- 15/01/2023 casualarticlesandblogsonline
- 26/12/2022 How to make a scary Halloween charcuterie board?
- 24/12/2022 كلية العلوم الإنسانية ونادي أبها الأدبي يحتفيان باليوم العالمي للغة العربية
- 12/12/2022 webblogsa
صهيل الريح [ 145 ]

ملحمة الوطن ..
مثلما يحمل العاشق شجونه وذكرياته التي عاشها والتي لم يعشها إلا في ذاكرة شيخ القرية الكهل والتي كانت تحكي ملحمة التوحيد الكبرى بعد الخوف والجهل والفقر والتناحـر قبل ثمان وثمانين عاماً وحسب إلى هذا الكيان الشامخ الذي قيّض الله له الملك عبد العزيز آل سعود فكانت مملكة النماء والعطاء مملكة الإنسانية مملكة السيادة والقرار ..
ومازال صوت الكهل مطرقاً بخياله وحلمه نحو البعيد البعيد يسلك دروب أجداده من مدينة لمدينة .. من قرية لقرية .. من هجرة لهجرة .. امتطى ذاكرة الماضين القادمين من التاريخ .. الموغلين في جغرافية الوجوه السمـراء .. خطوط الطول والعرض تكاد ترسم خارطة الوطن ولم تمسسها أقلام ؟!
حكاياتهم بطولاتهم لا تنفك تذكـر ملحمة الوطن الخالد والتي أخذت من ملامحهم ثمن الحياة والحريّة .. ثمن البقاء والإباء .. ثمن كانت قيمته وطناً عظيماً اسمه المملكـة العربية السعـودية بإمتداد مساحاته البيضاء والخضراء في قلوبنا وفي كل الأفئدة التي تهوي إليه ودعوة الخليل !
هناك ياوطني والزمان يطلق أغنياته ليطبع على وجهك قبلة الحب القديم الجديد وطن كتب النصـر على كل تفاصيله خطوة خطوة حتى بات هذا الوطن علامة فارقة على خارطة العالم .. فلا تكاد تذكـر السعودية إلا ويذكـر تاريخ طويل من السياسة الحكيمة والسير نحو العالم الأول ..!
وتراءى هناك وجه وطني الجميل رمز كفاح وذكريات دفينة .. تضحية وفداء .. أرواح ودماء .. قدسية مكان وطهارة إنسان وطن يولد كل عام في قلوبنا ويزداد جمالاً كلما أعدنا رواية النصـر العظيم ..!!
وتوغلت في ملامحه العظيمة اقرأ ما أودع التاريخ .. في زوايا بيت من الطين مازالت حكاية مؤسس عظيم عبر من هنا مازال صوته
يقفز لآذاني :
الملك لله ثم لعبد العزيز ..
الملك لله ثم لعبد العزيز ..
الملك لله ثم لعبد العزيز ..
إذا فاحت به الذكرى عطراً، وهاجت به ورداً ..
ورفعنا رايته خفاقة سارعي للمجد والعلياء ..
عاش المليك للعلم والوطن ..
عذراً وطني فكل الحروف اللاهثة خلفك تتقزم أمامك .. ولتعذرنا إن قصّرنا في كتابة سطـر لم يليق بك لأنك بإختصار كل الحياة .
ومضة وطن :
يقول الأديب مسفـر العدواني :
سنسمو كما نخلةٍ في جبينِ الوطن ..
كما رايةٍ – تحملُ المجدَ – خفاقةٍ للوطن
كما قادةٍ يعشقون الوطن ..
سنسمو بهذا الوطن
سنسمو لهذا الوطن
–

( هل أتعلم عن بعد.. ؟)
منذ الأزل، اقتضى التعليم الحضور المباشر في الموقف التعليمي، وكان ركنا هذا الموقف هما المعلم والمتعلم، وعبر الحضارات الإنسانية على مر العصور تغيرت أساليب وأدوات و أنماط التعلم مع تقدم و نضج البشرية لكن ظلت العملية التعليمية السائدة في كل زمن و مكان هي التي تتضمن مكانا يتم فيه التعليم بشكل مباشر سواء كان هذا المكان معبدا أو كنيسة أو مسجدا أو مدرسة أو ساحة أو جامعة أو أي مؤسسة مماثلة.
وفي هذا العصر الذي انفجرت فيه التقنية إلى درجة تحير الألباب و تدهش النفوس وصارت الدنيا جادة كونية وليست حتى قرية، فالأرض عبارة عن وحدة واحدة متصلة من التشابك و الاتصال بشكل ألغى كل الحدود و المسافات.
وخلال طوفان الكورونا القائم اضطرت الوزارات التعليمية اللجوء إلى أنظمة تجري فيها العمليات التعليمية كلها ضمن نظام الانترنت ويبقى كل في أريكته و يشرح و الآخر يتعلم بلا انتقال مكاني و لا مواجهة مباشرة.
وبمعطيات كثيرة و معايير عديدة نجحت هذه الآلية بشكل إيجابي وبجهود جبارة في القيام بهذا العمل الضخم سواء في الجامعات أو المدارس و المعاهد، و بالرغم من هذا النجاح فقد رصدت عديد من نقاط الضعف و القصور في بعض أجزاء المهام في كل مكان من العالم.
لفت نظري مؤخرا خبر وصلني عبر تطبيق في وسائل التواصل حول بلوغ الرائعين أحفاد العلامة الجليل الشيخ الطنطاوي درجات عالية في التعليم و حصلوا على وظائف بشكل عادي مع كون دراستهم كانت عن بعد طوال حياتهم و لم يلتحقوا بمدرسة نظامية واقعية أبدا.
شرحوا ووالدتهم الكريمة تميز التعليم عن بعد و خلوه من نقائص التعليم العادي و بأنه يوفر وقتا وجهدا و إبداعا و تفرغا و إقصاء للسلبيات كأصدقاء السوء مثلا.
و الحقيقة المسألة ذات أوجه إيجابية كبيرة و لاشك، لكن في الحقيقة تجربتهم في التعليم المنزلي لايمكن تعميمها لأسباب كثيرة و متشعبة.
