حديثي موجه للآباء والأمهات، وإليك أنت أيها الجيل القادم من قادة المستقبل، حديث محب ومخلص يتلخص في أساليب تربوية، هي عندي من المواضيع الحساسة التي كنت أرغب في الإشارة إليها في وقت سابق لكني دائما أقابلها بالتسويف حتى لم يعد التأخير خيارا، هي ربما تكون من المفاهيم الحياتية والتي يراها بعض المربون لا تستوجب التنبيه وأحسب أن الأمثال في واقعنا لا حصر لها!
ظاهره يوحي بالوداعة واللطف، أما باطنه فإنه ينبئ عن شرير مقيم وطاغية مستبد، رأيناه في كامل خلقته حين انتفخت أوداجه، وحملقت عيناه بشدة في طفله الذي لا يتجاوز الخامسة من عمره، وكأنه محارب يتأهب للقتال ضد أعزل أو كأسد يوشك أن ينقض على فريسة! السبب الذي دعاه ليوقظ الوحش الكامن في أعماقه هو أن الطفل في منتهى البراءة والصفاء سبقه بالدخول للمجلس!
من الطبيعي أن يكون هذا تصرف طفل لم يبلغ سن التمييز بعد، أيها الصغير أعانك الله على ما ستلاقيه في قادم الأيام.
ما أكثر الآباء الذين لا يحسنون التربية ويعتقدون أن التربية بالخوف ناجحة وهذا الجهل بعينه، بل إنها تجعل الطفل يخاف حتى من الصواب، ينشأ مهزوز الثقة، متردد في قراراته، ضعيف الشخصية، وكله نتيجة فشل الأب في التربية التي كان من المفترض أن يحنو عليه ويراعيه ويوجهه، كما جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه».
في الجانب الآخر عكس القسوة في التعامل إنه فرط الرعاية والخوف الغير مبرر على الشاب أو الفتاة من مجابهة الحياة، وكأنهم بلا شخصيات تبرز قدراتهم حتى أصبح الواحد منهم لا يعرف كيف ينظم حياته ويرتب أولوياته لوحده، اللوم أيها الآباء للأسف يقع عليكم فلقد دمرتم شخصياتهم لدرجة أنهم يتكلون عليكم حتى في فتح حساب بنكي بحجة أنهم لا يعرفون كيف يقفون في الصف أو كيف يتخاطبون مع الموظف، اتركوهم للخطأ مرة ومرتين سيتعلمون وسوف تتبلور ملامح شخصياتهم تدريجيا، بالله عليكم كيف يتعلمون وأنتم تباشرون أعمالهم عنهم أليس التعلم يأتي من خلال التجربة؟! لا بأس بالتوجيه لكن أن تكون حاضرا معه وهو رجل في الثامنة عشر من عمره وتجاوب عنه إذا وجه له السؤال، اترك له حرية الحديث والاختيار وكن موجه لا آمر خصوصا في تلك المرحلة من حياته، علّمه الطريقة مرة واحدة ثم سلمه مهام ومسؤوليات ثم راجعها معه لاحقا صدقني ستبهرك طريقته التي أنجز بها المهام، والأمر كذلك يشملك أيتها الأم الحنون تجاه ابنتك اتركيها تكون الصداقات وتختار تخصصها الجامعي أقرب مثال دون أن تذهبي معها للجامعة وتجاوبين عنها وتختارين عنها حتى صارت بدون شخصية أو شخصية لا تعرف كيف تقرر أو متى تقرر؟ لا تعامليها بأنها ما زالت طفلة تختارين لها حتى ملابسها، تفهمي أرجوك أنها كبرت ولم تعد في مرحلة الصبا إياك أن تشعريها بأنها عاجزة.
الخوف الزائد عن حده والملاحقة الدائمة بحيث لا يترك لهم مساحة يعبرون فيها عن هوايتهم ومواهبهم وميولهم بمباشرة جميع أحوالهم دون الاعتماد عليهم يخلق فيهم صفات تفسدهم مستقبلا كضعف الإرادة وعدم التفكير، أو يريدون أن يكونوا نسخا مكررة منهم وهذا مطلب عسير يعرضهم لمشكلات نفسية تضطرهم للعيش بشخصيتين متناقضتين تماما.
الحقيقة أن الآباء والأمهات يقومون بهذه الأفعال في اعتقادهم أنهم باقون لهم دائما، لا تدرون ماذا ستصنع بكم أقدار الله فالتغيير والتبديل سنة حتمية من سنن الحياة، لا تتركونهم يصارعون الحياة وحدهم فتنهشهم وتصدمهم وأنتم حينها غير قادرين إما لموت أو عجز، كونوا في جانب التوجيه لهم بشرط لا إفراط ولا تفريط الوسط الوسط حتى يشكرونكم ويحفظون لكم جميل صنيعكم وحسن تربيتكم، ثم لا تنسى أيها المربي أن تتعلم متى تقول “نعم” ومتى تقول “لا” فلكل كلمة مكانها ووقتها المناسب!
سأذكر لكم قصة باختصار يرويها لي أحد الأصدقاء عن ابن لجاره -وهي معرفة ومهارة حياتية تحتاج لدربة فلا تقولها لنا الكتب أو المطالعة بل نمتلكها عن طريق الدراية والخبرة- جاء ضيوف أقارب لوالده من قريتهم البعيدة للمدينة التي يسكنون فيها لشأن يخصهم، فتح الابن ذو الثلاثة عشر ربيعا الباب للضيوف وأدخلهم في المجلس بعد أن رحب بهم وقدم لهم القهوة والشاي ووالده آنذاك في عمله، عاد لأمه وأخذ منها مبلغا من المال واتصل بالمطعم واتفق معهم على تفاصيل وجبة الغداء وهي عبارة عن ذبيحة مطبوخة وجاهزة للتقديم، ثم اتصل بوالده وأخبره عن ضيوفه، وصل الأب كالضيف أيضا، كل شيء جاهز وبشكل لائق، ولأنه قد عود ابنه على أنه يعتمد عليه في كثير من المسائل والأمور ويستشيره لم يستغرب هذا الموقف الذي كون في الابن شخصية واثقة صلبة قوية، كذلك للمحيط الذي يعيش فيه دور في ذلك.
وآخر أعرفه شخصيا يشارك ابنه الصغير في كيفية إدارة مسئوليات البيت فيعطيه المال ويوليه مهام بسيطة لينفذها فتجد الابن حريص جدا ليثبت وجوده.
لا أحد يدعي المثالية لكن التربية أمرها عظيم وصعب وشاق القليل من وفق في أساليبها بداية من تحنيك المولود حتى يبلغ أشده.
أخيرا ربّوا أبناءكم على الاحترام والعطاء والشهامة والمروءة والرجولة، وبناتكم على العفاف والحياء، ثم اتركوهم يخوضون غمار الحياة حتى تصقل خبراتهم وتشتد أعوادهم، فهم قادة المستقبل وصناع التنمية وحراس الهويَّة وحاملي لوائها والمدافعين عنها .