلهم مختلفين عن سواهم.
-ولكن هناك استفهام-
يموجٌ بي يمنة ويعصف بي يسرة…
لماذا لا يجد الأديب آراء أخرى تحمل كلماته على محمل الجدية والمصداقية وتعامله بأمانة..؟ رأيا يمازج نصه من الرأي الانطباعي والرأي الإبداعي ، والفكري ، والبلاغي بحيث نتساعد جميعاً على تطوير الأدب العربي ونشره من خلالنا نحن رواده؟ …
لماذا يحول دون ذلك الصمت وحظوظ الناس ..؟
حتى أصبحت القراءة الصامتة لدينا مستهواة بعيدة عن المعنى الحقيقي لقراءة الأديب وكأننا أموات غير أحياء..؟
لماذا استفحلت بيننا الشللية والحزبية حتى لا نكاد نرى النصوص إلا بمنظار القربى والترابط والصداقة والمعرفة والمجاملة والمصالح؟
في حين أن الكاتب يحيي ليله ويعصف فكره ليختار المواضيع والمفردات مطوعا عصيها ومضدا نديها بأساليب فريدة وصياغة قوية ليشبع نهم القارئ ويروي ظمأ ذائقته بيد أن القارئ يقف أمام النص وكأنه مجرد عابر لشاطئ عزفت فيه أمواج الكلمات ألحانها وانسابت فيه أشعة البلاغة بألوانها وخدرته نسمات أجراسها ثم يغادرها بصمت إلى مرفأ آخر دون أن يتراقص طربا ويصفق سرورا وعجبا… ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله…
أفلا نكون قراء حقيقين كما نحن كتاب أيضاً حقيقين معشر الأدباء ..؟
فلننهض بالأدب العربي الذي بدأ قوياً ونخرجه من قوقعة الصمت واللامبالاة إلى عالم الرأي ، والرأي الآخر – وتبادل الخبرات والنقد البناء لنوصله للأجيال القادمة كما وصل إلينا ولننافس به الأمم الأخرى في مضمار حقيقي يستحق المنافسة لا في مضمار الأنا وحظوظ النفس والمنافسات غير الشريفة وغير الأدبية والأخلاقية .

قلم الأديب بين أنامله وأفواههم
يجود قلم الكاتب عندما تنضج الفكرة في ذهنه ،ويمحورها داخل نصوصه
بروعة ما يسكبه …سواء كانت بنكهة إغاظة . أم بنكهة عاطفية
أم بنكهة حزينة ،تعصف بها مرافئ الألم ومنعطفات القهر والويل
التي التهمتها كلماته، ونثرتها منصات نصوصه …
في أوراق فنونه المتنوعة ..التي يعقبها شعور بالرضا الداخلي عن نصه ..
ومن خلال معايشتي لنصوص الكتاب خلال السنتين الماضيتين ..
وجدتُ قامات من الإبداع والتألق ذات مذاقات مختلفة في الإبداع الفني مما يجعلهم مختلفين عن بعضهم البعض .
-ولكن هناك استفهام-
يموجٌ بي يمنة ،ويسرة…
لماذا لايجد الأديب أراء أخرى تحمل كلماته على دعائم من الجدية والمصداقية والأمانة..؟
رأي يمازج نصه ،انطلاقا من الرأي الانطباعي ،والرأي الإبداعي ، والفكري ، والبلاغي بحيث نتعاون جميعاً على تطوير الأدب العربي من خلالنا نحن أبناءه …
لماذا يحول بيننا الصمت ..؟
حتى أصبحت القراءة الصامتة لدينا بعيدة عن المعنى الحقيقي لقراءة الأديب..؟
لماذا استفحلت بيننا الشللية والحزبية حتى لا نكاد نرى النصوص إلا بمنظار القربى ومدى الترابط بيننا ؟
في حين أن الكاتب يبحث عما يستهوي القارئ من مواضيع، خاصة ما يتعلق منها “بنوعية الأسلوب” وبواسطته يتم التجاوب والتناغم بين الطرفين.
ولكن القارئ يقف مجرد عابر لشاطئ عزفت فيه أوتار الكلمات ،ثم تجاوزها بصمت لمرفأ آخر …
أو يتمكن من نقده ذلك النص ،ولكن خلف الكواليس بحيث لايصل للكاتب من نقده شيء
أفلا نكون قراء حقيقين كما نحن كتابا حقيقين ،معشر الأدباء ..؟
لننهض بالأدب العربي الذي بدأ قوياً ونخرجه من قوقعة الصمت واللامبالاة إلى عالم الرأي ، والرأي الآخر –

وطن القلوب ..