أولها أن الطفل بل و المراهق والشاب بحاجة إلى التماس الاجتماعي لنمو شخصيته مع الأقران،
ناهيك عن أنه ليست كل عائلة مؤهلة لتوفير بديل تعليمي فعال.
كما أن التقوقع بالدار قد يحدث فسادا و أضرارا أسوأ من المدرسة الواقعية و ما فيها.
التجربة بديعة لكن التعليم المنزلي لايكفي و لا يجزئ في العلوم التطبيقية مثلا و الصحية و الهندسية، و حتى العلوم الإنسانية تحتاج إلى حلقات عمل تعاوني أحيانا و إلى تطبيقات تستدعي المباشرة وواقعية المكان والزمان.
والإنسان كائن اجتماعي بطبعه والمراحل التعليمية قبل الوظيفة تقتطع من عمر الفرد ثلث حياته تقريبا وهي الفترة الأهم في تشكيل الشخصية و مميزاتها فإن كان الشاب أو الشابة سيقضيان هذه الفترات الحرجة من طفولة إلى عنت المراهقة وبداية التحول إلى مرحلة الشباب في قوقعة البيت و محارة العائلة لكانت النتائج فيها من السلبية مافيها من انحرافات نفسية و أمراض الفصام و عدم الثقة بالذات و فرط الأنانية والرهاب الاجتماعي وعدم القدرة على التكيف والاختلاط.
ناهيك عن انعدام فرص التلاقح الفكري المباشر بل حتى غياب دفء الأثر من المعلم كأيقونة و نموذج يحتذى، فهنا غابت القدوة و ضاع تأثيرها القيمي و النفسي والعاطفي أيضا.
كم من مرة سمعت فيها من طالبة رغبة و تمني بأن تقابلني بعد محاضرات الاستماع عن بعد ونهاية الفصل، وهذا يدل على أهمية التواصل المباشر إنسانيا.
البشرية لن تفتأ تعمل وفق إطار إنسانيتها، وفي رأيي العقل ليس الأداة الوحيدة للتعلم و الاستفادة، بل هناك الوجدان و القلب و الجوارح و النفس، كل تلك تسجل خبرات ومعلومات و منافع لا خلاف عليها.
الانخراط في دنى العالم الافتراضي لايعني تعطيل التعلم المباشر و لانسيان الحاجة لذلك.
وهناك آراء حالية تناقش تحويل ورقمنة بعض المواد العامة والنظرية في جامعاتنا باعتبارها موادا نظرية لاتستدعي الحضور المباشر، ومن منبري هذا أحث وبشدة على الإبقاء على أهمية التفاعل الواقعي و مردود ذلك على الإنسان نفسيا و ذهنيا وعلميا وثقافيا ودينيا وقيميا ، والأخيرتان هما الأكثر حظا و الأوفر نصيبا في حال التعلم المباشر، وهذا يحقق الهدف الأهم من التعلم و التعليم وهو التغير نحو الأفضل والنهوض بالأمة.
نشهد طفرة نوعية في مجال تعليمنا و لله الحمد لذا نسأل الله مزيدا من رشد وفلاح في مؤسساتنا وسياستنا التعليمية.

غياب الإنصاف!
من المعاني العزيزة التي يستمد منها المرء قوته وطمأنينته، ويجد فيها الدافعية للاستمرار؛ حين يرى الإنصاف والعدل قائماً بين الناس. هذا الثبات على الحق ونزع الهوى من النفس، ومغالبة الميل منزلة رفيعة. جاء في الأثر عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان وذكر منها الإنصاف من نفسك…». أن تعمد إلى إنصاف الناس لابد وأن تنصف نفسك أولاً، أن تعامل غيرك بما تراه صواباً، وتمده بذات الصورة والأثر التي ترتضيها لنفسك!
الشيخ محمود شاكر المصري العلامة المحقق لما صحح له مستشرق يهودي خطأ في تعليقه على كتاب طبقات فحول الشعراء قال عنه: «…فدلَّني على الصواب الذي ذكرتُه آنفًا، فمن أمانة العِلم أذكرُه شاكِرًا كارهًا لهذا الذِّكْر».
أن تكره حق معروف، ألا ترى للمكروه أي حسنة مطلقاً مع مصادرة حقه في الإبانة؛ لأنك أخضعته لنموذج في ذهنك، فهذا من غياب الإنصاف والله المستعان.
تراكم المشاعر السيئة والتنفيس عنها بالبغض، والسعي الحثيث لتصيد الأخطاء؛ ليس مبرراً لمصادرة الحقوق دون النظر في صحتها أو عدمها، وإنما تلغى بالكلية نتيجة للرفض التام عن كل ما يصدر منه. وتقديم الانتقاد عند عرض الحقائق لغرض إضعافها بسبب؛ العاطفة المحركة لا الموضوعية، والبحث الجاد في إعطاء كل ذي حق حقه! ومتى ما كان الاحتكام إلى العاطفة عند النزاع مؤذياً وله تبعات خطرة، فمن الأولى التجرد وإخلاص القلب؛ وهذا مطلب نادر عند من يُحَكِّم مزاجه وحالته الشعورية.
من الجدال الذي يقبح ويشين النفوس، ويصرفها عن كثير من مواطن الجمال؛ غياب الإنصاف، وطغيان النقد المذموم، الذي يراد به التشفي وإعلان انتصار النفس.
وليس ثمة شك عند غياب الإنصاف أن تتشكل التحيزات الممقوتة بجانب هذا كله وتحفز على حجب النتائج بحيث تُظهر ما يوافق توقعاتك، وما يدعم نظرياتك، أو حتى قناعاتك والتركيز عليها، كالإيغال في سرد تفاصيل حادثة أو موقف؛ حول فرد بين مجموعة أفراد -لأنك عرفت مجمل أمره- فتتعاطف معه تلقائياً، دون أن تعير اهتماماً لغيره في ذات الموقف!
وبالتالي تصورك تفرع عن تحيز مسبق، وبنيت عليه حكمك الجائر! نعم؛ عندما يغيب الإنصاف تُهضم المحاسن، ولن تنجو من جور الأحكام، وتبعية الهوى ورغبة النفس! والمتأمل يجد أن الإنصاف لصيق بالصدق، وسلامة التصور، والنضج العقلي إذ أن أثر ذلك ينطبع في القول والفعل.
