مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
الكلمات حمامة سلام يستجوبها القارئ بين مفاهيم المعاني التي تسكن الورق وتدور حول حماها تلاوين الفكرة ومستوى قوتها ..
فلماذا لا نصبح قراء ؟!
لماذا لا نملك مملكة من الشغف المعرفي ..
نتداول حينها الحقائق والآراء، نغوص بالفكره التي تنضج على مدافئ الكتب الوقادة، بين حميمية الروح، واحتياج عقلي متدفق ،وتخطيط يكتمل بين النفس والروح والعقل المتمعن في روائع البوح الابداعي …؟!
لماذا لانكون غرقى في عمق النص بغض النظر عن ظاهره الذي يشكله القارئ بجدوى أو بدون جدوى،
لأن العمق هو المحراب الحقيقي للعاطفة الصادقة بين الحرقة والألم ، والهوان والضعف ، والحب واللاحب فالعاطفة الصادقة هي جوهر خلود الفكرة، إن لم يكن جوهر خلود النص ذاته، فالدافع الفكري يكون رحِماً أصيلاً بين القارئ وبين ما يقرأ ،بالإضافة إلى القوة التخيلية التي يعيشها القارئ في رحم الموضوع تبعث فيه النشوة القرائية في كل مرة حتى ينضج الإبداع من فوهة الاستمرارية المتقدة..
فعليك عزيزي القارئ أن تعيش النص كروح مغامر، أدرك نبوغ الفكرة وحصاد المعنى الأخير، دون تلطيخ للأحاسيس بأي مزمار حاول سرقتنا لمعنى آخر، أو لفكرة لم ينسجها الكاتب بروح النص .
وأجد في رمزية بعض الكُتّاب سواحل لتفكيك المهموز منها والمرموز والمعمور والمهدوم، نقف عليها كقراء حقيقين، ونقاد خفيين، نصفق لأنفسنا نهاية كل رمز استطعنا فهمه وتفكيكه، ليجري بنا عبر البحر الفكري متراقصاً يستلذُّ بالمشهد الأخير للمعنى ،وطريقته في تركيب الفن ..
وخلال رعايتنا للكتب، علينا أن نتجاوز تلك النصوص التي تحمل الوجه المشوه بنظرياته المنفية ،بين كان وهذا ،والتي تحمل صورة سطحية في اختيار الفكرة والكلمة المتصدية من وعثاء اللامكان ..
قال سارتر: “إن الإنسان هو دائماً سارد الحكايات هو يعيش محاطاً بقصصه وقصص الآخرين”
فأكثر الروايات التي نقرأها اليوم هي نتاج قصة، قد تكون بذرتها من الواقع ولكن متى ترتوي بالإبداع ؟!
إذا زاوجها الكاتب بالخيال، ومحاورة الأكوان المضلعة في فضاء الرواية، حتى تسمع صوت الكلمات وهي تتأرجح بين الحقيقة واللاحقيقة، تهمز مرة وترمز مرة، وتعيش حكاية طويلة تعتقد أنك بطلها ..
فالغرق في الكتاب إغراء فكري تعتكف بداخله كلُّ الحواس .
فالقارئ الحقيقي لا تهزمه الكلمات ، ولاتهزمه النصوص، لاتهزمه وقائع المعنى ولاعواقر الرموز .
القارئ الحقيقي هو الذي يتسلل لنص كمسافر، احتاج الراحة ولايجد أنفاسه إلا بين الورق، وروائح الإبداع.
وهو الذي يحمل بداخله طموحاً متوثباً للقراءات المستمره وامتلاك أكبر قدر من المعارف والمعلومات، بعيداً عن ثرثرة الحشو التي يمتلكها بعض الكُتّاب، ولا تتعدَّى أكثر من إجهاد روح ،وإضاعة وقت، بين سطحية الفكر والمعنى ،
من هنا أبعث تحيتي للقارئ الذي يجيد الغرق بشغف..
يعلو مؤخرًا خطاب الفردانية، وتضخيم الأنانية، والنزعة إلى تهميش العلاقات الاجتماعية ،ونبذها بحجة التخلص من العلاقات الضارة!
الضرر الحاصل هو تمرير مثل هذه الأفكار، والعمل على تكريس مفاهيم الفردانية، أو الفردية في محاولة تقويض العلاقات وهدمها مما ينبئ عن مأزق قادم يلقي بظلاله على التماسك الاجتماعي، وبوادره قد بدأت تتشكل في محيطنا الداخلي!
من المؤسف أن هناك جيلًا ضعيفًا وهشًا دفعه إحباطه ويأسه وتحطم آماله إلى إرخاء سمعه لأصحاب العلاج بالطاقة، ومن سار على نهجهم من أصحاب تطوير الذات الذين ينفخونه حتى يغدو مثل كيس الهواء؛ مرة بالتفاؤل المفرط وتضخيم الأنا، ومرة بالتخيل العلاجي الذي لا معنى له ولا يقره حتى الأطباء النفسيين، تطويرهم في غالبيته «وهم» لا يحدثه عن الواقع الذي يعيش في تحدياته المستمرة!
