- 17/05/2022 plore The Services
- 27/04/2022 guestbloging
- 25/04/2022 ” بين رمضانين “
- 22/04/2022 bloggingaboutanything
صهيل الريح [ 106 ]

صدى صرختي ..
تختبأ في ذاكرة الزمن ، تتأملُ تفاصيل حياتها من نافذة الخيال تمطرُ أمنياتها وتتسرب قبيلة من مفاتيح الضوء كالأحلام كالقصائد كالقوافل الراحلة !!!!!
تكتم أسرارها كما تكتم أسرار الوجود !!!!
كعلامات الاستفهام المنحنية للأرض !!
تجترّ صرختها الأولى للدنيا فتمضي ذكرياتها كعلامات التعجب !!!!!!!
سافرت دون أن تبرح المكان ، واتكأت على عصا المُحال تشقُ ظلام الليل البعيد البعيد !!!
لا تملك إلا الكثير من الأسئلة وبصيص من نور بصيرتها !!!!
تمدّ يديها للريح !!!!
الريح ذاتها أخذت أوراقها دون أن تستأذن منها !!!!!
تشغلها الأصوات المعقّدة وتسكنها لوحات الجدران الصامتة ..؟!
وتحملها تفاصيل التفاصيل ..
لاشك بأنها تضحك على تلك التفاصيل البليدة ؟!
لابد من انفراج المجال فقد ودّعت عمرها مرتين صوب غمامتين تنهمران على الدوام !!!!!!!
غمامتان تسقط مطراً وتدوي رعدة وبرقاً !!!!!
ورذاذ ماء ٍكالغناء وتظل من فرط المخاوف رهينة للمحبسين فقد جفّت ينابيع الذاكرة وهم عليها شهود يحرسون الأوهام كأنّهم وكأنّها أشباح للظلام !!!!!!
متثاقلين كأنّ على رؤسهم تقف الطيور خرساء !!!!
وغداً تخرج من قيودها تحلّق فوق أسراب الطيور !!
طفلة لاهية عابثة تحلم بالقمر !!
تنثر النجوم كحبات اللؤلؤ المكنون ، وتجمعه في عقد ٍتتراقص عليه نجوم الأرض والسماء ترتفع الرايات البيضاء للسماء أبعد كل هذا الغياب
تعود لها الحياة ؟!
فكرة أخيرة :
وأغيب في بحر السؤال ..
يجيبني .. رجع الصدى ..
والصمت يصرع صحوتي
فيضجُّ قلبي دامعاً
ملء الحناجر والمآقي
ويضجُّ بي ..
أمل الرضا والانعتاق ..
مثل اليراقة ..
أحتمي بغلالتي ..
أرنو إلى فتح العيون ..
على ربيع تجددي
من بعد موتي ..
وانبثاقي ..

من شارع الهرم إلى ..
صدقا لقد عانينا نحن الشعوب الإسلامية من الازدواجية لفترة طويلة من الزمن ، لم نكن كما يجب ، ولم نحيا حياة طيبة وواعية وذلك لجهلنا ديننا على وجهه الصحيح ولتأثير العادات والتقاليد ، ولدخول كثيرين في الإسلام حاملين عاداتهم وتقاليدهم وتركيبهم الاجتماعي المعقد ، و لاستهدافنا من قبل المستشرقين وغيرهم -وافقنا أم غلفنا أدمغتنا –
فغلب على طرق تعاملنا المجاملات ،بسبب تعاقب الرؤساء واختلاف ثقافاتهم واختلاف النسيج القبائلي والطائفي والعرقي في البلاد العربية مما جعل من النقد جريمة وتعديا مقصودا … وهكذا تراكمت عيوبنا وتعقدت ؛ فكان يجب تدخل الطبيب الذي يشخص المرض في جسد الأمة العربية
سنغضب صدقا ، سنغضب ؛ لأننا لا نتقبل الصراحة ولا المواجهة ولا التشخيص ..
نركض ونحن ننزف ، نرفض التوقف ، أوكي الجرح كآخر العلاج
نرفض أن نتعمق في المرآة ..
هل يصفعنا هذا المسلسل ؟ هل هي عقلية المثقف أم فلسفة المتأمل ؟
هل هي تعاليم اسلامية ؟ أم مبادئ المدينة الفاضلة ؟ الصراحة والشفافية والصدق ؟
هل فعلا نحتاج هذا المبضع أو هذه الصفعة في هذا الوقت تحديدا ؟
عائلة تحت سقف واحد جعلت نفسها شريحة تحت الميكروسكوب شربحة بصل أم طماطم أم جناح صرصور، أو خزعة ،أو خلية مزروعة فالنتيجة هي المقياس
أحببت هذا المسلسل ، وكرهته ،صفقت لأبطاله وبصقت في وجوههم
بكيت وضحكت ، وتألمت ، تعاليت على الألم ، ،احترت ، وقفت إلى صف التقليدين وقلت جرأة وقلة أدب وتجاوز ،فتذكرت أن الإسلام صرح ووضح وناقش أفلا نكون واضحين هنا ونحن نحمل مبضع الجراحين ،ووقفت إلى جوار التقدميين وقلت يجب أن نكون أكثر صراحة وجرأة
لأن الأمانة العلمية وقسم الطبيب حين تخرجه أن يكون صادقا مخلصا لربه ولوطنه ولعمله ..
كيف استطاعت الكاتبة أن تنتقي هدى حسين لو لم تقرأها وتستشف فكرها وثقافتها ومعاناتها ووطنيتها ؟! وهل تحدثت هدى عن المسكوت عنه
مشاكلنا التي لم نعالجها كما يجب -اختطاف فكرنا ، تعالينا وشوفانيتنا ضعفنا ، هيا ياعرب ها أننتم فوق المشرحة الآن خلية خلية
انصدموا ثم أفيقوا ، اغسلوا جروحكم ثم انهضوا ، واجهوا عيوبكم ثم أفيقوا ، عدلوا علاقاتكم و اهتماماتكم دون إفراط أو تفريط ..