اللهم اجعلنا من عبادك المنصفين؛ ممن يردون الحق إلى أهله، وأدبنا بالإنصاف والتجرد، وزيّنه في عيوننا، وأبعد عنا الجهل والعناد والتعصب؛ إنك على كل شيء قدير. .

العلاقات الأدبية المتحضرة
–
في الحياة تجتمع الأرواح كأنامل مزهرة؛ لتشكل شبكة من العلاقات المختلفة ، تقوم على الود والتعاون والقيم الأخلاقية والاجتماعية والثوابت التي يقوم عليها المجتمع الإنساني …
وفي محيطنا الأدبي، انسابت النصوص الأدبية على جيد الصفحات، والورق، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ مما جمع أصحاب الحروف ليكوّنوا مجتمعاً أدبياً راقياً، يقوم على التوجيه، والتحفيز، والتدقيق، والتشجيع كذلك؛ ليكون الحديث الذي يجمعهم هو الحديث الأدبي بكل سماواته؛
مما ساعد على قوة العلاقات البارة؛ وذلك من خلال برامج التواصل الفيس بوك، الواتس آب، تويتر …
كذلك الأمسيات والندوات الأدبية التي تقيمها الملتقيات، والنوادي الأدبية والصوالين الافتراضية؛ أنتجت بيئة أدبية وحراكًا ثقافيًا فاعلًا يشارك فيه الأدباء والشعراء والمثقفون والفنانون على مستوى العالم العربي ولاشك أن هذا الحراك والمناخ الثقافي أسهم في التعارف بين الأدباء والمثقفين وتبادل الخبرات وبناء جيل من التواصل من خلال علاقة أدبية منتجة تقوم على الاحترام المتبادل واحترام الرأي والرأي الآخر وتهدف إلى تلاقح الأفكار والتجارب الأدبية العربية في سبيل تطوير خطابنا الأدبي العام بمختلف ألوانه وأخذ موقعنا المناسب على مستوى الأدب العالمي –
ومما لاشك فيه إن مرحلة كورونا رغم مافرضته من عزلة إلا أنها أسهمت في
انتشار اللقاءت الأدبية الافتراضية التي جمعت المبدعين والنقاد والأكاديميين من المحيط إلى الخليج الأمر الذي أسهم في إثراء الفعل الإبداعي والثقافي العربي
العام وبنى علاقات ايجابية منتجة بين الأدباء بمختلف ميولهم وتوجهاتهم وبين
النقاد والمتابعين .
ويمكن القول إن العلاقة الأدبية الايجابية
قد أسهمت في ردم الفجوات التي كانت تعيق حركة التكامل والتلاقح بين أجناس الأدب دون تفريق أو تغليب فنرى القصيدة الجديدة تأخذ مكانها إلى
جنب شقيقتها الموزونة المقفاة والنثر يوازي الشعر ولم يعد مصطلح القصيدة ،
والقصة ، والومضة يثير الجدل أو يؤدي إلى القطيعة والخلاف .
كما بات النقد الأدبي جزءًا من الحركة الثقافية العامة لايثير الحساسيات
بقدر ما يسهم في نضج التجارب .

عامر عسكـر .. إخضرار الخطوة !
يصدح عالياً فتهتـز الذكريات شجناً ، وتهيم الكلمات عشقاً وتتساقط الألحان قصائداً تأخذ من سحنة الروح بوحاً فتملأ به جسد السمرة التهامية الفاتنة ؛ غناءً فاخـراً يلقيه على وجه السامرين المعتصبين بطلائل البرك والشذاب ، وفتل الأصوات المتدلية و الصاعدة نحو حنجرة هذا الفنان الكبيـر والتي تتسابق عليه الألحان طواعيةً في زحام المحبين ؛ كي يمنحها وحي القداسات الفنية الموغلة في عشق التهايم للسروات ، وفي ذات اللحظة المسكونة بالجن والمخطوفة بالأنس تهيم الخطوة توليشة مشبّعة بالإخضرار الأنيق وتتعالى أصوات العابرين الخائفين ؛ بحثاً عن لحن يحيكه الفنان عامـر عسكـر ، ويعبر كل الحدود التهامية خطوة تحنو لكل الخطوات التي تعانق أرواح العاشقين وتغازله نشوة الخطوة الغاوية ؛ كي تدعوه لطاولة يقارع فيها قمار التحدي ، وكؤوس النادل وشارحة الكف ، وكاشفة الفنجال ؛ولاعب النرد ؛ يقيناً بأنه رأى مارد الشعر الكبيـر ، وشياطين الشعر تتلاقفه .. يجلد ظهر قرينه بسواط اللحن فيبوح بخطوة عامرة بالعشق .. عسكرية جاذبية بالموسيقى ، واسألوا كل العازفين الذين اقترفوا خطيئة الموسيقى التائبة ، وتصطف الأقدام والقلوب ويزهـر الإخضرار ثانية في دموع تهامة ، ويبوح ابن عسكـر بطرقة شعبية باذخة قد لا يقرأ تفاصيلها إلا من أصيب بداء العشق مثله .. تاركاً أهل الخطوة في حيرتهم ودهشتهم ، وتقصي خطاه المتعبة .. !!
هو الخطوة الحداثية في الموروث العسيري تحديداً ، والتي تمردت على كل موازين فنون الخطوة القديمة فأحدثت حراكاً فنياً راقياً اطربت كل من سمعه ، وشهدت له بالجدّة والإبتكـار وصدارة فن الخطوة ..!
هو العامـرٌ فناً، والثائر روحاً وفكـراً على حالة الإنكفاء التي أرادت وأد الحياة الجميلة النقية وأوشكت أن تصادرها للأبد لولا أنه كان الإنعتاق الفني الذي منحنا التجديد الذي لم نستوعبه للحظة !