قال عن كتبهم الشيخ الأديب عبدالله الهدلق “إنها موضة معرفية وارتزاق على وهن الإرادة”.
في ظل التشويش القائم بين العلاقات الضارة أو ما تسمى بالسامة والتي بالفعل تستنزف وقتك وجهدك، وتبقيك في دائرة الاستغلال؛ عائد لقبولك واستسلامك لا أكثر، وبين علاقاتك الاجتماعية الطبيعية التي يعتريها النقص، وأنها تمرض بالخلافات، وتطيب بالاعتذار، ويلزمها مهارة تحديد المسافات لكنها في المجمل علاقة طبيعية مستقرة، الدعوة لقطع أي علاقة مهما كانت والتملص منها؛ مرجعه اهتزاز الثقة بالنفس، وانخفاض مستوى القدرة على المقاومة وتخطي الأزمات.
الخطاب الداعي للفردية خطاب مستقى من الثقافة الغربية التي تقوم على الرأسمالية، وفكرة بقائها مرتبط بتفتيت المجتمعات، وتغليب المادة وتسليع كل شيء، وللكاتب جميل الرويلي معنى دقيق يصف ذلك في كتابه على خط الإنتاج يقول فيه: «في المجتمعات مصب اهتمام الرأسمالية قبل دخول الدولار إليها لا بد من القضاء على معوقات التلاعب باهتمامات المجتمع وتعطيل كل العلاقات التكافلية فيه التي تجعله أقل اعتماداً على المال.
فللرأسمالية طقوس ستلاحظها، ستلاحظ انبعاث حالة من الفوضى الاجتماعية على مستوى الأفكار والسلوك يصاحبها زخم إعلامي هائل يهدف لفصل كل شيء عن الآخر ويدعو للإعلاء من روح الفردانية الأنانية والتحرر من القيود واحتقار الماضي، والانقضاض على النقاط المرجعية في الوعي الجمعي وتدميرها، وستجد أن كل ذلك يحدث بطريقة ممنهجة وخطوات يتم تبريرها بشكل دعائي ناعم».
من أبرز ما يقوض تماسك المجتمعات والقيم المشتركة وسائل التواصل باعتبارها مصدر المعرفة الوحيد عند المتلقي الجاهز للقولبة حين تعزز من مفهوم الأنانية لدى الفرد، وتعمل على إظهار التقدير المبالغ للذات، وهذا استنزاف نفسي مهلك، وخلل يهدد استدامة العلاقات بسبب ما يسمى بالاستحقاق!
السعي المتطرف الذي رسخه كثرة التكرار والمتابعة كانت نتيجته تغذية النفس بالمركزية، وتكريس فكرة الاستحقاق، لتبرز مثل هذه السلوكيات وتجنح بالفرد نحو الوحدة والانعزال، هذا البحث المستميت في حب الذات سيولد مشاعر كره ورغبة في التجنب، ولن تدوم العلاقات مهما كانت وثيقة.
الإيمان بأنه يمكن الاستغناء عن الناس مطلب عسير لا يتأتى لكل أحد ولو سلمنا به؛ يشترط في عدم مخالطتهم اعتزالهم حتى من الوسائل نفسها، وسيكون بالتأكيد مدخل ينتهي بنا إلى الجنون!
ربما كان من الأفضل ألا تحرص كثيرًا على تنفيذ مثل هذه الأفكار التي تمزق النسيج الاجتماعي، وتسعى لتمجيد الذات وإهمال ما تمليه عليك فطرتك، فما من إنسان إلا ويحتاج إلى من يقاسمه حزنه وفرحه، من يشعره بالاتزان النفسي والعاطفي، من يؤازره ويدعمه، هذا التكاتف الاجتماعي جزء من قيمنا وأخلاقنا، وأصل في شريعتنا الإسلامية المطهرة.
قرأت في إحدى الصحف خبرا يقول <إن بناء أحدهم يكاد يسقط .. انتهى الخبر أو كاد .. توقفت طويلا أمام كلمة بناء ، هذه الكلمة التي تبدأ بحرف الباء ذلك الحرف الانفجاري القوي قوة البناء ،يتلوه حرف النون المتناغم تناغم البناء ، يتوسطها حرف الألف الممدودة التي تشير إلى علو البناء وشموخه ، ثم تنتهي بحرف الهمزة المتطرفة الثابته التي تدل على ثبات البناء وتماسكه . توقفت أخرى ، فوجدت أنه كلما كان البناء ثابتا في أساساته ، متماسكا في أركانه ، زاهيا في ألوانه دل ذلك على مدى تفوق الباني وحسن درايته . وبالتالي ينال الرضا عن نفسه والحظوة عند غيره . كان كلامنا فيما سبق مُنصبًّا على البناء بمفهومه المادي ، فإذا ماانتقلنا إلى الجانب الآخر من الكلمة ، ألفينا بناء ذا طابع خاص إنه بناء شاق ممتع ، إنه بناء الإنسان . ومن أهم من تصدّى لهذا النوع من البناء أناسٌ بذلوا أنفسهم فداءً وفكرهم عطاءً لهذا البناء إن دور المعلم لايقتصر على المعلومة داخل حجرة الصف أو خارجها بل إن دوره الحق هو تأسيس معاني سامية وأفكارا جليلة في نفوس تلاميذه ،هي في مجملها معاني الحياة التي ننشدها ؛ ليستطيع الطالب -إذا ماخرج إلى العالم- أن يجابه الأفكار الدخيلة ،ويميز بين الغث والسمين بفكر نير وبصيرة نافذة ،وبالتالي يحيا كما أراد له خالقه . ولو دققنا النظر أخرى لوجدنا بناة أفذاذا عظماء بنوا الإنسانية في مهدها الأول ، ونشروا السلام والعدل والخير بين أبناء البشرية جمعاء. وأعني بهم الأنبياء عليهم أفضل صلاة وأتم سلام . إلى أن جاء أعظم بانٍ عرفته البشرية جميعها فكان بناؤه بحق أمثل بناء ؛ لأنه بناء رباني خالص ، لهذا تكفل له الله جل شأنه بالصمود والدوام وإن هبت الأعاصير ، أوزمجرت أنواء الزمان . وصدق معلم البشرية حين قال :- (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) .