أشعر بالحزن على النجمة هدى حسين ؛
ترى كم تحتاج من الوقت كي تغتسل من دورها المعقد في هذا المسلسل من كم المعلومات والعبارات والحكم والمواقف والمواجهات والغوص في الأعماق
لقد تعبنا فكيف بها ؟
كان يجب أن يكون هذا المسلسل إن أردنا الدخول لمرحلة جديدة هو كالرؤية وكالضوء بأن نكون رحما ء ويقظين في نفس الوقت لاقسوة تكسرنا ولا ضعف يعصرنا
أن نبني أسرنا بقوة ونحافظ عليها بجدية
ألا تخدعنا المغريات
ألا نبيع فكرنا
ألا نتبني أفكارا موحدة ونثبت صورا ذهنية
ألا نحتقر جنسا أو عرقا أولونا
والحديث يطول

” ومن العايدين ..ومن الفايزين “
بذات النفس العميق والبعد الاجتماعي الموغل في كل أرواح الطفولة الخالدة تتسلل حنجرة فنان العرب والعجم محمد عبده كي تعيدنا أطفالا نملأ الحياة بهجة وفرحة بثوب العيد وشمس العيد وحلوى العيد وسباق الأقران وعيدية أبي وقبلات أمي !
وتستمر أغنية العيد وفرحته فينا طيلة تلك الليلة الحالمة ويوم العيد السعيد وتستمر الأحلام حتى ننام مجهدين متعبين وكأن لقاء العيد لا يجعلنا ننام !
«ومن العايدين» أغنية خالدة بخلود الأرواح الراحلة عن دنيانا والباقية في أرواحنا وذاكرتنا التي لا تنساهم !
نستعيد معها حلوى العيد من كل بيوت قريتي – التي وإن غزا مفرقها الشيب إلا إنها ما زالت بحيوية الشباب – وتهاني الجدات تمنحنا لذة الحكاية، فمنهن من تقول :
«كبار مثل كبر العيد» ..
وثانية تقول :
«بركة العيد علينا وعلاكم يعود على حال جميل»..
وثالثة تقول :
«عاد عيدكم وأنتم في أجمل حال».
«ومن العايدين» نستطعمها كما نستعيد طعم حلوى العيد وتلك الأكلات الشعبية التي تتزين بها مجالس البيوت التهامية، فما تزال قريتي تحافظ على عاداتها وتقاليدها، وما مشاهد جولة العيد القديمة الجديدة من بيت لآخر عبر أزقتها ومساريبها حيث اختزال الذكريات وما قيمة العيد والحياة بدون ذكريات !
نواصل رحلة العيد مشياً على الأقدام حتى نصل لكل البيوت شيوخا وشبانا وأطفالا إلا وجه رائع لقريتي النبيلة في كل شيء !
جولة العيد تستعيد الخطوات فيها حكايات العمر سنة بسنة ولحظة بلحظة وكيف إنها عبرت تلك بنا تلك السنوات وما زلنا نعيش العيد بأرواح الأطفال البريئة ؟
وفي نبض الأغنية الخفاجية نشعر بأنها تهدينا قلب العيد السعيد كل عام ودموع الذكريات تناغي البحث في ذاكرة تعيش العيد بكل تفاصيله كلما سمعت زغاريد العيد وحكاياته وأغنياته وإماراتها !
فالعيد عرس المدن الباذخة وطلقات القرى النارية وفرحة طفولة لا تنسى !
العيد طفولة تبحث عن فستانها الوردي والأبيض والأحمر تبحث ورود الصباحات المليئة بالأحلام المضيئة وما أجمل ضحكاتها !
العيد قلوب بيضاء تنثر بياضها في كل الطرقات الذاهبة للعيد، فالعيد شعور إنساني نبيل يتلمس كل الأسر القريبة والبعيدة كي يمنحنها كسوة وزكاة وفرحة تقاسم كل الأعياد .
«ومن العايدين» الأغنية ألفناها كما ألفنا وقفاتها الموسيقية وفصلاتها ذات الدلالات الموحية، فعندما تتماهى الكلمات مع اللحن والصوت والإحساس العميق تتجلى قيم الفن ورسالاته السامية .
ومضة :
«ومن العايدين ومن الفايزين» الأغنية التي وصلت لأبعد مدى في صوت الروح وصوت كل قطر في وطننا الكبيـر .

” مخارج ضيقة “
إن النكبات واقع حقيقي يتضرّم أمامنا ونعيشه على مضض، لا يمكن استقطاعه ببساطة ولا أن نتخفف من عذاباته بطريقة موجودة مُسبقًا كطوق إنقاذ..
لكننا نستسيغ المعاناة أحيانًا في جانب تأطير مُجرياتها، والانتباه لحذافير طقوسنا الجبرية في غمرتها، نجتبي من أهوالها ما يصلُح لملازمته حتى انقضاءها، فنحن في المعاناة لم نتدرب على انتظار زوالها بقدر اعتمادنا على الدوران فيها في كل مرة بخفة أكثر كمن يعتقد أنه يدور حولها دونما خلاص…
لا تُهم الطريقة التي نسلُكها ضمن أي عذابات، المهم أن تتضمّن نتائجها ضمادة مُسكّنة يهمد إثرها لذع الهلع ووكزات الوساوس ولسعات القنوط الماكرة!
شيءٌ ما يتبدّى بأي هيئة ينفُخ في العدمي معنى،
فتتلقاه الروح كثمرة منابتها اليباس
في حين أن كل شيء مشوش ولا يُستحب اقتطافه من فرط الخطر.
لم يخطط أحدًا لطرائق نجاته لا سيما في أزمات تفوق ذاته!
يعرف المرء كيف يُدير دفّة روحه أحيانًا بمحاولات مُجرّبة فيما يخص معاناته الفردية وقد يفلح الأمر وقد لا يظفر بشيء من ذلك ولكنه ينجو بطريقةٍ ما يعرفها ويُعاود تكرارها حتى يحظى بفهمه الخاص عن أزماته.