كلما ناوش قلبه وذاكرته لحناً عصياً من عصبة ألحانه الجمّة أيقض تهامة من سباتها وأعاد فيها لحن الحياة وفتنة اللقاء الأول المخضّب بالحب والعناق .. ابتساماته الشاعرية تمنح ” مايسترو ” الأمسية الملونة مرونة الأوتار .. يكاد يوحَّد أطياف السمرة التهامية ، ويجذب فيها السامرين الباحثين عن قلوبهم الخضـراء .. هو الإيغال في خيوط الرياحين الممتدة بإمتداد جبال السروات وأودية تهامة وسواحلها .. فحنجـرة هذا العامر تبدو أكثر طرباً وفرحاً ونشوة ” بسم ربي عليه ” كما يرتّلها مفتوناً مثلي بهذا الصوت الطربي الخالد في قلوب محبيه وإن انكر عليه قادحوه ومجايلوه !
وفي صوته وحي الأقدام القادمة من السماء لحظة ميلاد لحن القصيدة البكـر ، وفي عمق الخطوة العسيرية ينازع قلبه جسده فيحدث تناغماً فنياً يسترق السمع في حضرة شهاب المعاني المضيئة .. هو إستعارات الغزل والكحل من عيون الحسناوات وكفوف الحناء وطرق الغانيات .. هو وقود الحب الذي لا يهرم ، والمقالم التي يداعبها صفيـر الرعيان .. هو صدى الزيـر وإيقاع الزلفة ، وبكاء العود ، ومواويل الجدات المتوشح ثوب الخطوة العسيرية المولودة في حداثية اللحن المنسكب في وريد الموروث الأصيل وإن مضت به السنوات وغيّبه الوجد والفصول ؟!
هو المعادلة الفنية الباذخة التي أوجدت نوتة موسيقية مغايرة للمألوف فكانت عقد الوصل بين بلاد السرو والتهم ؛ لأنه بإختصار مجازات الحقيقة وكنايات الأزمنة المختلفة في تورية ضحى الأمكنة المتجانسة .
ومضة :
الفنان الكبيـر عامر عسكـر حداثية الخطوة العسيـرية ، والإستثناء الفني الفاخـر في زمن التشابه والإقتران .

الشذرة مميزات وخصائص
عندمانتحدث عن الشذرة فإننا نخوض في نص مختزل ولقطة عميقة حكيمه وقبل هذا يجب أن
نعرف الشذرة
1الشذة في اللغة من الجذر ( شذر) صغار قطع المعدن وغالبا ماتطلق على على شذرات الذهب .ويقال( ذهبت غنمك شذرا مذرا) أي تفرقت ومن التعريف يمكن أن نأخذ مايلي.
-الشذرة جزء من موضوع وقضية كبرى تختزل بعبارة قليلة
– الشذرة عبارة نفيسة باعتبارها تشبه بالذهب
-الشذرات عبارات متفرقة في كل مجالات الحياة
أما الشذرة بالمفهوم الأدبي هي:عبارة موجزة بليغة ليست بالخاطرة وليست بالومضة وتقترب من الحكمة تتميز بالتكثيف والإدهاش والعمق والترابط في البناء وقدتناقش قضية كبرى أوظاهرة أوقضية ذاتية وهما إنسانيا.
والشذرة متناثرة في في التراث العربي والإسلامي فجوامع كلم الرسول صلى عليه وسلم شذرات بوصف دلالاتها لاتحصر ولاتنتهي
(إن من البيان لسحرا) ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأحيه مايحبه لنفسه)
فالحديثان اختزلا قضيتين هما :
-قضية تأثير اللغة في المتلقي على مستوى الحق والباطل وعلاقة الآنسان والحياة بذلك بذلك التأثير العميق والمستمر وكان الحديث بكلمات.
– قضية الحب العام والخاص وصراع الذات مابين العطاء بالحب واالشح به حتى تحول الى محدد للإيمان والذي يصور مصداقية الإنسان مع الله ومعتقده ومع ذاته
وكذلك جاء الشذرات في أقوال الخلفاء وفي أقوال العرب فعثمان بن عفان رضي عنه، يقول( لو أن قلوبنا طهرت ماشبعنا من كلام ربنا) وهذا القول يناقش قضية طهارة القلوب وعلاقتها بالله من خلال القرآن الكريم وهذه قضية مرافقة لتفاوت المستويات الإنسانية الإسلامية في تلك
العلاقة.
ومن أقوال العرب التي يمكن اعتبارها شذرات ( الوهم نصف الداء) هذه شذرة من حيث البناء وحكمة من حيث مخاطبة العقل وتناقش قضية الثقة بالنفس وعجزها عن ذلك
واستمرت الشذرات متناثرة في صفحات التراث في كل المستويات والمجالات ولكنها لم تدرس بشكل مستقل أوتجمع في كتب
وفي عصرنا الجديث بدأ الأدباء يلتفتون لهذا الجنس وحاولوا أن يجدوا له مسمى الشذرة لعمق وقوة هذا الجنس الأدبي ومع التلاقح الحضاري والاتصال بالثقافة الغربية وتطور اللغة والاتصال التقني كان النص مناسبا لهذه الميزات. ولعل جبران خليل جبران كان الصوت المكثف من خلال كتبه وأقواله.
ومن أقواله( الحق يحتاج لرجلين. رجل يقوله ورجل يفهمه) وبهذا القول الشذرة يناقش جبران قضية من خلال القدرة على قوله والقدرة على استيعابه وإن الإختلال لموازين الحق يتمثل في القدرة على المجاهرة به والصدر الرحب الذي يتقبله وهما الركنان اللذان يستقيم الحق.
والشذرات أنواع
– ساسية كمثل قول نابليون( الحكومة التي يحميها أجانب )
-وقال مارك توين( لقد من الله علينا في هذا البلد حرية التعبير وحرية التفكير والمقدرة على عدم تطبيق أي منهما)
-عاطفية ( بسبب الفقر العاطفي في مجتمعاتنا الأغلبية يشعرون أن أي معاملة لطف هي حب)
شذرات فلسفية كمثل شذرة غاادة السمان(لإننا نتقن الصمت ..حملونا وزر النوايا.)
وقالت:( أكره اأخلاق المنشار الذي لايحقق ذاته ألا وهو يقص الآخر .)