صنعتُ كوباً من القهوة السعودية بنفسي ، وأخذتُ كتاباً من مكتبتي الصغيرة الجميلة ، ومعه قلم الرصاص ، ونفضتُ عنه غبار البعد بعدما هجرتها زمناً وجلستُ اتأمّلُّ بعمق وهدوء صفحاته وامسكها بيديّ واشمُّ رائحتها النفّاثة القديمة وهي تصنع بلطف رائحة الثقافة وقيمة الكتاب ، وقد مُزِجت برائحة قهوتي ، واحتسيتُ رشفةً سريعةً ، بعدما قرأت ما شاء لي منه أن اقرأ منه وأغمضتُ عينيّ للحلم للعمر للحاضر للمستقبل ، والعصافير تغرّد للصباح في شجرة الياسمين التي تظّلُ بيتنا ، والشمس تتخلل أوراقها ، وتلاعب الغيم ونسمات الشتاء قادمة من بعيد ، فاستنشقُ الهواء العليل ، وهو يكتب فصلاً جديداً في فلسفة الحياة ، وقمتُ أُسقي وردات الشرفات العالية ، وزهور الأحواض الرائعة أذكر الله وأصلي وأسبح باسم ربي العظيم ، وأسلّم على والدتي عند كل صباح ، واحدثها ، وتحدثني طويلاً فلا نكاد نفترق ، وكأنها عادت لنا ذكرياتنا ، وعدتُ طفلةً أعشق كل تفاصيل الحياة ، ومن هذه اللحظة لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تستهويني كثيراً وهجرتها زمناً بعدما شعرتُ بأن الحياة بعيداً عنها أجمل بكثير من حياتها الافتراضية التي فرضها إيقاع الزمن المتسارع ، وعدتُ لحياتي ، وهوياتي من قراءة الكتب وكتابة القصص ونصوص المسرحية ، والمقالات وعدتُ لرياضة المشي ، وعدتُ لمكتبتي وأوراقي وأفلامي وذكرياتي وأحلامي ومشاريعي الصغيرة وانجازاتي التي تحققت والتي لم تتحقق ؟!
ما أجمل أن يعيش الإنسان تجربة ذاتية جديدة يشعر معها بالتغيير والراحة التي سلبتها وسائل التواصل !
ويبتعد عنها فترة ليست محدودة بوقت أو بزمن ، ويعود لنفسه وحياته التي فقدها بسبب تسويفه الطويل ، ولهثه خلف عوالم التقنية التي لا فائدة من التعمّق فيها إلا اضاعة للجهد والوقت للأسف ؟!
لكل شخص فينا فلسفته الذاتية المبنية على قناعات شخصية ودراية ومعرفة بذاتنا وهي ركن أساسي في تلك الفلسفة الذاتية ، فنحن في العادة نقرر ما نريد من الحياة بعد تفكير عميق ويكون ذلك مرتبطًا بطبيعة البيئات التي ننتمي إليها ونوع الثقافة التي نحملها إضافة إلى مدى رغبتنا في معارف جديدة وبناء قناعات لم نكن نعرفها سابقاً ، فكل ما سبق هو جزء من فلسفاتنا الخاصة والتي تعني أننا نعيش وفقًا لهذا النمط دون غيره وهذا ما يدفعنا هنا للتعرف على فلسفة الحياة اليومية وضرورتها في حياتنا من خلال التعرف على أهم ما يجب أن نقوم به كي نستطيع بناء فلسفاتنا الخاصة بنا ، وليس من الضروري أن تعجب البعض ولا تعجب البعض الآخر فالحياة مبنية على الاحترام وإن أختلف أطرافها .
فكرة أخيرة :
الكثير من رسائل العتب من الصديقات والقريبات والأخوات على هاتفي بعد عودتي ولهن حق العتب وحق الرضا ولكنها فلسفة الحياة والعودة للذات .