مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
في عام ١٤٣٩ هجري تمّ نقلي من رجال ألمع إلى الابتدائية الثالثة عشرة بأبها، بعد طول انتظار، وفي يوم مباشرتي لمدرستي الجديدة تأنقت وانطلقت إليها باكرة، دخلت المدرسة مُنتشية كفراشة تطير لا إنسانة على الأرض تسير، تسلّمت مهام عملي؛ حيث أُسندت إليّ أعمال النشاط، تعرفت على بعض الزميلات المتواجدات حولنا، ومن ثمّ أخذتني المديرة المؤقتة “صفية حجازي” إلى مكتبي في مكتب الوكيلة المسؤولة عني وفيه عدد من مكاتب الزميلات، وهنا كانت المفاجأة، أو ربما من هولها قد أسميها فاجعة لرهبتها تعددت أساميها، واختلفت معانيها باختلاف مشاعري حينها وتلوّن وجهي خجلًت ممن رأيت في المكتب، لا أعلم ماذا أقول ؟!
فقد تملكتني الدهشة والحيرة في وصف ملامحها التي طمستها صدمتي فيها، فحبّي لها أيضًا كان حاضرًا بقوة.. هناك صوت بداخلي يناجيها، أيُعقل أن تصبح (معلمتي)
وأنا في الصف الأول متوسط زميلتي .. ؟
معلمتي (صالحة هادي) .. كيف لا .. ؟
لا أحتمل .. وماذا عساني بربكم أُناديها ؟
فأنا .. من جيل (احترام المعلمة) .. وأخجل حتى من الحديث معها .. فمابالكم بالجلوس إلى جوارها في مكتبٍ واحد، مستحيل .. !!!!
أن يكون هذا أمرًا يمر مرور الكرام؟!
توقفت .. تجمدت مكاني لدقيقة، ثم اقتربت منها على استحياء، بخطى متثاقلة، فلا بد أن أسلم عليها، ولكنها أمٌ رؤم، بادرت هي لعلمها بمدى تأدبي في حضرتها، عندما كنت أقابلها هي وباقي معلماتي في المناسبات العامة في مدينة أبها، وأخذتني بالأحضان، ورحبت بي، وأثنت، وقالت للمديرة ولمن حولنا، هذه طالبتي النجيبة، حينها هدأت قليلًا، ولكن عادت نفسي تُحدثني .. كيف سنعمل سويًا في مكتبٍ واحد ..؟
هذا ما لا أستطيع عليه صبرًا، فإلى أين المفر ياربي ..!!
وبدأت من لحظتها في صراع الخجل من معلمتي، التي أوشكت على التقاعد في السن النظامي، نجحت في اليوم الأول واستطعت الهروب منها، وتذرعت بأني أرغب في التعرف على مرافق المدرسة، وفي اليوم الثاني قلت سأتعرف على الكادر التعليمي والإداري، وفي اليوم الذي يليه أصبحت أبحث لي عن أعذار وأعذار لكي أتجنب تواجدي معها في المكتب بشكل مباشر، حتى لا يدور بيننا حديث، وأضطرُّ لرفع عيني في عينيها الحنونة، فأتلعثم ولا أكاد أبيّن، وتتهاوى أفكاري، وتختل أركاني، ويمر شريط أيام دراستي في المرحلة المتوسطة، كأنه يحدث للتو واللحظة، أسمع نغمات صوتها وهي تشرح الدرس بكل حرص، وأغمض عيني فأراها تمر بين الصفوف تصحح الدفاتر، مرت الأيام تلو الأيام، وأصبح لي في كل يوم حجة جديدة يتم الإعداد لها كتحضير الدروس، إلى أن جاء اليوم المحتوم، وكان وقت الفطور، حيث كنت قد عودتها بالهروب بحجة أنني أعمل على إنقاص وزني، فقالت أي رجيم هذا الذي لم يُبقِ منك ولم يذر، وأمسكت بي أمام الجميع من كتفي، واستدارتني قائلة:
لماذا تهربين مني يابنتي ..؟
قلت أنا لا أهرب منك .. لكن عملي كثير، وأحتاج إلى كل دقيقة من وقتي فأعمال النشاط لا تنتهي، فأعادت عليّ نفس السؤال وقالت اصدقيني القول !!
فقلت:
أنا أخجل منك .. نعم أخجل .. فأنتِ معلمتي، وأنا لا أتخيَّل نفسي، وأنا أتعامل معك بكل بساطة كزميلة مثل أي زميلة، أتكلم معها، وأمازحها، وأشرب معها القهوة والشاي، لأن لكِ مكانة خاصة واحترام وتقدير كمعلمتي الموقّرة فلايمكن أن تتغيَّر، وطأطأت رأسي وقلتُ لها:
والله يا أبلة صالحة حاولت مرارًا وتكرارًا ولم أتمكن؟!