شذرات إجتماعية كمثل(مجتمعنا منشغل بالخوف من العين أكثر من انشغاله بعمل شئ يستحق أن يحسد عليه)
ومنها الاقتصادي والتربوي وغيره ولكن مماسبق،يمكن القول:
– الشذرة لقطة لقضية تهم الإنسان والمجتمع والناس،.
الشذرة تختزل موضوع كبير بعبارة مدهشة
– كثيفة بلا أسهاب ولاتطويل
– مدهشة النهاية ممايحعلها قريبة من الحكمة
– ساخرة حيث نستهجن فعلا ما وقضية باسلوب لاذع
-عميقة فتؤثر في كل من يسعمها.
مترابطة البناء ومزكرة المضمون،
-تخاطب الفكر والعاطفة بينما الحكمة تخاطب العقل،
سريعة من تكثيف عباراتها.
واذا كانت ليست خاطرة فالخاطرة لغتها شعرية محضة والخاطرة يسيطر عليها ضمير المتكلم وتنتهي بإدهاش فتقترب من القصة القصيرة جدا.
ولها كل مميزات الشذرة
أما الومضة فطرفان متناقضان مدهشان والومضة نص سردي قصصي وليس نثري كالخاطرة والشذرة
الومضة أكثر عمقا بوصف الميزات والخصائص فيها هي نفس خصائص القصة القصيرة جدا.

مخاوي الليل .. تقوى الهجر ؟
منذ البدء وهو يرسم ملامحه الهادئة على تفاصيل العمر بخلود روائعه الباذخة التي سكنت تفاصيل الأيام والذكريات
والكثير من رسائل المحبين الذين كتبوا قصائدهم خلوداً وتقصَياً خطوات خالد عبد الرحمن الفنيَة فهو الوحيد الذي نجد
أنفسنا في نقاط التقاء ملامحه السمراء وصوته العذب الممتد من القلب للروح شجناً وحنيناً بطول تلك الصحاري القاسية صيفاً
وشتاءً والتي طبعت خالد بمعاناتها ورسمت تضاريسها على سحنته قبل أن تهديه عوداً يعزف عليه كلما لاح وجه حبيبته
في “ آه من ليل التجافي ما أطوله “ ؟ يناجي تلك الأزمنة الراحلة “ في غربتي “ ؛ لتبوح تلك الغربة الروحية بأسرار
شاعرها البدوي “ عشق بدوي “ هذا الأصيل الذي كان يحمل قصائده وألحانه وبندقيته ويتوارى خجلاً خلف
لقب “ مخاوي الليل“ والسؤال الحائر على ملامح العاشقين “ تقوى الهجر” ؟ قبل أن يوقد عيدان الحطب
ويحتسي قهوته ويصدح في وجه الدنيا بأنطلاقته الأولى “ صارحيني “ هي التذكار الحالم في موشَحة “ اذكريني “ هو “ بقايا الجروح “
في قلب المحاكمة غير العادلة “حاكمني“ هو النداء المتشبث بأرواح
المغرمين “يا هاجري” والرجاء الطاهر “ خذ ما تبي “ والتوسل المذنب “ ما اطلبك لي تردين “ .. هو “ فرحة اللقاء “
والانتظار الحلم ساعة الوداع المُـر “ قف وناظر دمعتي “ .. تلك اللحظات المليئة بالآهات “ و” الحزن الأكيد “
في موعد الغياب “ الله أقوى “ هو الشوق الحائر في “ القلب الكبير” والاعتراف التائب قال النوى “ هي تلك القداسة المستفهمة “ وشلون مغليك “ ؟
خالد الانسكاب النفسي الموغل في التجربة العاطفية الصادقة التي دامت لأكثر من عقدين ومازال أبو نايف سيد الخالديات والسامريات والسماعيات
هو صفحة الماضي والصفحة الجديدة ..هو تلك الدفقة الدافئة التي تطرق حوار العيون “ يا غريب عن عيوني من تكون“؟
هو اجتراح ذاك الليل ثانيةً وثالثة وعاشرة.. فهو مخاوي الليل ودلالة اللَقب تنبئنا بـ” عوَد الليل أوقد سراجك “هو “ رفيق الليل في الشباك ناطر “
والبكاء على أطلال الرحيل باتجاه طريق الجنوب “ شدوا ويمَتهم جنوباً عن الديرة “ هو العطش على شفاه الموارد البعيدة والنداء الشاكي الباكي
وقد نكأ جروح الوقت وصمت الأنفاس “ يا غايبن عني ترى للبطا لوم “ هي تلك التداعيات التي تطرق باب الوجدان والأحاسيس المترفة
فتكون في “ كف الفرح “ أملاً “ عطني وعدك اليوم “ والحب الكبيـر والوجد المترسَم وجه المرايا ورفض السؤال بالسؤال لا تسأليني .. !
هي تلك المفارقات والتناقضات التي جعلتنا نستلهم هذا الخالد شاعراً وملحَناً وفنَاناً وكأنَنا نعيش هذا البعد الإنساني العميق
وهروبه المستمر نحو مساحات البوح وسماوات الروح عبر البوماته الكثيرة والتي شكَلت مرحلة جديدة في المشهد الفني السعودي والخليجي والعربي..
رغم تأثَره بالفنانين الكبار بشير حمد شنَان وسلامة العبدالله وحمد الطيَار وسليمان الملا إلا أن خــالد عبد الرحمن سلك سبيلاً فنيَاً متمايزاً ومغايراً ومختلفاً عن سابقيه ومجايليه..
خالد المتمرد على مدرستي طلال مدَاح ومحمد عبده نحو مدرسة خالدية خاصة، لها دلالاتها وإيحاءاتها وتأثيراتها النفسية والزمانية والمكانية ..
مدرسة فنيَة ذات جماهيرية طاغية وابعاد فنية راقية ورسالات سامية تحمل السلام والحب والقيم الإنسانية العالية والجودة الفنية كلمة ومعنى .
ومضة :
يتجاوز الفنان خالد عبد الرحمن الصورة الذهنية التقليدية في علاقة الفنان بجمهوره إلى ماهو أبعد فهو مصدر إلهامهم هو “ دوبامين” النشوة والحب و” أدرينالين” الخوف والعشق هو سطوة الأغنية وحظوة القصيدة وصوت القلب النابض العابر لكل تلك السنوات والأجيال .