* الوطن أغنية يشدو بهـا الصغار والكبار.. يحكيها الأجداد فيتيقنها الأحفاد.. الوطن قصيدة حب خالد وقصة عشق لا ينتهي ..
* الوطن حكايات الجدات وابتهالات الأمهات.. وطن القلوب والعقول.
* الوطن مولد ملحمة المؤسس الكبرى.. ملحمة النصـر والتوحيد.. ملحمة التاريخ والجغرافيا.. ملحمة الوطن ملحمة تتجدد كل عام.
* الوطن على لسان المترعين بعشقه «لست آسفا إنني لا أملك إلا حياة واحدة أضحي بهـا في سبيل الوطن ».
* الوطن حلم المشردين الضائعين الخائفين في كل بقاع الأرض.. الوطن الهوية والأرض والقيمة والقامة، هو الشـرف والعرض والمجتمع بأسره، هو باختصار الحياة.
* الوطن هنـا استثنائيا متمايزاً عن غيره يسمو بقدسيته إنسانا ومكانا.. مكوناته العظيمة التي قادته لأعلى مراتب التقدم والحضارة قيادة وشعبا !
* الوطن هنـا المملكة العربية السعودية.. مهبط الوحي الأمين ومهد الرسالات وقبلة الأرض ودعوة الخليل والبلد الأمين.. حيث كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
* الوطن قيادة حكيمة وقرارات صائبة وثقة كبيـرة تعبر بهـا كل العقبات والأزمات، وتبقى مملكتنا شامخة أبية حـرة تخطو نحو المجـد الذي تعرفه ويعرفها .
* الوطن شعب عميق الجذور أصيل في عاداته وتقاليده وحبه ووفائه وولائه لقيادته وحكومته، فكان في الموعـد ولم تنجح حملات التسفيه والتغرير والتجييش فالوطن أغلى ما في الوجود.
* الوطن خط أحمـر يرفض كل العابثين اللاهثين الحاسدين الناغمين والذين حاولوا دهورا ولم يستفيقوا من أحلامهم وأمنياتهم السرابية !
هؤلاء الغوغائيون الذين لم يعوا بأن أصوات النشاز تمنحنـا الكثيـر من الوطنية الخضراء التي تتسع في قلوبنـا بمساحات هذا الوطن الكبيـر.. تمنحنـا مواعيد ودواوين وروايات أخرى مع الوطن.. كل المنعطفات الحاسمة في تاريخ وطننا نكسب فيهـا الرهان وينتصر الوطن وترفرف رايتنا خفاقة :
وارفعي الخفاق أخضر
يحمل النور المسطر
رددي الله أكبر يا موطني
موطني عشت فخـر المسلمين
عاش المليك للعلم والوطن
* بقي الوطن عصيا على الفتن والمؤشرات والدسائس، وتحول المشهد أمامنا ليوم وطني قبل أن يبدأ، فرددت أبيات البدر في ليلة كان الوطن فيهـا بدرا في سماء الحب والولاء والإخلاص :
وإن حكوا فيك حسادك ترى
ما درينا بهرج حسادك أبد
وأنت ما مثلك بهـا الدنيـا بلد
والله ما مثلك بهـا الدنيـا بلد
* الوطن الذي هام فيه فنان العرب محمـد عبده عاليا حين صدح :
فوق هام السحب وإن كنت ثرى
وهو الحب الذي استفهم فيه صوت الأرض طلال مداح متعجباً
: وهل أحب سواه؟!
ومضة وطن :
يقول شاعـر الحـزم علي حمد طاهري
في قصيدته الخالدة «زعيم الأمة»:
لله يا ملك الزعامة إن في
قلبي إليك محبة وولاء
حبي لأنك قلب كل موحد
لله، لا تلهو به الغوغاء

الوجه الحقيقي للمغرب تاريخيا وحضاريا
لطالما كان تاريخ المغرب الأقصى غامضاً بالنسبة لي والسبب يعود لبعده الجغرافي ودور المستشرقين في تزوير التاريخ، والرؤية المتشكلة عنه حديثا في الخليج وخصوصاً السعودية غير واضحة ومبنية على مشاهدات بعضها فيه من الصحة الكثير جراء الآثار التي خلفها الاستعمار ويجري محاولات لاجتثاثها من أهل البلد الذين يشكرون على غيرتهم الدينية وحميتهم العربية وهذا إن دل فإنما يدل على طيب معدنهم، والبعض الآخر لا يمت للواقع بصلة وفيه اتهام باطل وتجني!