ولم أستطع تغيير نفسي وطبعي فالأمر أصعب بكثير مما تتخيلين، أنا يا أبلة صالحة من جيل احترام المعلمات لعلّك تعذريني.
المجتمع حراك يومي يسير بشكل عفوي نحو الصباحات المليئة بالكفاح والأخبار المتنوعة والأحداث المتعاقبة والمتلاحقة والأصوات والشخصيات ومنحتنا بعداً ثقافياً متنوعاً وقراءة جيدة للمجتمع من حولنا ..!
وحين تقف للحظة تأمل ستجد نفسك في رواية الحياة المتكررة وفي ذات العجلة وإن تباعدت بينها الأزمان وجددتها ولمّعتها التقنية فحواها البحث عن لقمة العيش أو البحث عن جديد يستجدي ماضيه التليد حين تصعب عليه مسألة في رياضيات الحاضر أو كباحث يقرأ تاريخ العصر بذاكرة شيخ مسن يمتطي خياله نحو قصيدة يجترها حين هربت عصاه منه في شرفات قصر عتيق، أو جدتي التي صبت جام غضبها على الجيل الجديد وثقافته وكيفية تعاطيه مع جديد التقنية وإن كان جميلاً جذّاباً وابتعادهم أو ابتعادهن عن جلسات العائلة وبعفويتها وصفت الواتس آببأنه ” تيس أب ” يفرض شخصيته على جميع القطيع ويفرض طقوسه الحادة ودكتاتوريته وإن أضحت إدماناً لدى الكثير منا فضلاً عن شبابنا وبناتنا بل وغزت الكبار والصغار والرجال والنساء فلا تكاد تمد بعينيك إلا وترى السيد الواتسآب عند الإشارات، وفي الأسواق، والمجالس والمناسبات وذاك الذي يذم السيد العزيز واتس آب وفجأة رسالة تصرخ السيد واتس آب في جواله كالنكتة أو الطرفة التي كانت تلقى في الطرقات والمقاهي الشعبية وتلقفتها الآفاق والقفار والأمصار هي نفسها نكتة أو طرفة الحاضر في الواتس آب ؛ كي تتندر على واقعها وإن كان مؤلماً مريراً صديقنا الجديد ذو جذور موغلة في القدم فهو من أصول كبائن الهاتف وتليفون الثابت والتلفاز والراديو والمحطات الفضائية والجوال في شكله القديم ورسائله النصية أو الوسائطية وصراع القديم والجديد وإسقاطات الماضي بكل وصائيته ورفض كل جديد ومحاولات التقزيم والتشويه لكل جديد قادم !!
السيد الغالي واتس آب هو نقلة نوعية في حاضرنا وهو لغة تواصل سريعة وخفيفة ولذيذة بين الأسرة، والأصدقاء قريباً أو بعيداً هو ثقافة جيل ثقافة جديدة تجعلك في الحدث دوماً وفي العالم باستمرار بل تطور مجتمعنا السعودي إلى المشهد الإعلامي بشكل كبير وأصبح أكثر إلماما من ذي قبل وصاحب رؤية نقدية وأكثر قراءة واطلاعاً وتفاعلاً مع الإعلام ويساهم في انتشاره وتوسعه الكبير وهذا ما جعل الكثير يمارس النظرة التطبيقية بين ما يطرح وما يراه وما سيكتبه وهذه قمة التواصل والفائدة الكبرى ناهيك عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في هذا التفاعل الكبير وإن كان هذا على حساب الأسرة وعلاقتها الوطيدة بأبنائها وبناتها على حد السواء وهذا ما كانت ترفضه جدتي جملة وتفصيلاً .
ومضة :
تطبيق الواتس آب مازال منصدراً لكل وسائل التواصل رغم حضور الكثير من التطبيقات .
أؤمن أن الحزن هو المعادل الموضوعيّ للإنسان، فالإنسان بلا أحزان كائن بلا حياة، وأؤمن أنّ الحزن أحياناً احتياج لأنفسنا كي نخلع آثامنا على عتبات الشّعور النبيل، وليس كلّ إنسان يستشعر تلك النّغزات الّتي يفعلها سنان الحزن في القلوب، فقط من له قلب حيّ يفعل.