✍️ ” بابٌ أُشَرِع”
كانت الدار في غمرة من الفرح . فجأةً! انتصب جارنا، صارخاً في وجه أبي : الأرض الجنوبية أرضي، و”أعلى مافي خيلك اركبه…!”
غلى الدم في عروقي، أسرعتُ نحوه كالمأفون، بَطَشْتُ به،وجهت إليه لكمة قوية. ارتطم رأسه بالجدار، فخرّ صريعاً…!
امتلأ المكان بالتوتر. مسحتُ العرق عن وجهي، وجثوتُ على ركبتي. وضعت يدي المرتجفة على صدره…. فارق الحياة!.
حُدِّدَت حيثيات القضية وفَحصَ الطبيب الشرعي الجثة.
إصرارُ ابن القتيل على تنفيذِ القصاص، أوصدَ كلَّ الأبواب المشرعة لإقناع أصحاب الدم بالتنازل وقبول الدّية.
أخذوني من العنبر إلى الأدلة الجنائية لمطابقة البصمات، والتصوير وإنهاء الإجراءات القانونية.
حدّثتُ نفسي : انتهى الأمر، ولم يبق سوى الموت .
عدتُ إلى سجني بتثاقل،أجرّ قدميَّ جرّا.
ينسحب ضوء الشمس رويدًا رويدا من النافذة الصغيرة… ويحل الظلام.
تجمدتُ في مكاني متكورا، غارقٌ في لجة لاتنتهي. شعرتُ أني في فراغ كبير، فانتظار الموت أصعب من الموت.
سُعال صدري المتقطع مزّق السكون، شعرتُ بإعياء شديد وضيق في التنفس.
تم نقلي إلى المشفى العسكري.
أظهرت التحاليل إصابتي بمرض كوفيد-19.
أُبْلِغ أهل الدم بأن القضية تأجلت حتى أتماثل للشفاء.
أخبرتني الممرضة بأن ثمة زائرًا في الخارج. رفعتُ بصري صوب الباب الزجاجي.
إنه ابن جارنا!. عرفته من عينيه.
افترت مني ابتسامة بائسة، وددتُ لو يصدقني بأني لم أقصد قتل أبيه.
ظل يحدق بضغينة وسُخط.
طلب الاتصال بي، رفعتُ السماعة بقلق بالغ.
بدا مرتعشًا ومتهدجا،
قال بصوتٍ أبح مكتوم :
“لقد عفونا عنك، لوجه الله “.

إعلامنا إلى أين ؟
يقول مالكوم اكس ( وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض ، لديهم القدرة على جعل المذنب بريء وجعل الأبرياء مذنبين ، وهذه هي السلطة لأنها تتحكم في عقول الجماهير ) .
نعم إن الإعلام يتحكم في عقول الجماهير ويؤثر فيهم وهذا التأثير إما أن يكون قصير المدى وسريع الأثر ، أو يكون طويل المدى وقوي الأثر وهنا تكمن المشكلة الكبرى .
فتكرار الصورة النمطية مرة تلو الأخرى كفيل بترسيخها في العقل كما تفعل قطرات الماء التي تحفر الصخر فتضع أثرها عليه فلا يستطيع أحد إزالته إلا بشق الأنفس ، وأمّا قصير المدى فهو يتغير بتغير الهدف ولذلك لا يعول عليه كثيرا ولا يخاف منه .
إن المستعرض لما ينتجه إعلامنا السعودي – ليس المقصود القنوات الحكومية – ليحزن أشد الحزن وهو يرى الإسفاف والسخرية والانحطاط في المحتوى البرامجي والمسلسلاتي ، فالمشاهد يقف حائرا أمام هذا الكمّ من اللقطات التي تستبيح حرمة شهر رمضان ، ولم تكتف بأحد عشر شهرا من الإنتاج العقيم والمشوّه لتكمل ذلك في شهر فضيل له قداسته وروحانيته .
لن أعمّم ولن أغلب فبعض البرامج التي نراها بين الفينة والأخرى هادفة وذات محتوى رزين ولكنها أصبحت كقطرة نقية في بحر ملوّث ببقايا العفن الفكري الباحث عن الشهرة على حساب الدين والقيم والأخلاق والوطنية .
إن محاربة المجتمع لا تكون بإشهار السلاح أمامه ولكنها تكون بنسف دينه وقيمه وأخلاقه والبحث عن كل ما يشينه وتكبير الأخطاء وتزييف الصورة وإهمال الإنجازات أو السخرية منها أو الاستهزاء بالمبدعين والمتميزين وعدم الحديث عنهم ، فوطننا زاخر بالإنجازات التي يجب على الإعلام أن يظهرها ، والشعب السعودي بشهادة كل من عاشره من أطيب الشعوب وأذكاها وأكثرها إبداعًا وتميزا وميادين العلم والبطولات والخير تشهد لنا بذلك .
يجب على الإعلام السعودي – الحكومي – أن يتصدى لهذه الهجمة الشرسة وأن يبادر بتبني البرامج التي تهتم بغرس القيم والأخلاق وتصحيح الصورة المشوّهة ، كما يجب أن يكون هناك ميثاق شرف يلزم به كل إعلامي سعودي من الجنسين سواء أكان ( منتجا – أو صاحب قناة – أو فنانا – أو يحمل أي صفة إعلامية ) أن لا يشارك في أي برنامج أو مسلسل أو منتج إعلامي ينتقص من السعودية وأهلها وقيمها وأخلاقها ، فجلّ ما يعرض عن السعودية وأهلها لم يأت إلا من أبنائها ومن كنّا نعول عليهم الذبّ عن السعودية والدفاع عنها وعن كل ما يتصل بها ، ولكن وللأسف يؤتى الحذر من مأمنه !
إن بعض القنوات المحسوبة علينا والتي تخالف ديننا أو قيمنا أو أخلاقنا أو توجهات دولتنا الحبيبة لا يهمها سوى المردود المالي وهي تطبق مقولة ميكافيلي : ( الغاية تبرر الوسيلة ) بأبشع صورها ، فهي تلهث خلف المال دون أن تهتمّ للدين أو العادات أو التقاليد أو الأنظمة وتضرب بكل ذلك عرض الحائط متى ما وجدت لذلك طريقا .