ثم إن ما دفعني للكتابة كلمة كانت على طرف لساني قالها شاب مغاربي توسمت الخير في وجهه من إقليم شفشاون في الشمال المغربي وهي أننا لا نأخذ قوم بجريرة أحدهم، ومن عادتي ألا أتكلم عن موضوع إلا من واقع تجربة معاشة، وهو الأمر الذي يؤلم أن الناس تتلقف الكذبة وتصدقها عن بلد أنجب العظماء ويعتبر مصنع للأبطال عبر التاريخ.
ودونك سيرة زعيم المرابطين في الأندلس يوسف بن تاشفين الذي انتصر على ألفونسو السادس في واقعة الزّلاقة والذي كان يقدر جيش العدو فيها بنحو 60 ألف مقاتل لم يبقى من بينهم إلا 100 مقاتل على رأسهم ألفونسو بساقٍ واحدة، ليعود البطل لمرّاكش بعد أن أنقذ المسلمين.
وهذا أسطورة المغرب الإسلامي الأمير محمد بن عبدالكريم الخطابي من مواليد بلدة أغادير في الريف المغربي، ومما قرأت عنه في عدة مصادر موقفاً يجعلك تعجب من شجاعة هذا الرجل الرافض للاستعمار ، بعدما قتل الإسبان والده الشيخ المجاهد عبدالكريم الخطابي رحمه الله أسروه ووضعوه في أحد السجون على قمة جبل وبطريقة بطولية لا توصف استطاع أن يصنع حبلا من قماش فراشه ليحرر به نفسه من نافذة السجن لكن الحبل لم يكن بالطول الكافي ليصل إلى الأرض فقفز من ارتفاع شاهق على الصخور الصماء لتكسر ساقيه ويغمى عليه ويعاد للسجن، لكنه بعد مدة خرج وكون جيشا من رجال قبائل الريف المغربي مبتكرا أحد فنون القتال العسكري وهو فن “حرب العصابات” أمام المستعمرين والغزاة ، يقول الثائر الشيوعي تشي جيفارا : أيها الأمير … لقد أتيت إلى القاهرة خصيصا لكي أتعلم منك.
ولا ننسى طنجة بلد المستكشف الرحالة والمؤرخ ابن بطوطة الذي ألف كتابه ” تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” .
وكذلك مدينتي فاس المدينة العلمية ومكناس العتيقة والكثير من عادات أهلهما وتقاليدهم الذي ضرب فيهم المثل ” اللي ما شاف فاس ومكناس ما شاف ناس ”
أما في ما يتعلق بحاضر المغرب فقد كتب عميد الرحالين الشيخ محمد بن ناصر العبودي كتابين في الرحلات المغاربية حسبما أعرف وهما : الإشراف على أطراف من المغرب العربي ، العودة إلى المغرب الأقصى بين الصحراء والأرض الخضراء.
ومن خلال مشاهداته فهو يحمل ذائقة راقية تجدها في وصفه للطبيعة أو السياحة عموما وحول الفن المعماري وحتى في الطعام بالشكل التفصيلي.
والمغرب تاريخيا وحضاريا له سجل حافل في التصدي للعواصف الفكرية وعصي على الاختراق لذا من يريد إقحام المصطلحات الفرنسية ومسخ الهوية المغربية بشقيها العربي والأمازيغي فهو واهم ، فلها وجودها الكامن على الأرض يؤكده السعي لرأب الصدع.
والرائي للهجة الدارجة عند المغاربة يجد أنها بفعل تصحيف الألفاظ مالت قليلا عن أصلها وقد يكون بسبب سرعة التلفظ والنطق، والأمثلة على المفردات كثيرة منها :
«جوج» بمعنى زوج حيث جعلوا الزاي جيما.
«الطاقة» بمعنى النافذة والطاقة عربية فصيحة.
«الهدر أو الهدرة» ويريدون به الهذر أو الهذرة وهو الذي يتكلم كثيرا وهي أيضا عربية فصيحة.
«الدَراريّ أو الدريَّات» دون الذال المعجمة ويقصدون به الذَراريّ أو الذريَّات وهو جمع للولد ونسل الإنسان.