هنا في العذاب المستجد بالنسبة لأرواحنا المُتأهبة دائمًا لكل صيغ الحوادث تتآكلنا الجهالة،
أشعر بضآلة الإنسان وتحديدًا أناي التي لا ينبغي أن يداهمها شيء إلا وتمرغته بالطقوس الجادة لمجابهة كل شيء، ما أضأل المرء عندما يُحتكر في المجهول، يعود طفلًا لا يعرف، يتخبط فحسب!
نعم، أتخبط كالطفل الذي لا يوجهه أحد، أتلفّت ولا أرى سوى جمعًا مشدوهًا بجهالة تنحو ألحاظه بيأس نحو اللا معلوم، وكل ما بحوزتي ” نزعة التجربة”
أتعامى عن مسألة الخوف إياها، أصد مسامعي عن نشرات الأخبار، أُقرر بعناد طفل أن أتلعثم عوضًا عن السكوت فلربما خرج من فمي الخلاص!
أخطو خطواتي بكل ما أعرف من روع وأجرّب،
أهتدي لوُجهةٍ ما – لا تصلُح فأعود لاهثة،
أُبصر لافتة تضيء – أسلُك الدرب لها بجوع للملموس الذي ألتقي فيه كل ما هو وديع وسامي – أعرف أنها محض وهم ومع ذلك أمضي بزُهد عن الحقائق،
أعرف أنها إساءة لبصيرتي ولكنها أيضًا دُعامة للجزء الحالم الذي يستنير بالأوهام!
أفهم أن الحال لا يسمح بأي أمل مُقنن أو أشرعة بيضاء أمدها بينما العالم يحترق، لكنني أخلق جُهدًا فرديًا لتسريع مخاضات الرِتق والهُدنة والهدأة والضمائد، أروّض قواي المُرهقة في بضعة مسالك يفترشها قلبي ويخامره السكون بينما كل شيءٍ حوله يسعر.
ثمة مُسكّنات لا تلغي حقيقة الألم، لكنها تُرقق من سطوته ” النفسية” في ظل ما يمنحه المناعة، ولكلٍ منا مُسكناته التي يختلقها في البدء كالموهوم الذي لا يصدقه أحد، حتى تتتشكل بنتاجها في حياته كركيزة يعتمدها بعد أن تخبط وتجرّح وتأذى من فرط التجارب الفاشلة ولم ينجُ بعد، لكنّه أوجَد الثغرة في نطاق صارم يفرض الهلع والجمود والانكماش،
ومنها أوجَد مسكناته كمضخة لا يتوقف إثرها عن كونه موجود- متألق- هادئ وإن خالط هدأته الخوف .

فنار و وهج
كلمة “وُدّ” تشمل معان متعددة هي: الحب ،الود، التمني، التقرب، الرغبة في حدوث شيء ما، وتأتي باشتقاقات متعددة مابين الاسم والفعل والمصدر.
ذكرت كلمة “ود ” باشتقاقات مختلفة في القرآن الكريم في آيات عدة منها :
قال الله عز وجل: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا).
قال الله تعالى: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).
قال الله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا).
قال الله تعالى: (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ).
قال الله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ).
قال الله سبحانه وتعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ).
قال الله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
والمودة ذكرت في العشرة بين الزوجين ولم تذكر المحبة حيث أن معنى المودة أكثر شمولا و اتساعا ويتضمن المحبة ومع الرحمة يشكلان ضمان الحياة السعيدة فبالود تقوم البيوت وتعمر.
مرادفات كلمة ود (بضم الواو) هي: إعْزَاز , إِخاء , تَوَلُّه , جَوًى , حُبّ , شَغَفٌ , صَبَابَة , صَدَاقَة , عَلاَقة , عِشْق , غَرَام , كَلَف , لَوْعَة , مَحَبَّة , مَعَزَّة , مَوَدَّة , هَوَىً , هُيَام , وَجْد”.
وكذلك كلمة ود (بكسر الواو ) تتضمن :عشق ، وجد، غرام ، حب .
وعكسها : بغض، ضغينة، عوف، مقت ، صد وغيرها.
فالود أساس كل العلاقات الطيبة ولا تخلو علاقة جميلة بين طرفين من ود وتودد .
وفي سورة مريم يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا) (96).
يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله – عز وجل – لاتباعها الشريعة المحمدية – يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل ، إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل ” . قال : ” ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلانا ” . قال : ” فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ).
فمن يحرص على إرضاء الخالق يساق له قلب المخلوق راغما..
فاطلب الرضا من رب السماوات والأرض فيشاع قبولك ومحبتك بين أهل الأرض.
رب ارزقنا حبك و اجعلنا ممن أحببتهم ورضيت عنهم.
ومحبة الله لك مرهونة باتباعك سنة نبيه ومحبته والاقتداء به ، تمعن في قوله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران. 31).
إذا مااتبعت نبيك وملأت قلبك بمحبته بعد محبة الباري نلت رضا الله وحبه .

” بين رمضانين “
رمضان، اسم له قدسيته ويحفه التأريخ برفعة خاصة كلما عبر سنينًا من أعمارنا، تبلغ فيه عظمته فكرة الإصلاح والرياضة الروحية بالإضافة للعودة بنا للماضي الذي يُستمد منه طاقة للمستقبل، علاوة على ما قد خصه الإسلام به من خصائص ليست إلا له فهو يصنع فارقًا حقيقيًا فيما قد سار عليه الناس من رتابة في أيامهم المعتادة طوال العام، كحياة أتخذت عادات متشابهة وأحوال مستمرة، ثم إنه شهر فريضة الصيام مما جعل له في قلوب المسلمين مكانة مهمة وأيضًا منذ ارتبط هذا الشهر بأمور مقدسة أخرى وأعمال لها أثرها في حياة الناس الروحانية، فكثير من الأزمنة لها ارتباط بذكريات معينة فما بال بتأريخ له كل هذا الأثر على الأرواح والقلوب والأجساد.
