عبد الوهاب عزام.
رائد الدراسات الفارسية، الأديب والدبلوماسي والباحث والمفكر الذي قدَّم للميادين البحثية طائفةً متنوِّعةً من الأبحاث في الأدب والتاريخ والتصوف.
وقد اتسم بعُمق الثقافة العربية والإسلامية والأدبية؛ فقد وقف على أدب الشعوب الإسلامية، وَحَذِقَ اللغات الفارسية والتركية والأُردية. وقد عُدَّ كاتبنا من سَدَنَةِ (حُماة) التراث العربي؛ حيث اهتمَّ بتحقيق العديد من الكتب، وعمل على إفشال المخطط التخريبي الذي قاده عبد العزيز فهمي من أجل استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية.
وُلِدَ عبد الوهاب عزَّام في قرية «الشوبك» عام ١٨٩٤م، في كَنَفِ أسرة لها باع طويل في الفكر السياسي والنضالي ضدَّ الإنجليز؛ وقد حرص والده على تزويد ابنه بزادٍ من العلم الديني؛ فأرسله إلى الكُتَّاب حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالأزهر الشريف. وبعد أن نهل من فيض علمه، التحق بمدرسة القضاء الشرعي، ثم التحق بالجامعة الأهلية، ونال منها شهادة الليسانس في الآداب والفلسفة عام ١٩٢٣م.
وقد تقلَّد العديد من المناصب العلمية الرفيعة؛ حيث اصطُفِيَ ليكون إمامًا في السفارة المصرية بلندن. وقد كَفَلَ له هذا المنصب الاطِّلاع على ما يكتبه المستشرقون عن الإسلام والعالم الإسلامي؛ مما حفزه على دراسة لغات بلاد الشرق الإسلامي، فالتحق بمدرسة اللغات الشرقية بلندن، وحصل منها على درجة الماجستير في الأدب الفارسي عام ١٩٢٧م، ثم عاد بعد ذلك وعُيِّن مدرسًا بكلية الآداب، وحصل على الدكتوراه التي أعدَّها عن «الشاهنامه» للفردوسي، والتي عُيِّن بمقتضاها مدرسًا للغات الشرقية ثم رئيسًا للقسم ثم عميدًا لكلية الآداب. وقد بدأ «عزام» رحلته في السلك الدبلوماسي؛ حيث عُيِّن سفيرًا لمصر في المملكة العربية السعودية، ثم سفيرًا لها في باكستان.
وقد قدَّم عبد الوهاب عزَّام للساحة الفكرية العديد من المؤلفات، منها: «مدخل إلى الشاهنامه العربية»، و«ذكرى أبي الطيب المتنبي».
وافته المَنِيَّة عام ١٩٥٩م.
*خاطرة من خواطره :
من لم تشغله العظائم شغلته الصغائر
الفكر لا يفتر، واللسان لا يصمت، والجوارح لا تسكن، فإن لم تشغلها بالعظائم شغلتها الصغائر، وإن لم تُعملها في الخير عملت هي في الشر.
إن في النفوس ركونًا إلى اللذيذ والهين، ونفورًا من المكروه والشاقِّ، فارفع نفسك ما استطعت إلى النافع، ورُضها وسُسها حتى تألف جلائل الأمور وتطمح إلى معاليها، ثم تنفر من كل دنيَّةٍ وتربأ عن كل صغير.
علِّمها التحليق تكره الإسفاف، وعرِّفها العزَّ تنفر من الذلِّ، وأذقها اللذات الروحيَّة العظيمة تحتقر اللذات الحسِّية الحقيرة.
في النفوس رفعة وضَعَة، وفيها عفَّةٌ وشَرَه، وخيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وبرٌّ، فأيقظوا فيها عواطف الخير، وتعهدوا فيها جوانب البر، ولا تدعوها لنزعاتها فتُسفُّ وتُخلد إلى الأرض، وترضَ بالدنيَّة وتسكن إلى الهين اللذيذ، حتى يُستعصى داؤها، ويَصعب شفاؤها.