«عسّاس» بمعنى كثير الطواف ليلا ويقال له الحارس.
ونشترك معهم في اللهجة العاميّة مثال: بزبوز ، خامج ، خاثر ، تكرفس…
والسبب الثاني الألفاظ المستقاة من العديد من اللغات الأجنبية، وليعلم الذي مكن الأقلام التي تعتمد الفرنسية أصلا والعربية فرعا في محاولة فاسدة للانصهار في ثقافة الآخر أن النخب المثقفة الواعية -وإن سُدت في وجهها الطرق- فهي تحارب باستخدام البديل العربي إيقاناً منها بأن اللغة رمز الهوية وعنوان وحدتها، والمجد كل المجد لمن يدافع عنها

حطامُ أسئلة
عُذْرًا سَأَلْتُ وَلَمْ أَجَدْ
لِحُطَامِ أَسْئِلَتِي جَوَابْ
كَانَتْ ثَوَانِيهَا غيابْ
وَاِنْسَلَّتْ الأَشْيَاءُ
رَاحِلَةً عَنْ عَالَمِي
وَتَحَطَّمَتْ مِنْ بَيْنَ
أَشْرِعَتَي عَذَابْ !
كانتْ أمانِينَا سَحَابْ
وتحوَّلَتْ أَصْقَاعُ
ترْتَشِفُ السَّرَابْ
عُذِرا سأَلَتُ
وَلَيْتَ أَنَّي مَا سَأَلْتْ
غَابَتْ هُنَاكَ
وَلَمْ تَعُدْ لِلأُغْنِيَّاتِ
فاتناتٌ تُمْلأ
الدُّنْيَا شَبَابْ
مَاتَتْ جَمِيعُ مَرافئي
وَتَحَوَّلَتْ أهزوجتي
أَشْبَاح تَسْكُنُ
أَزْمِنَةَ الخَرَاب ِ!!

محايل التي رأيتها ..
مع طلق الظهيرة الخرساء وقد انتفخ النهار انطلقت مع عملاقي القيادة والإبداع شمعة القصة الواقعية الدكتور محمد منصور الربيعي والوهج القصصي الأستاذ فايع آل مشيرة عسيري يحملانني ويرشدانني ويهديانني الطريق , كلنا نجوز إلى محايل الشماء , كنت مستنداً إلى النافذة مبحراً في عوالم شتى , يسوقنا شوق وتوق وشغف ونشوة اللقاء وظمأ اللهفان , قد سلكنا عقبات عصية ملتوية تتنهد كأنها تُنفس بعض أكدارها , تزاحمنا جبال شاهقة شامخة غاضبة جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود , نطارد سرابها بقيعته نحسبه ماءً , بدأت عاطفتي تغلي وقلبي يتنفس معها كأنه قطعة صغرى منها …
وعلى مدخلها العبق تعانقت صورة الجمال الأرضي مع صورة الجمال الكوني , افترت بثغرها الباسم وفمها الوردي , تحيينا بتحية السلام , سلام الدنيا كله الذي حلّ في كل أرجائها .
محايل الحسناء نهارها على ما تشاؤه يطلع بالصباح عليها ربيعاً وينقلب في الظهيرة شتاء ويحول في الصيف خريفاً ويرجع في العشية صيفاً , قد تعلقت شمسها بغيوم سحبها .
أشجارها الناضرة الممتلئة بالأوراق يصفق بعضها لبعض وكأنها مكتبة يتصفحها الهواء قد لمحت عيوننا واحة غناء خميلة يانعة ملهمة استوقفتنا ذرتها الباسقة وسنابلها اليافعة لنلتقط صورة لنا معها لا تفارق خيالنا أبدا , حينئذ هدهد النسيم أعطافنا , وعزفت شقشقة العصافير سيمفونيتها العذبة موسيقا الترحاب بنا في تمازج مع الطبيعة لا يوصف .
وقفت على وادها المديد تيّه , واد يتدافع الماء في مسيله وينعطف ويتمعج ينساب بالحياة , ترك الماء على عطفيه خضرة ونضرة وبرداً وسلاماً .