شهر القران وليلة القدر “مدرسة الثلاثين يومًا” كما قيل.ومضاعفة الأجر فيه هيأة سعي المسلمون بإعادة مجده بالتعبد، وتجديد حكايات من الخير والإحسان ، واغتنام فُرصه لصنع نقاط من البديات والنهايات لما كانوا معتادين عليه، متآلفين معه من أعمال أو أقوال يُبتغى تغيّرها.
يقول الرافعي عن فلسفة الصوم ” بأنه فقر إجباري يُراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح: أنَّ الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمّها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون”.
كما أنه شهر له علاقة وطيدة بالماضي ينقلنا بحب لما قد عبر، فحمله للتراث أيضًا يعد أمرًا من إنسانيتنا فطريًا نألفه، ماضي الأحداث والذكريات وشيء من فطرية الإنسان التي سعى لتطويرها وباقي بها أثر فكرتها البدائية. كبعض المأكولات والملبوسات والعادات ،فتعود إلينا كل عام وكأن كيانه كـ زمن ما هو إلا شيخ يحدثنا بلسان الأيام التي لم تختلف كثيرًا منذ عقود وربما قرون، فلا زالت سُنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام تربطنا بأفعاله وأعماله التي عبرت التاريخ إلينا كحقيقة تؤصل ذاتها كل عام، في حياة المسلم فتُثبت صدق الرسالة، وفضل هذه الأيام واستقرار النفوس بها.
ورغم أن هناك فجوة تتسع بين الماضي والحاضر كفعل طبيعي مقرون بالحداثة المتسربة إلا أنه ما زال بنكهته واستحضاره لما مضى بطابع خاص واحتفاء جليل، فأقوى ما قد يُنهضه الصوم في الصائم هو تفقد الفقراء ومساعدتهم وقد استمر على هذا بتغير طفيف فصار بطريقة أخرى أحدث و أكثر دقة وأسرع تحقيق، إلا أنه بقي الوقت المختص بذلك التفقد والبذل معًا، التقرب لله يسمو بالروح ويدفع لحياة تتجدد بها الطمأنينة، والمساواة. فما بين الماضي وشهر الصوم نهر الشعور وعملة الرحمة وطهر التأمل الذي ما أن ينتهي من عمق شخص إلا لينشأ في آخر.

” من نوادر الأدباء “
أنشد الشيخ شهاب الدین بن حجر حين انهدمت منارة جامع المؤيد بمصر المحروسة، وكان الناظر عليه قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني:
لجامع مولانا المؤيد رونــق منارتــه بالحســن تزهــو بــلا مَیـْـنِ
تقول وقد مالت عليهم تأملوا فليس على جسمي أضرُّ من (العيني)
ولما وصل ذلك إلى العيني أنشد في الجواب:
منارةٌ كعروس الحسن قد جُليت وهَدْمُهــا بقضــاء الله والقدرِ
قالوا أصيبتْ بعينٍ قلت ذا غلط ما آفة الهدم إلا خِسًّةُ الحجر
ومن جرأة صفي الدين الحلي العجيبة أن يمدح الملك الصالح بقصيدة جعل مقدمتها قصة كلها فجور، ثم ينتقل بسلاسة إلى غرض المديح، فبعد سرد قصته مع غانية متبذلة ومطالبتها إياه بأجرتها ينقلنا إلى حواره معها:
قالتِ الحال قد مشی فاسخُ بالما لِ فقصدي منك الهبات السنيةْ
قلت: مالي الذي عهدتيــه بالأمــــــــس وكانــت بـه النفــوس قوية
أخذتْ بعضه اللصوص جهارا والمــوالــي تقاســموا البقـيــة
قالت: الويل لي! حَسبْتك أثريــــــــــت وأنــي أروح منــك غنيـــة
ثم ينتقل إلى مديح الملك:
قلت: لا تجزعي عليَّ فإني لي التزام بالدولة الصالحية!
فمثولي بحضرة الملك الصـــــالح فيه لــي الحمى والحمية
ومضى بعد ذلك في المديح إلى نهاية القصيدة.
وإلى نادرة أخرى: كنت أقرأ البيت التالي في كتب بعض الدعاة:
وكنت امرءًا من جند إبليس فارتقى بي الأمر حتى صار إبليس من جندي
وأقرأ قولهم إن الشاعر قد تغيرت حاله فارتقى من الضلالة إلى الهدى، حتى أصبح إبليس راضخا لرغبته بعد أن كان الشاعر منقادا له.
لكني ما لبثت أن وجدت البيت الذي يلي البيت السابق، فغير المعنى تماما والبيت هو:
فلو مات قبلي كنت أُحسِن بعده طرائقَ فسقٍ ليس يحسنها بعدي
وقد استشهد بهما الفخر الرازي في تفسيره المعنون بـ (مفاتيح الغيب) على أعوان الشيطان، ونسبهما لأبي بكر الخوارزمي (323-387). أما المصادر الإلكترونية الحديثة فكعادتها في التخبط، فقد نسبهما موقع الديوان للأمير الصنعاني (1099هـ – 1182هـ / 1687 – 1768)
وتأكد لي مؤخرا أنهما للشاعر العباسي (الخبز أرزي) المتوفى سنة 317 حين عثرت عليهما في القسم الثاني من كتاب (شعراء عباسيون منسيون) الذي جمعه وحققه إبراهيم النجار، والبيتان من قصيدة طويلة، وقبلهما:
إذا جمحت خيل الهوى للذاذتي فألــف عنــان لا يطيــق بهـا ردي
ولم ينتفع بي غير إبليس وحده وإن متُّ لم يظهر على غيره فقدي
ومما ظاهره مديح وهو استهزاء قول ابن الذروي في ابن أبي حصينة:
لا تظنن حدبـة الظــهر عيــبا فهي في الحسن من صفات الهلال
وكــذاك القـسـي محدودبــات وهي أنكــى من الظـــبا والعوالــي
وإذا مـــا عــلا الســنام ففيــه لقــروم الجِـــمــال .. أي جَــمـــال
وأرى الانحناء في مخلب البا زي ولــم يــعـــد مخلــب الريبـــال
كـــوَّن الله حدبــة فيــه إن شئــــــتم مـن الفضــل او مــن الافضــال
فأتت ربوة على طود حــرب وأتــت مــوجـــة بــحـــر نـــوال
ما رآهـــا النســاء الا تمنــت أن غــدت حليـــة لكـــل الرجــال
ومن بلاغة القول التي رزقت صاحبها لأنه وجهه لمن يستوعبه، قول عجوز لقیس بن سعد بن عبادة، لما وقفت عليه: “أشكو إليك قلة الفئران”.
