/
محاولة استقرائية لمقالة "لماذا لا نهدأ؟!
للأستاذة الأديبة عنبر المطيري
بقلم:محمد سلطان الأمير
*مدخل موجز:
تعدُّ المقالة الأدبية فنَّا أدبياً مستقلاً قائماً بذاته إلى جانب الأجناس الأخرى من شعر وقصة ورواية وغيرها ؛وقد بلغت قمة ازدهارها في الأدب الحديث من خلال حفاوة الصحف العربية بها ؛باستقطاب أشهر الكتَّاب المبدعين ؛ممن ضربوا بسهم وافر في الارتقاء بهذا الفن الأدبي الشائق.
ففي قطر عربي كمصر مثلاً لمع العديد من أساطين كتابة المقالة؛ وفقاً لأصولها الفنية ؛وعناصرها الأساسية من أمثال إبراهيم المازني وطه حسين والعقاد وعبدالعزيز مشري وغيرهم؛ وتتلمذ معظم كتاب المقالة الصحفية الحديثة على نتاج هؤلاء الأفذاذ ؛وهو نتاج غزير احتل جانباً مهماً في المكتبة العربية على مرِّ الأجيال ..
*تعريف المقالة:
هي: قطعة نثرية قصيرة أو متوسطة، موحدة الفكرة، تعالج بعض القضايا الخاصة أو العامة، معالجة سريعة؛
وتكتب بطريقة عفوية سريعة ،خالية من التكلف، وشرطها الأول أن تكون تعبيرا صادقا عن شخصية الكاتب..
وتجدر الإشارة إلى أنَّ لفن المقالة أنواعاً فنية عديدة مختلفة الخصائص والسمات ؛ تسلك كل واحدة وجهتها الخاصة بها ؛دون الاختلاط بالأخرى ؛ وذلك ملمح فطن إليه جمهور النقاد المختصين في هذا الشأن؛ونبهوا على الالتزام بسمات كل نوعٍ التزاماً تاماً ؛وعدُّوا الخروج عليه نوعاً من ضبابية الرؤية؛ وفقر الموهبة ؛من شأنه أن يعصف بالمقالة وما انطوت عليه من أفكار ورؤى
؛على أنَّ أشهر أنواع المقالة ؛ وأكثرها استخداماً؛ نوعان بارزان ؛أطلق على أحدهما بالذاتي ؛وعلى الثاني بالموضوعي ؛ وللإفاضة في الحديث عنهما مجال آخر.
ولذلك فمقالة الأستاذ عنبر يمكن أن توصف من حيث المنطلق بأنها " مقالة موضوعية".
*جو المقالة:
بدأت أختنا الكريمة؛سيدة المكان مقالتها الضافية؛ بالسؤال القائم على التعجب والإنكار "لماذا لانهدأ"؟! مالبثت بعده أنْ دخلت في عمق القضية المطروحة وصلبها مباشرة؛ بالإشارة إلى مظاهر شكلية ؛ تعدُّها من الإساءات إلى الطبيعة الإنسانية المتزنة؛وهي في طرحها الدقيق الموجز اعتمدت أسلوب الرمز المهذَّب القائم مشيرة إلى أصحاب الطقوس الغارقة في اللهو والملذات الشكلانية ؛ وخلعت على كؤوس الشراب -التي تشهدها المطاعم وموائدها في جلسات كرنفالية أبعد ماتكون عن الأدب وهمومه - خاصية "اللون الأحمر"
الذي يطبع عادة حوافها أثناء ارتشافها في غمرة النشوة المشهودة ؛واصفة إياها بالارتجاف ؛مستعيرة النص القرآني (ترهقها قترة)أي تغشاها ظلمةٌ وسواد؛
وإلقاء نظرة فاحصة على السطور التالية للمقدمة ؛يتبيَّن لنا أنها تشير إلى صنوف من المجتمع يوحدها حبُّ الشهوات والقناطير المقنطرة من المال والذهب.
شريحة تجارية النزعات؛تجرد فكرها تماماً من النزاهة في التعامل مع منظومة الفن الراقي.
أعقبت ذلك بالسؤال الإنكاري مكرراً متضمناً صيغة الجمع:لماذا لانهدأ؟!