همسة الختام
الإعلام يوجّه الجمهور ويؤثر عليه ، لكن الجمهور الواعي يستطيع أن يكون المؤثر الأقوى في تصحيح وجهة الإعلام من خلال تبنيه لمنظومة القيم التي يريدها ، فيشاهد ما يريده ويترك ما لايريده والمال يتبع المُشاهِد لا المُشاهَد !

الروائي عبده خال ، في صحبة المبدعين بجدة ..
في سهرة رمضانية ماتعة ممتلئة إبداعا ثقافيا وفنيا ، احتفت أروقة جميعة الثقافة والفنون بجدة بالروائي السعودي العالمي المبدع الأستاذ عبده خال ، حيث استطرد في حديثَ الذكريات عن طفولته التي أخذت منحًى صعبًا ، وقد وصفها بالطفولة القاسية؛ لأنها لم تكن طفولة عادية بل مرحلة طفولة عاملة، وكان العمل فيها صعب المراس لطفل في حداثته مقارنة باليوم حيث الرفاهية وتوفير سبل الراحة والمتعة، والأصعب في طفولة عبده خال ، أن عمل ساقيا للأسرة ، يجلب إليها الماء من مكان يبعد عن القرية التي يقطنها حوالي سبعة كيلو مترات، وهذه ليست مسافة نائية بمقاييس وسائل المواصلات الحالية ، لكنها كانت بين القفار والجبال، وعبر البيداء المترامية الأطراف، حيث الحيوانات الضارية المختلفة من ذئاب وضباع وكلاب وثعالب وأشجار وأغوار وغيرها، مما يرهب طفلًا في حداثته، بل الصعوبة أنه –ومع حداثة سِنِّه– كان طفلا يجلب الماءَ على حمار أعرج، و ما يجلبه الحمار السليم في ساعة يجلبه الحمار الأعرج – حسب قوله – في ساعات، وهذه المسافة كوّنت خياله الخصب وصنعت ذاكرته الروائية منذ الصغر؛ إذ التقطت عيناه وصف دقائق كل ما تراه وتسمعه من معالم البيئة التي عايشها حقيقة، خلال رحلته الطويلة في ذاكرته و القصيرة لنا، فضلا عن معاناة الفقد لإخوة ستة يكبرونه افتقدهم صغيرًا إلا أخًا كبيرًا تربى بعيدا عنه، كما أن تربية عبده خال استحالت تربية أنثوية انعكس تأثيرها على تربيته لأولاده وبناته وعلى مجريات حياته الاجتماعية والفكرية والإبداعية، وزاد –مع نزعة تواجد الأنثى وطغيانها على أسلوب حياة عبده خال– وفاة والده وهو صغير فتولت أمه تربيته وتعليمه، ورأت فيه ما لا يراه غيرها من بذور الشهرة والقيادة فدرَّبته على إمامة الناس في قريته، وشجعته على ذلك فاستجاب بفطرته التي تربى عليها، والتي تحولت بعد ذلك بحسن ظنها في فلذة كبدها إلى العالمية، وكأنها استشرفت فيه معالم النبوغ قبل غيرها، ونمَت على يديها وبين أحضانها .. وبعد استكمال عبده خال مراحل تعليمه المختلفة تلقَّى صنوف الفن والثقافة بصحبة المبدعين؛ حيث لاذ بالفرار إلى القراءة فكان –كما يصفه أصحابه من رموز الفن– نهمَ القراءة، شغوفًا بالآداب والفنون المبدعين على اختلاف توجهاتهم الإبداعية ، حتى قال على لسان أحد أصحابه : كنا نمَلُّ الجلوسَ إليه أحيانا كثيرة من كثرة انشغاله بما يقرأ، وكذا انشغاله بكتاباته التي كنا نتساءل عن جدواها له ؟ ثم استطرد – عبده خال – في حديثه عن مرحلة التخصص الأكاديمي حيث دراسته الجامعية في قسم العلوم السياسة وبعدها فتحت أمامه أبوابه الأمل وتحقيق الطموح الذي دفن موهبته الفكرية والسياسية و الإبداعية- على حد قوله- حيث اصطدم بواقع الحياة ولا مفر من قبول عطاءات الله فكانت مهنته في التعليم كمعلم هي الدرجة الأولى في سلم طموحه وتحقيق معالم طريقه، واستمر في التدريس بإبداع يناسب تطوير الأنشطة الثقافية لطلابه ، وتَنَقّل المبدع عبده خال في التعليم ورغبة التخلص من هذه المهنة القاتلة لموهبته تراوده وما من مفر، حيث تنفيذ التعليمات والتعاميم و هذا ما يتناقض مع شخصية وحرية المبدع، حتى أصيب بجلطة دماغية كانت اختبارا وحدا فاصلا في حياته بين ما كان يعتقده ويفكر فيه ويدافع عنه، وبين ما خرج من صندوق ذكرياته جراء هذه الاختبار الحقيقي واعتبرها صدمة فرَّغتْ صندوق ذكرياته ولا يريد العودة إلى كثير منها ، بل و جعلته يعيد مجريات تفكيره في كثير من القضايا التى يقول عنها: لو عاد بي الزمن قبلها ما فعلتُها ، وهذا يرجع إلى فطرته التي تربي عليها ، ودافع كثيرا عما اتهم به سلفا خطًأ وبهتانًا دون مناقشته فيما نسب إليه، خاصة أنها كانت تحتمل النقاش، طالما أنها تبتعد عن ثوابت الدين من القرآن والسنة، حسب قوله ، فضلا عن أنها في أغلبها كانت آراء شخصية. ثم تحدث عبده خال عن مسيرته مع أغلب المبدعين من كُتّاب القصة و الرواية و الشعراء وكذا الفنانين ، وخصّ منهم صديقه الفنان طلال مداح والفنان محمد عبده الذي اعتبرَ علاقته به تزيد عن الأخوة، كما تحدث عن رفقاء الإبداع والأدب في مصر والإمارات واليمن