قال: ما أحسن هذه الكناية، املؤوا بيتها برًّا وتمرا ومنًّا.
ومن الشعراء السعوديين الساخرين حسن السبع – رحمه الله – الذي يقول:
ديوان شـعرك ســعره في السوق سعر (السندويشة)
ويقل عن سعر (المعسّـــــل) عابقا في جوف (شيشة)
يا من يعيش على القصيــدِ أفق فما في الشِّعر عيشــة !

من ذكرياتي ( القرآن الكريم انموذجاً)
وإذا كانت الحياة الذكريات فإن من أجمل وأفضل وأفيد وأنفع ذكرياتي مع القرآن الكريم منذ الطفولة وإلى اللحظة فلقد أبصرت والدي رحمه الله وأنا طفل في مرابع النشاة بقريتنا الأولى في صدور الجبال الشرقية لصامطة حيث يصطحبني لمسجده الصغير الذي يوم هو قد بناه وحرص من خلاله على إجتماع أهل القرية فيه كنت أحاول أتهجى الحروف القرآنية ثم الحقني بكتاتيب قرية القفل والتي تبعد عن قريتنا بضعة كليومترات أذهب إليها مع أخوتي وأقراني وأبناء عمومتي وأصحابي مشياً على الأقدام حيث قرأتُ القاعدة البغدادية وبعض جزء عم وكنت أستمع لوالدي وهو يرتّلُ القرآن في صلاة التراويح فزادني الحب القرآن وحفظه أكثـر وخلال التحاقي بالمرحلة الإبتدائية بقريتي الثانية لم أوفق في الحصول على قدوة قرآنية لكني عوضتها بالقراءة والمتابعة والمحاكاة لعمي محمد أمام وخطيب بالقرية الأخرى المجاورة لنا ومؤذونها الشرعي إضافة إلى متابعتي من أحد قرّاء القرآن الكريم في القرية من الأخوة اليمنييين وبينما أستمتع بقراءة القرآن حاول والدي رحمه الله أن أؤم الناس في الصلاة الجهرية وفي رمضان أحيانًا في قريتنا الثانية وفي مسجد الوالد أيضا رحمه الله ولكن السمع والاستماع ايضاً للقرآن الكريم فؤائد جمّة وخاصة بعدما أشترى لنا الوالد راديوا وأصرّ أن يكون على إذاعة القرآن الكريم فقط واتخذ له مكاناً معيناً وخاصًا وعلّقه في صدر بيتنا العشة الكبيرة فقد كنت أستمع للشيخ عبدالله خياط والشيخ محمد سعيد نور وغيرهم وخلال بث التلفزيون أبيض وأسود بالطبع كنت أستمع وأشاهد إلى القارىء اليمني الكفيف محمد حسين عامر إضافة لأشرطة الكاسيت والتي انتشرت في وقتها وكنت استمع لقرّاء معاصرين من الوطن العربي ومن المملكة منها ولكن دراستي الدينية المكثّفة في المعهد العلمي جعلتني أحفظ أجزاء أخرى لماحفظته سابقاً مماجعلني أقوم بامامة إحدى المساجد في بداية مرحلة الثانوية إضافةً للاندماج في فهم آياته وتفسيراته وإلى دراستي بالمرحلة الجامعية وما بعدها والتصاقي بإمامة وخطابة المساجد بعد ذلك وإلى حينها والحمد لله وإن هذه السلسلة الذهبية من ذكرياتي مع القرآن الكريم وحفظه وتعلّمه وتعليمه وقراءته وهي من أجمل الذكريات في حياتي رحم الله من وجّهنا وقام برعايتنا وتحفيظنا من الآباء والأعمام والأجداد الذي أهدونا مصاحفهم النادرة لنقرأ فيها في وقت كانت المصاحف نادرة وقليلة جداً وكذلك المعلمين ووجهاء البلدان
في كل زمان ومكان والله ولي التوفيق .

” لغتنا العربية بين الواقع والمأمول “
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ، فالحديث عن اللغة العربية وأهميتها وفضلها وعالميتها حديث يطول وقد سبقني إلى ذلك الكثيرون ولن آتي بجديد في هذا الشأن ولكنني سأتحدث عن موضوع يمس واقعنا اليوم مع اللغة العربية تحدثا وكتابة ، فالمتتبع لمخرجات التعليم ولوسائل التواصل الاجتماعي المقروءة والمسموعة والمرئية ولما يسمى ب(الإعلام الجديد) يجد العجب العجاب فاستخدام اللغة العربية الفصيحة يكاد يكون معدوما أو يأتي بصورة قليلة لاتحقق المأمول من وسائل رسمية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الإنسان واللسان العربي ،هذا إذا تجاوزنا الكوارث اللغوية التي تحدث على مرأى ومسمع من ملايين المشاهدين في غالب القنوات الفضائية العربية أما في برامج التواصل الاجتماعي المسماة ب(السوشل ميديا) فحدث ولا حرج فالضرر باللغة العربية الفصيحة يفوق كل توقع ، والكارثة الحقيقية تتمثل في دخول التقنيات الحديثة المروجة والمفعلة لتلك البرامج لكل بيت والمؤثرة في أهم وأخطر شريحة في المجتمع ألا وهي شريحة الأطفال ممن هم في عمر السنتين أو الثلاث سنوات أو أعلى من ذلك قليلا ، والمختصون في علم اللغة يؤكدون في أبحاثهم أن تطور مهارات الطفل اللغوية يبدأ من عامه الأول وهو العمر الذي تتكون فيه حصيلة الطفل اللغوية ، ولأننا لانعطي إهتماما لهذا العمر ولا لتأثير وسائل التواصل كالتلفاز والجوال والآيباد وغيرها من وسائل التقنية الحديثة على الطفل فقد نضر بالطفل من حيث لانعلم ومن ذلك لجوء بعض الإمهات أو الآباء بقصد أو بدون قصد لإسكات الطفل وتلهيته بإعطائه الجوال الخاص بهم وهذا خطأ فادح في حق الطفل وله تأثيرات عدة من ضمنها اكتساب كلمات أو جمل غير فصيحة أو غير عربية ، إلى جانب مؤثرات أخرى كتأثير الخادمات أو المربيات الأجنبيات اللواتي تعج بهن بيوتنا العربية واللواتي قد يقمن بحضانة وتربية أطفالنا ، كذلك قد تلجأ بعض الأسر لتعليم أطفالها كلمات إنجليزية أو أجنبية أو قد تلحقهم بمدارس تعليم لغات أجنبية كنوع من التمدن والتحضر وهذا يعد جريمة أخرى في حق اللغة الأم ، لاشك أن الاهتمام باللغة العربية لابد وأن يبدأ من المنزل ولابد أن يستهدف الأطفال في سني عمرهم المبكرة وخير وسيلة لذلك تعليمهم وتحفيظهم القرآن الكريم ولو كان بتعليمهم قصار السور فالقرآن هو طوق النجاة الذي سيحملهم إلى بر الأمان والذي سيعطيهم الحصيلة اللغوية الكافية التي تقوِِّم ألسنتهم وتخرج لنا أجيالا تعيد للغتنا بريقها ومجدها الغائب .