طرق الخريف الباب وفي يده كتاب يصبغ الأوراق والحياة بلون أصفر قاتم، وربما حملنا لنا مع هبوب الرّياح ذرّات رماد تقذي العيون وتستسقي الدّموع.
في كثير من الأوقات أجد كلّ جزء في تكويني يبكي, وله لغة بكاء تختلف عن بكاء العيون. في بعض الأوقات أشعر أنّ خطوات قدمي فيها بكاء أثناء التصاقها بالأرض، ولا تريد الانتقال إلى ما بعدها، وربما حتَّى فكرتي تستعصي عليّ، وتخلق لنفسها زاويةً بعيد تنشّج فيها، وتحلّق في سماء من دموع..
لا أحد يحبّ قراءة الحزن، لكنّ الحزن ضرورة لنعيد ترتيب اهتماماتنا، ونستعيد تصنيف أنفسنا بعيداً عن المزيج أو بعيداً عن المحيط.
أو لنعرف لذّة الفرح، فكيف لنا أن نتذوّق الفرح ولم يسكن الحزن قلوبنا؟ فالضّد يظهر حسنه الضّد،كما قال دوقلة المنْبِجيّ في قصيدة (اليتيمة):ضدّان لما استجمعا حسناً ..
والضد يظهر حسنه الضد.
لن يكون للفرح بهجته وجماله إلا بعد حزمة من الحزن؛ تمد بها يد الأيَّام المتشقّقة الجافّة، ولابد لنا من تناول تلك الجرعة وابتلاعها حتَّى تستقر في أقاصي القلب، والعجيب أنّ شعور الحزن يمكث طويلاً، بل يتحول إلى خيوط تغلّف كلماتنا وتصبغ عباراتنا وترسم هلالاً على شفاهنا، فمهما حاولنا التّجلّد أمام الآخرين يبقى للحزن لمحة على المحيّا، وانطفاء على نبرات الصَّوت، ورسول على جناح النّظرات الهائمة في المدى.
قال الشّاعر أبو ذؤيب الهذلي:
وتجلّدي للشّامتين أريهمُ
أنّي لريب الدّهر لا أتضعضع
وإذا المنّية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
وللحزن أنياب تنشب في شغاف القلب ويصعب أن تزول آثارها، ولابد من أجراس في منعطفات الأيَّام تهتزّ فتحرك الدّماء الكامنة في أقاصي القلب، والخوف أن يكون الحزن تعوّد يعتاد عليه الإنسان فلا يرغب في الابتعاد عن مساحته، ويكون قيد يلتفّ حول خطواته، وينغرس بوتد في عمق الأرض فيشيخ ذلك الإنسان وهو في مقتبل العمر.
قال المتنبّي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً
وحسب بالمنايا أن يكنُّ أمانيا.
ربما سيطر الحزن حتَّى أصبح الدّواء هو الموت, وأصبحت المنيّة أمنيةً.
وغالباً يرتبط الحزن الشفيف النبيل بالحب رغم أنه يفترض بالحب أن يكون حالة تغذية للمشاعر السامية والأحاسيس الرقيقة والفضائل النبيلة لكن الصحبة التي تربط الحب بالقلق والشوق والحنين والخشية على تقلص شعور الحب لدى أحد أطرافه تخلق حالة حزن ولذلك ترى النبلاء والمترفين عليهم مسحات الحزن ثم يخلق سؤال لدى الفقراء ؛ لماذا يحزن الأغنياء؟ وهذا لا يعني أن الفقراء لا يلامسهم الحب، أنتهت المقالة ولا زال السؤال الذي بلا إجابة لأن الإجابة نسبية .. إلام الأسر والدنيا لديَّ (الأطلال /إبراهيم ناجي)
وسيرة الشاعر البدر سيرة حافلة بالإنجازات الحضارية؛ سيرة متعددة الجوانب؛ تكاد تتجاوز حدود الخيال ؛وتحتاج إلى العديد من المقالات ؛وسيظل من منارات مملكتنا الحبيبة ومن الأعلام الكبار النادرين الذين نعتز بهم في كل زمان ومكان..
لقد ارتبط انسان الجزيرة العربية بربّه وتشرب الايمان بخالقه وتوارث حسن الولاء والطاعة ومكارم الاخلاق وعاش طوال حياته مقدسا لدينه ومنحازا لوطنه، عصيّا على الذوبان والهوان فلا عجب ان تكون لديه الجاهزية للموت والفناء دفاعا عن مقدساته .. وهذا ما يجسده هذا النص ويعبر عنه ويمثّله خير تمثيل ..(عبدالحميد عطيف)