وغيرهم، وأثر ذلك في حياته وكانت أهم محطاته التي توثق عالمية إبداعه فوزه بجائزة االبوكر العالمية في الرواية العربية بدولة الإمارات العربية عام 2010 عن روايته (ترمي بشرر) والتي لا أظن أن من اتهمه بسببها لم يقرأها وإن قرأها فهي قراءة سطحية لا تعي حدود فن الكتابة الأدبية و سماتها ، حيث كللت نجاح جهودَه الإبداعية وكانت ثمرة تكريمٍ حقيقي لمسيرته الإبداعية، وإن كانت أعماله الروائية الأخرى تستحق الدراسات الأدبية والنقدية الجادة، ومن بينها : مدن تأكل العشب، لوعة الغاوية، الأوغاد يضحكون، الموت يمر من هنا وغيرها، و من يقرأ روايات عبده خال يجد أنه ابن بيئته، حيث التقطت عينه أدق ملامحها و تفاصيلها شكليا وجوهريا باحترافية وتجرُّد دون أن يحيد رغم الاختلاف عليه والخلاف معه من قبل بعض المفكرين والتيارات الأخرى التي كالت له الاتهامات وجردته حتى من عباءة الدين ، وهذا ما استغربه، وحينما سأله أحد الصحفيين سؤالا مفاده، لو قُدِّر لك العودةُ إلى الخلف، فهل تود أن تكون عبده خال الذي أراه أمامي الآن؟ فأجاب قائلا :نعم، أود أن أكون عبده خال لكن مع شيء من التعديل وهو عدم مواجهة التيار الديني، حيث أفقدتْني تلك المواجهات صحتي ،وهذا رد يدل على تصالحه مع النفس، وتقويمِها وقبوله لها كما كانت وكما هي مع الندم على ما أوقعه في صراعات أثرت على صحته وأنهكت فكره وعطلت إبداع قلمه.. ولا زال للحديث شجون مع الروائي العالمي عبده خال.. حفظه الله

موسيقى رمضان
تسافر الأرواح شوقاً وحنيناً تحكي لنا موسيقى رمضان الخالدة في مخيلة المكان وإن تباعد بها الزمان .. تلك الموسيقى القاطنة في ذاكرة كل طفل يسكننا تهرع تلك الموسيقى عبثاً تحاول أن تعيد اختزالات طلقات النيران الحمراء بمقدم شهر رمضان المبارك.. فانوس خالتي العتيق، وقدمي أبي النحيلتين سيراً في جوف الظلام .. القطط الهاربة خوفاً من مساريب السائرين .. موسيقى رمضان .. السامرين حول موقد حكواتي قريتنا الذي بات هزيلاً فقد هجر دكانه، وحكاياته، وضحكاته وبات الحلقة الأضعف في قريتي.. موسيقى رمضان رائحة الجدات يرتّقن فينا عادات الماضي الأصيلة.. موسيقى رمضان الروح التي تهاجر إليها كل الأرواح كي تملأ الفضاءات بالوجوه وإن غادرت عن عيوننا الباقية في قلوبنا.. موسيقى رمضان تنصت لأصوات المؤذنين كي تمنحنا لذة الدعوات الخاشعات مغرب أول أيام شهر رمضان ثنائية الكيمياء التي فقدت بريقها منذ رحيل مؤذننا عليه رحمات الله.. لكنها ما زالت تستعيده في كل الأمكنة والأزمنة فلا رمضان دون مؤذننا الشيخ الوقور دون صوته الذي يكسونا سنوات من الابتهالات.. موسيقى رمضان تلفاز صغير وقد اجتمعت عليه تلك الأسرة تشاهد شهر رمضان تتناول إفطارا شعبيا شهيـا.. بالقرب منا صوت أم حديجان – لجدة القرية الكفيفة – يسابق برنامج على مائدة الإفطار والشيخ علي الطنطاوي رمضان، وصلوات التراويح وصوت حسين نجار .. موسيقى رمضان تتجلى في فوازير رمضان للكبار هذه الموسيقى التي لا تعترف إلا بالدموع.. واسألوا من استطعمها وعاش كل تفاصيلها السعيدة والحزينة.. موسيقى رمضان العم مشقاص، وبابا فرحان، وفوازير رمضان للصغار وخالتي قماشة.. جحا وأبو دلامة وأشعب الطفيلي.. وخواطر الشعراوي قبيل السحور.. موسيقى رمضان سنحات العابرين وقد اجتمعوا في مسجدٍ صغير يحنو على صوت الجد وهو يتلو لثغة «اهدنا الصراط المستقيم». موسيقى رمضان تجتمع في روح واحدة وجسد واحد على حصير من بقايا إنسانية .. يهرعون سريعاً، ويكرعون ماء يطفئ لهيب يوم حارق .. أطباق القرية لا تكاد تهدأ من الترحال بين تلك البيوت والأقدام التي لا تعرف الوقوف إلا عند الغروب.. تبقى موسيقى رمضان لحنا نجتره حين تطول بنا مسافات البعد ولم نجدك.. وفي ضبابيات الوقت العصيب سألقي عليك لحاف جدي، وتراتيل أمي وصوفيات جدتي، ووجه أبي ، وأصوات إخوتي وأخواتي .
ومضة :
موسيقى رمضان سأحكي لكل الأجيال بأنك الرواية التي لا تشيخ، وإن تقادمت بها السنوات .

تنصّل الليل من جلباب أفراحي
تنصّل الليل من جلباب أفراحي
و راح ينقض غزلاً فيه أتراحي
سألتك الله لاتفعل فما برحت
جرائم الشوق تغريني بإصباح
فما تجرّأ دمعٌ فوق ساقيتي
حتى تكسّر مجدافي و مفتاحي
تسربل الكون ثوبًا كنت أجهله
و غاب ثوب أبي ذو الروح والراحِ
أبي الذي تضحك الدنيا بضحكته
أبي الحنون ضياء العمر مصباحي
فديتُ شيبته بالطهر تلهمني
فلا كروح أبي أهذي بأرواحِ
فيا وجوهًا عشقناها قد ارتحلت
لتنعمي بنعيم الجنة . ارتاحي
–