الحياة الروحانية
الحياة الروحانية هي الحياة التي تسمو بالإنسان، وترتقي به ، وتحمله بعيدا عن الماديات التي تُطبِق على الإنسان من كل جوانبه.
وحتى أتناول الموضوع بشكل أكثر علمية أحاول – ابتداءً – التفريق بين عدد من المصطلحات المتداخلة ، وهي الرُّوح – الرَّوح – الروحانية – النفس
الرُّ وح “بضم الراء ” : مصطلح يعبّر عن جوهر حيوي يبعث الحياة في الإنسان والحيوان ” الكائن الحي عموما ” ، فالروح خالدة لا تموت ، عكس الجسد الذي يموت ويفنى .
الروح تهب الجسم الحياة ، وتجعل جميع الأجهزة في داخله تعمل ، ولو خرجت الروح لا حياة في الجسم ، ويصبح جيفة نتنة.
الروح هي خَلق من أعظم مخلوقات الله، شرفها الله وكرمها غاية التشريف والتكريم ، فنسبها لذاته العلية في القرآن الكريم. قال الله تعالى : ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ روحي…} الحجر 29
الروح هي كلمة ذات طابعٍ فلسفي، يختلف كثيرٌ من الباحثين والدارسين في تحديد تعريفٍ موحدٍ لها، أو تحديد ماهيّة الروح على صعيد الفلسفات والأديان المختلفة.
ليس هناك تعريف جامع مانع للروح ؛ فماهية الروح لم تحسم بعد ،حتى القرآن أجاب عنها بأنها من أمر الله ، “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي” الإسراء 85
وردت كلمة الروح في القرآن على مسمى آخر في قوله تعالى : ” تنزل الملائكة والروح فيها …” القدر 4 ، وهنا المقصود جبريل عليه السلام.
كما وردت بمعنى القرآن ، في قوله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) الشورى 52
الرَّوح – بفتح الراء – هي الرحمة وهي الراحة والتفريج : ” يا بني اذهبو فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رَوْح الله” يوسف 87
كذلك قال عبدالله بن المقفع ناصحا الإنسان الذي ازدحمت عليه المشاغل، وتكالبت عليه المهام : ( إذا تراكمت عليك الأعمال فلا تلتمس الروح في مدافعتها …)
الروحانية : تشتق من الروح ، وتعني ما يتعلق بالروح، تنسب –خطأ- للعالم السفلي والدجل والشعوذة ، كذلك الرُّوح يقولون – خطأ -مشروبات روحية .
الروحانية هي الإيمانيات ، وهي توجه أو اهتمام للإنسان نحو كل ما يتعلق بالأمور الروحانية المتعلقة بالروح .
تهتم الروحانية بالقيم الأبدية، و كل ما يمكن أن يفسر أو يشرح الطبيعة الكلية الكبرى للإنسان و الخلق و العالم ، لذلك فهي تقع على طرف نقيض مع الزمني الراهن ،و المادية الطبيعية .
وبضدها تتميز الأشياء، فالروحانية ضد المادية ، فالمادية تتعلق بالجسد الفيزيائي . فالمادة هي كل ما يشغل حيزا من الفراغ وله كتلة.
أما النفس فخلاف الروح ؛ لأن النفس تموت : ” كل نفس ذائقة الموت” الأنبياء 35 ،والنفس ليست كلها خيّرة، فهناك النفس الأمارة بالسوء ، ولكن الروح كلها خير.
وانطلاقا من الروح وسمو الإنسان ، فيمكنه أن يساهم ،و نقدم أفضل ما لديه للمجتمع من خلال تطبيق التعاليم على أرض الواقع؛ لأن التعاليم السماوية الإلهية التي تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى الأنبياء جميعا عليهم السلام ،وأمرنا الله بها وباتباعها ، ينبغي أن تتجسد فينا خلقا وسلوكا ، لما سئلت السيدة عائشة عن خلق النبي قالت كان خلقه القرآن، وهذا أبلغ تجسيد للقيم والأخلاق والتعاليم ، وهو أن تظهر في السلوك والتعامل .
مشكلة كثير من المتدينين تجد تدينهم شكليا ،لا يجاوز إلى دواخلهم ،أول ما يبدأ الإنسان برغبته في الالتزام تجده يبدأ بالشكل، فيقصر الرجل الثوب ويطيل اللحية، وتنتقب المرأة ، ولكن في الداخل هما الشخص القديم نفسه.