بما يوحي بحالة من السُعار المجنون غير المنضبط يعتري أولئك الراكضين في مهبّ الريح؛ وفي اعتمادها "نا المتكلمين" في نهدأ؛ تأكيد على عدم انفصال جماعة المثقفين عن بعضهم البعض ؛ بحكم القضايا المشتركة ؛والتوجُّهات الفكرية التي تصبُّ في نهر واحدٍ.
ثم شبّهت الشريحة ذاتها بقولها":
غربان الوجه الآخر على
مسرحٍ آخر؛ يصفقون لحرف تاه عن عمقه "
وأوحت كلمة "الوجه الآخر"بارتداء الأقنعة المضللة ؛فحواها أنَّ تلك الطائفة المادية وأضرابهم ؛يريدون طمس هوية الشعر؛ونضارة اللغة ؛بأكاذيبهم الملفّقة؛ وأحجياتهم الوهمية ؛يريدون سرقة الأضواء؛ واكتساب الشهرة والذيوع بأي وسيلة مادية ممكنة ؛وماموجات التصفيق الحار التي تصحبهم أثناء نشاطاتهم المنبرية ؛وهم يغذون السير من أجل تمرير مشروعاتهم الرخيصة؛ إلامن قبيل اللعب على الجماهير؛ وفي قولها"حرف تاه عن عمقه"؛كناية عن السطحية المقيتة المرتبطة بإنتاجهم المصطنع..
وفي ترميزها بقولها:" القلاع المهجورة"إلى انزواء مشهد أصحاب المواهب الجديرين بتلك الأضواء ؛هذا الموقف العزوفي الذي اتخذه فرسان الشعر الرصين ؛أتاح للخفافيش أن تتسلل إلى تلك المناهل العذبة؛ومن ثمَّ أسفر ركضهم هذا ؛ عن أبنية هشَّة من المجد المصطنع القائم على الأضاليل ؛ تبعاً لقولها "حصوناً من قش"؛سرعان ماينكشف عوارها لكل ذي بصر.
وتشير كذلك إلى أنَّ من نتائج ذلك الصخب المحموم أن جعل
" الهدوء عارًا على نص بدون عنوان"
أي أنَّ هؤلاء الأفَّاقين ؛ -ومنهم بعض الجهات التجارية المستغلة- ؛ وضعوا نصب أعينهم ؛ أنَّ المبدع لن يحظى بأي امتياز نوعي يتوق إليه ؛إلاَّ إذا اعتنق هالاتهم المزعومة ؛وسار في ركابهم ؛بمعنى آخر لن يحالفه التوفيق المؤمل ؛مالم يسلم القياد لهم على طول الخط.
وكذلك يشمل هذا الوباء المنتميات إلى فصيلة التاء من النساء الموهوبات؛ونعتتهم الكاتبة بقولها "فصيلة التاء"؛على حدِّ تعبير الشاعر:
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ
ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ
في الحالات جميعها يصادرون التجارب السباقة الجديرة بالحفاوة ؛ويسكبون عليها النار ومشتقاتها .
وفي سطور مقالتها التالية ؛ملامح مما أشرت إليه:
"بات الهدوء عارًا على نص بدون عنوان
، بات عارًا على فصيلة التاء ...بل عارًا على دهشة لم يكن لسرابيلها اتجاه".
وتختم مقالتها الملتهبة هذه ؛رامزة "لقبلة الله"؛ الموحية بمكة المكرمة حرسها الله ؛وإنما أرادت أن تشير إلى الاتجاه الصحيح السليم لحيازة الشهرة من منابعها الأصلية ؛استرشادا بقوله تعالى:
(وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )ۚ
كذلك أرادت أن تقول :"اصنعوا ماشئتم من ضجيج وزعيق ؛وتفننوا في زخرفة الهالات ؛فلن يصحّ في نهاية المطاف إلا الصحيح "..
تلك كانت محاولة استكناه للقضية الشائكة التي أومأت إليها الكاتبة في ترجمة بعض شجونها ؛ تجاه شريحة من فقراء الضمير الإنساني ؛تقف عقبات كأداء ؛في طريق الكتاب المواهب المشرقة ؛وفقاً لديدنها النمطي القائم على الإقصاء والتعتيم والمنفعة ما أمكن لهم ذلك..
هذا ولله الأمر كلُّه من قبل ومن بعد.