جربتُ من نارِ الهوى ما تنطفي
نارُ الغضى* وتكلُّ عما تحرقُ ...
يقول : نار الهوى اشدُّ احراقا من نار الغضى ، ولا تقاس هذه بتلك ...
ولقد ترك أداء هذا المعنى للسياق اللغوي والنفسي فهما اللذان يتممان المعنى دون أن يفصِّل فيه الشاعرُ ...
ومن ناحية أخرى كانه جعل (نار الهوى )هي النار الحقيقيّة ، بينما نار الغضى- التي طالما تغنى بها الشعراء وشبهوا نار الحب بها- تتخذ دور المشبه في ( قَلْبٍ )من المتنبي للصورة ، وجعل (نار الغرام )هي المشبه به ...!
بل نلمح من زاوية أخرى سلبا منه لخاصية الإحراق في النار الحقيقية ( نار الغضى ) فيجعلها تنطفىء وتكل عن الإحراق اذا ما قيست بنار هواه ... !
ليت شعري هل كان يريد المتنبي أن يتمادى ليصفها بالماءِ -فيقضي على النار الحقيقية قضاء مبرما - قياسا الى نار العشق ...؟ربما ...لكن حدود البيت ووحدته لم تجعله ينفذ الى هذا المعنى رغم ( شَلِّهِ) لجميع صفات الإحراق في النار الحقيقية/ نار الغضى ....
هل حدود البيت التقليدية هي التي منعته من وصفها بالماء ، أم أنه ترك استنتاج ذلك لنا ، وكأنه يقول : إن الأمر واضح وما عليَّ اذا لم يفهم القراء ؟
ربما كان هذا حدسه وهجسه ، ولقد نام ملء جفونه وتركنا نغرق في خضم الأسئلة ..
——————
*
غَضَى: (اسم)
الغَضَى :شجرٌ من الأَثْل خشبُه من أَصلب الخشب، وجمره يبقى زمانا طويلاً لا ينطفئ
وأَهلُ الغضَى: أَهلُ نجد؛ لكثرته هناك
نار الغَضَى : نار مضيئة لا تنطفئ؛ لأن خشب الغضى من أصلب الخشب .