لا بد أن يبدأ التغيير من الداخل؛ حتى يكون حقيقيا ،ثم ينعكس على الخارج ، مثل البيضة كسرها من قبل الصوص من الداخل فيه حياة له ، لكن كسرها من الخارج فيه موت له.
كثيرون يهتمون بالصلاة، ويغفلون التعامل ، الدين المعاملة ، والخلق الحسن ،فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ أقربَكم منِّي مجلسًا أحاسنَكُم أخلاقًا…)
لاكتساب الطاقة الروحانية ينبغي علينا الإكثار من النوافل، فقد ورد في الحديث القدسي (إنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ ما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ فأكونُ أنا سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ ولسانُهُ الَّذي ينطقُ بِهِ وقلبُهُ الَّذي يعقلُ بِهِ فإذا دعاني أجبتُهُ وإذا سألني أعطيتُهُ وإذا استنصرني نصرتُهُ…)
كثير من الناس لمّا تضغط عليه الحياة المادية ، وخاصة في عصرنا الحالي ، غلاء وأزمات ومعاناة في كل شيء، فتجده يلجأ للعالم الروحي ، وترك ماديات الحياة ؛ لأنها ضغطت عليه وأرهقته ، ولم يقدر على التعاطي معها.
هذا اللجوء للروحانيات يكون على شكلين : شكل سيئ وشكل حسن ، السيئ يكون بالانجذاب، وترك الحياة والهروب من المسؤوليات وهذا خطأ .
لكن الحسن يكون باللجوء لله وللدين في جوانبه المحفزة للنفس الإنسانية الباعثة للتجلد والصبر.
فقد جاء الدين باحترام العقل ، ولم يلغ الإسلام العقل ، وإنما أعطاه دوره ، وكثيرة هي الآيات التي تحدثت عن العقل ومجدته : “لأولي الالباب”/ “لقوم يتفكرون” /” لقوم يعقلون”/” لعلهم يتفكرون” …
لكن الوعي المطلق لا ينبغي أن يكون على علاته وبدون حدود ، والتفكير المطلق يكون في المجالات التي يفلح فيها ، والتي خلق من أجلها ، فهناك مسلّمات لايمكن التفكير فيها مثل ذات الله ، مثل الموت …
الروح مخلوق من مخلوقات الله ولا نسنطيع إدراك كنهها ،فكيف بإدراك الخالق ؟؟؟
فلكل شيء مجاله ،وكل ميسر لما خلق له ؛ مثلا الخيل يقدر على العدو في الأرض، ولكنه لا يستطيع تسلق الجبال ، والغنم تفعل ذلك .
الإنسان المستنير روحانياً يعلو ويرتقي بنفسه ، وجسده أكثر، ، ثلاثة أشياء يمكن أن تكون انعكاساً للروح السامية التي يملكها الإنسان وهي : القناعات، والأفكار، والأخلاق.
يكون الإنسان مستنيرا روحانيا إذا عمل وبذل واجتهد ،وأخلص في تنفيذ تعاليم الدين ، ونجح في اكتساب مهارات جديدة.
وإذا أدى عباداته بإخلاص، وليس بتخلص ، إذا قرأ القرآن بتمعن وتدبر، وليس بعدد الصفحات ، ختمة قرآن واحدة في رمضان بتدبر أفضل من عشر ختمات بدون تدبر .
إذا كان رحيما بالإنسان والحيوان والحشرات والأشجار ، ولنا في رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المخلوقات أسوة حسنة ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” العالَمين جمع عالَم ، وكل ما سوى الله فهو عالم ، لا تقتصر رحمنه على الإنسان فقط.
كما ينبغي السعي لاكتساب مهارات جديدة ؛لأن المهارات هي استغلال للقدرات، و ممارسة للذوق وترتقي بالنفس الإنسانية، وتهذبها .
لابد أن يبحث عن موهبته وقدراته ،ويتلمس مواطنها ، ولو لم يجد، فليكن متذوقا للفن في شتى ضروبه. يبحث عن الفن الذي يحفز المشاعر ، ويحرك العواطف، لا الفن الذي يثير الشهوات والغرائز.
مظاهر الروح تكمن في القلب والعقل ولكل مقوماته: مقومات العقل العلوم والمعارف والواقع ، في حين تتمثل مقومات القلب في العواطف والمشاعر.
الذي يشبع الجسد هو الطعام والشراب والنوم، وهذه مقدور عليها، وهذه توجد لدى الحيوان، لكن الذي يميز الإنسان عن غيره هو الممارسات الروحية .
هناك ممارسات روحانية كثيرة جدا، لكن أتحدث عن الممارسات الروحانية التي تشبع الروح، وتكون غير معتادة ، ومنها الغفران، التسامح، التأمل، العطاء، الامتنان ، الوفاء ، تقدير الجمال ، تقدير الخدمة المقدمة، الشكر، وحب الخير وفعله، والرضا والتصالح مع الذات.. . وغيرها من الممارسات التي تمنح النفس الطاقة الإيجابية .
لو أخذنا مثالا بالعطاء فهو من الممارسات الروحانية المهمة ، ولو أدرك الإنسان قيمتها لسعى لاكتسابها وممارستها ، فليفرح الإنسان بالعطاء كما يفرح بالأخذ ، هذا الإنسان السامي روحيا الذي يتساوى لديه الأمران: حال أعطى، وحال أخذ ، ويكون كما قال الشاعر :
تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
فالإكثار من هذه الأفعال يشبع الروح ، ويقيم التوازن بين أفراد المجتمع ، ويكرس الاحترام بينهم.
أما العبادات ، فليس الهدف هو العبادة في حد ذاتها، فالله لا يريد منا جوعا وعطشا عند الصيام ،ولا سهرا وتعبا عند الصلاة، ولكن هذه العبادات لها غايات هي المقصودة ، ومن أبرز الغايات تهذيب الروح ، مثلا : الصلاة غايتها ترك الفحشاء والمنكر / الصوم غايته التقوى …
قال النبي صلى الله عليه وسلم : )لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) لا يمكن الوصول إلى المحبة العامة للإنسانية إلا إذا اهتم الجميع بالروحانيات بمفهومها السليم والصحيح الذي ذكرته سابقا وهو الإيمانيات.