فيما كان الشفق ينثر حمرته الشفافة الشاعرية على مدارج السماء وقفت عند جبلها هادا فكان وقوراً أرعن طماح الذؤابة باذخاً قد طاول أعنان السماء بغارب , وسد مهب الريح عن كل وجهة , تدثرت قممه بالبشام , واتشحت سفوحه بسمرة تزداد كلما دنت من الأرض , أصخت إليه فحدثني ليل السرى بالعجائب …
وغابت الشمس عن كبد السماء وبقي لفحة من حرّها ومن حرّ أنفاس الذين تشرق عليهم , وأقبلت الطيور ملائكة الطبيعة على المناغاة , وأقبل العشاق ملائكة الناس على الفكر والنجوى , وأقبل الشعراء من وراء أولئك ينظمون الإبداع فامتزجت ألحان الملائكة بأنغام الطيور وآهات العشاق فكانت محايل مسكرة للعاشقين ومستهام المبدعين .
مرت النسمات بليلة كأنها قطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة , ولبس الكون تاجه العظيم فأشرق عليه القمر الزاهي الرفاف كأنه اغتسل وخرج من البحر .
وتتبعنا الجمال المنظور فتبدت لنا محايل الهيفاء قد أتم خالقها جمالها فكانت فتنة إذا نظرت إليك نظرتها الفاترة فإنما تقول لقلبك إذا لم تأت إليّ فأنا آتية إليك .
تشعر أن في دمها شيئاً لا يوصف ولا يسمى ولكنه يجذب ويفتن حتى ليظنها كل من حادثها أنها تحبه وما بها إلا أنها تفتنه .
تأخذك أخذ السحر لأن عطر قلبها ينفذ إلى قلبك من الهواء فإذا تنفست أمامها فقد عشقتها , تراها ساكنة وادعة أمام عينيك ولكن قلبي يشعر أنها تهتز فيه وتضطرب فلا يزال قلقاً نافراً يتململ فلا براءة لك منها ولا مخرج لك من حبها قد ملأت قلبي حباً وعشقاً يكاد يملأ سماء عقب سماء ويغوص في أرض تلو أرض ….
ولاحت لي الحيَلة فلامس روحي روحها كأنها ألفاظ حب رقيقة , والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء , كأنها قطعة من سماء الليل فيها دارة القمر المطل من عليائه قد أنار محايل كلها وهادها ونجادها وسهلها ووعرها وعامرها وغامرها وحاضرها وباديها , وفيها نثرة من النجوم الزهر المتبعثرة , وهناك ربوتان من أفانين الزهر المختلفة ألوانه يحملها خمل من ناعم النسيج الأخضر على غصونه اللدن تتهافت من رقتها ونعومتها .
تدلت عليها قلائد المصابيح كأنها لؤلؤ تخلّق في السماء لا في البحر فجاء من النور لا من الدرّ .
سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي *** يسحّ ويستمري السماكين بالوبل
ثم فئنا إلى مجلس السلام بأرض الريش ضيوفاً على أسرة آل الزين بيض الوجوه كريمة الأحساب زكية الأرواح نبيلة الأخلاق أطل علينا كالغيث في مهامة البيداء العطشى شيخيها عالي النسب أبو طالب مرحبا متهللاً , وتراءى لنا قصر منيف عليه النخل مشتمل , قد مُزجوا بحلاوة الإيمان الفطري , وتغذت قلوبهم الوضيئة بنور السماء فلا تبرح ناضرة ما بقيت في السماء لمعة نور كأنهم أرواح النهار ضياء , نشروا على خيوط القمر ليلا من ليالي الجمال , كأنهم السعادة المقبلة , قد ارتوت نفوسنا من حديثهم , وخلقوا فينا الحب والخير , فتهيأ لهم في القلوب مودة وقبولاً , وكان قراهم لنا حديثاً سرت به الركبان وتعاقبت عليه الألحان ….
ومع هزيع الليل ودعنا محايل ودموعنا تسكب أشجانها لله أنت يا محايل ولله جمالك الفتان , محايل ميراث الإنسانية وهدية التاريخ , وراية السلام الإلهية البيضاء , والساحل الذي تقف عنده أفواج الألفاظ والمعاني الإبداعية .
أصبحت يا محايل أغنية عذبة في فم الشاعر ينشدها وهو بين ظهرانيها , وأنشودة ساحرة على لسانه يرددها وهو مغترب عنها .
حنانيك يا محايل سترفرف الأحلام العذبة في سمائك , وستشدو بأعذب الألحان بلابلاك , وستزهر بالمنى حلو السنابل , ولسوف تنساب في رياضك أعذب الجداول …
النار بالنار لا تُطفأ إذا اتصلت ***
فكيف أصنع في قلبي لينساك ؟؟؟؟