عندما يأتي موعدٌ الرحيل غيرِ المعلوم وتُبْعثُ أرواحنا إلى السَّماء، ناضِلوا إلى حِينها أن تعودَ كما أعطيت لأَجسادنا، طيبة، صالحة، غنيَّةٌ ببديع صُنع الرؤوف، خفيفة، طاهرة، غيرُ مسمومة، مُهترِئة، مليئةٌ بالخدوش.
استحضارُ قدسيَّة الروح في المعنى الديني والإنساني التي بها قوامُ الحياة وبزوالها تزول، يهيئُنا لترتيب الفوضى التي مكثنا فيها طويلاً ، وأن نَرحل بعيداً عمَّا يَدُسُّ إلى أرواحِنا سُّم الخطيئة. تحوُّل الروح لتكون وحشية بقولٍ أو فِعلٍ تنقادُ بسرعةٍ نحو الهوى العابر واللّذة غير المستدامة هو نتيجة متوقعةٌ لمن وقع في قوقعةِ الهوس، الحسد، الغيرة، الأكاذيب، الأوهام، الأخلاق السيئة، التَّديُّن الزائِف، و الفِتن المُضلة…كل هذه مُفسداتٌ لقدسيَتُها.
البؤرة السوداء أياً كان مجالها عندما تقع النفس بها ستصبح عميقة أكبر مما نتصور، ولا تقع إلا عندما تُسلبُ منها أوجهة السلام، ويُرمى بها نحوَ الفساد. إنقادت الحروب بأشكالها إلى الأرواح وكأن الروح لا شيء… أتساءل أين ذهبت أحاسيس القلوب، ومتى توقفت العقول عن التَّفكر، وكيف مات الضمير؟؟؟
أرواحنا تُرفع إلى الأعلى، إلى سماء الرب ولهذا عظمةٌ تستحق منا أن نحييها حياة طيبة، وننبذ كل ما يضرُّ بها وندفعها جهاداً إلى الحسنى التي لا شك أنها ستزهوا بذلك. النَّفسٌ التي نعيشٌ بها هي كذلك تعيشُ بِنا، فلذلك تأملٌ يجعل كلٍ منا على حدة يُفكِّر ويتأمل عندما ترحلُ إلى خالقها كيف ستكون حينئذٍ!!؟
لنستوصي خيراً بها:
الروح نِعمة، ووجه حقيقيٌّ لنا، لا تستحق سوى الحماية والحرص والأمان،
تخليصِها من آثارٍ بقيت وتنقيتها من ما يشُوبها هو الفضيلةُ التي ربما فُقدت
عند البعض، ويكادُ أن يتجرد منها وكأن الروح لا تلزمهُ. تحتاج أرواحنا على الدوام
النوايا المحمَّلةُ بالخير من غير تصنُّع، وأن تُضاء حبّاً وقرباً من بارِئها. لنتآلف مع طبيعة أرواحنا وفطرتِها السليمة ونرسيها على برِّ الأمان فتكون مُسالمة توابةٌ.
غيرُ معصومين عن الخطأ نحنُ، ولكننا نملك خيارَ العودة في حين ميولِ النفس إلى ما ينتهكُ حُرمتُها ويجعلها مُعتمة.
الضَّلالة بحد ذاتها مريعة، فلنكن على حذرٍ أن نقع في شِباكِها وأن ننقاد إليها، فتفسِد أرواحٌنا وتذبل. للهداية و الضلالة سبيلان مختلفان وواضحان بوجهاتهم العديدة، ومن يرجوا أن تُعمر نفسهُ بالهدى فليتبع سبيل الرُّشد والنجاة وليتخذ من الإنابة والرجاء دافعٌ لذلك. أقفلوا أبواب الضلالة عن أرواحكم بسُبلها كافة وأنقذوها من أن تغرق في عواقبها.
دعُونا لا نعتاد على ظُلمها، تهديدها، تعذيبها،وتشويه الصورة الكريمة التي وُجدنا بها، أوحتى تزييفها بما لا يليق بها ونتجنَّب أن نُعَكِّرُ صَفوها بما يسيء إليها وهي تنبض بالحياةِ فينا. لِنجعلها في ودائع الله من الأذى والشرور، وأن لا تحمل مالا تطيق، وأن لا يسكنُ فيها من الحسد والحقد والكراهية شيء. كلما جفت نرويها بالِّذكر الطيب والأفعالُ الحسنة. نُحصنها من أن تلجأ إلى ساحةِ النفاق، نجعلها محميةً من أن يسودُها الظلام، ونصَلِّي مراراً من أجل أن تُنزع عنها وساوس مؤقتة سوداوية تُغرقها ولا تنجيها.
أحفُّوا الروح بالدعاء لتأتيها الهداية التي نرجوها بكل صلاة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، من أجلِ أن يرسُخُ فيها السلام وتسلك طريق الإستقامة فتمر من غير ضرر ولا ضرار. اعتنوا بالأرواح إنها هبة من الرحمن؛ وبرِّئوها من الظلمات.
أرجوا أن تزول المعاداة من روح لروحٍ أخرى، وتنقضي مساحات الحرب فيها، أَدعوا الله أن نودع الحياة بصفحات بيضاء نقية، وأن يقودنا حيثُ الصلاح في الأعمال والأقوال وفي السريرة، أدعوا الله أن يبعثنا إليه صالحين مطمئِنين بنفوسِ مَرضِّية.
6336