الحواس لها حدود ، فالعين لا ترى كل شيء ولا ترى من كل المسافات ، والعقل لا يعي كل شيء لكن الروح هي التي تفهم وترى وتعي كل شيء ؛ فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
تطور معنى الروحانية وتوسع عبر الزمن، ويمكن العثور على دلالات مختلفة له ، لأن الإيمان هو عنوانها، وملمحها الفعال.
ينبغي أن يكون الإنسان متوازنا عقليًّا وروحيًّا ، إنسان مؤمن بالله ، ومؤمن بفلسفة الفعل والعمل، إنسان ليس همه حفظ أسماء المساجد في تاريخ الإسلام وكفى، بل إنسان يساهم في ترميم مسجد بلدته إن كان بحاجة إلى ذلك أيضًا، إنسان لا يكنفي بممارسة العبادات فقط، وإنما يسعى لأن يحقق غاياتها ، إنسان يسمو بجسده المادي ويحلق بروحه عاليا.

إنه حيوان له حق :
إنه حيوان له حق :
كيف للإنسان الذي يزعم أنه متميز بالعقل ! أن يحقد على حيوان بهيم تحركة حاجاته الضرورية ، وغريزته الحيوانية ..
في حادثة أليمة راح ضحيتها ذئب بشكل لايمت للأخلاق ، ولا للعقل بصلة..
فبعد أن دخل الذئب للحضيرة قتل عشر من الشياه ، وجرح عدد من الغنم .
استطاع صاحب الغنم أن يحتجز الذئب .
صاحب الغنم لم يقتل الذئب مباشرة قطعا لشره بل أطلق عليه مجموعة كلاب مدربة ، وقتلته بطريقة وحشية !..
هل فقد هذا الانسان عقله ليفرغ حقده ، وحنقه بهذا الحيوان؟ .
أم جمع كل الذئاب لترتدع عن غرائزها الطبيعية ؟ ألا يعلم هذا الإنسان أنه جارى أو ماثل الحيوانات في ممارسة غرائزها البهيميه!!!
إن الإنسان يجب أن يمارس إنسانيته في كل وقت ، ويرتقي بأخلاقه أعلى المراتب السامية ..
يُذكر أن عالما أو باحثا في الحياة البرية ! هاجمه دب كان يرعاه وتطلب الأمر أن يطلق النار عليه بكى ، وذرفت دموعه أن اضطر لقتل هذا الحيوان الذي لايعقل أضرارَ فعلته ..
ديننا الاسلامي لم يغفل ضبط سلوكيات البشر التي قد تجعله قريبا من الحيوان
فحرم قتل الحيوان عبثا وجعلِه نيشانا للرمي
وحرم لعن الحيوان ، ووجه إلى إحسان الذبح ، وعدم إرهاب الحيوان أو تخويفه عند الذبح..
وقد أخبرنا ديننا أن أُناسا دخلوا النار بسبب إساءتهم للحيوان ..
وقد شرع الفقهاء أحكاما تعزيرية للذين يسيئون للحيوانات بل هناك ابواب في كتب
الفقه لرعاية الحيوان ، والوقف عليها ..
ختاما كلما ترقى الانسان ! تعامل مع من حوله من بشر ، وحيوان ، وجماد بكل مسؤلية ، وأخلاق فاضلة ..

الطبيعة بين الصورة الشعرية وصور الميديا
حينما سألني صديق الشعر فقال : لماذا لم نعد نجد لدى الشعراء وصفاً للطبيعة في حين أن أجمل الشعر العربي القديم كان أغلبه في وصف الطبيعة ؟
تأملت مقالته وسؤاله ، وفتشت في ذاكرة الشعر الحديث ، وسألت قصائده وشعراءه ، فوجدت أن الشعر مرآة الحياة التي لاتخطئ مكامن الدهشة والجمال ، ومفتاح النفس ، وترجمان الروح ؛ وعندما كانت الحياة مرتبطة بالبيئة أشجارها وأنهارها وسهولها وجبالها وكان الشاعر يعيش لحظات الطبيعة البكر ، وتفاصيلها كان كل ذلك ينعكس على النص حين كتابته .
وأما في عصر الشاشة والإنترنت والتقنيات التي خطفت الناس إلى فضاءاتها وأبعدتهم عن منابع البيئة الطبيعية فلا بد أن نجد انعكاس ذلك واضحاً جلياً في العمل الأدبي وفي الشعر خصوصاً لأن الشاعر مرآة حساسة لواقعه وبيئته .
ومن جهة أخرى فأنا أعتقد أن الشاعر الحديث ، فقد الكثير من خصائص الشاعر الحقيقي ؛ فحينما نجد الشاعر الأول يصف ناقته وخيمته ومرابع صباه ويصف كل ماتصل له عينه بصدق وشفافية بل ويضخ فيها أنهار مشاعره وفيوضات نفسه ؛ فإننا لا نجد الشاعر الحديث يمارس نفس الدور ، فنجده منكفئا على خلجات نفسه وتهويمات خيالاته ، دون الهبوط للواقع ومحاولة شعرنته كما فعل السابقون ، و كل هذا لأسباب لعل من أهمها :
أن الصورة الشعرية أصبحت أقل تأثيرا في ضوء الميديا الحديثة ، فالشاعر الذي كان يضرب في الصحراء ، وعبر بيئته ، ثم يعود ليقول عن مغامراته فيبهر المتلقي بكمية هائلة من الصور الشعرية ؛ أصبح الآن وأمام فتنة الميديا لا يجد مايبهر المتلقي ، فعزف عن التصوير المباشر وأخذ يغوص وراء استكناه الغامض ، وتقليب خلجات الشعور ، وباتت الصور الشعورية أكثر حضوراً من الصور الواقعية ، بل وأصبحت المباشرة تهمة ينفر منها الشعراء . ولا أعلم هل اقتنع صاحبي بما قلت ، أم أنه غاص في كتب الشعر القديم باحثاً عن تصوير للطبيعة يروق له أن يتلمسه في صورة شعرية .