أشجار البستان لم تَسقط أوراقُها بعد رحيل الصيف، على الأقل هذا ما رآه رجل يتأمّل بستانَ حياته! للسنة الثالثة على التوالي بدا الأمر تأخّرًا لقدوم الخريف، أو مقاومةً لأغنية "شهر أيلول"
بناتُ الفصول* تنتظر كي يمرّ سبتمبر، وعندما يدخل أُكتوبر، تتساءل، فيما بينها: هل الشتاءُ قادم حقًّا ؟
مع حلول شهر نوفمبر، وكعرْبون، تُسقِط الأشجارُ وريقاتٍ قليلةً هنا وهناك، قبل أن تملأ رعشةُ الأغصان المكان مع البرد الطاغي، أما الشجرة الأكبر عُمرًا فتصمد وتصمد طوالَ فصل الخريف، تظل تطعن الفضاءَ بخيلاء، وتحدّق في غزالة السماء، ترى نفسها، بأغصانها الكبيرة، جديرةً بأن تطلب من ربّة الفصول* مَوْثِقا أن تُبْدلَها رداءً خيرا من ردائها!
إنها شجرة المشمش التي لا تريد أن تراها الطيورُ عذبةُ الصوت جميلةُ الريش وهي ترتدي ذات الأوراق مرتين! و يلبّي الربيع مطلبَها، و تحصل على ما تريد، تشرع في "حلّ ملابسها" وتقلّدها الأخريات.. وتحت نظر الرجل، تنطلق حفلةُ التعرّي الشجريّ ما جعل طيورَ الزرياب والدوريّ تُغضي حياءً أول الأمر.
خلعت أشجارُ البستان أوراقها الصفراء، ولعبت الريح بالأوراق الجافّة في ممرات البيت المجاور للبستان، وواصلت الحياةُ معناها في منتصف الزمان، واستدارت الشمسُ تقدّم هباتِها للأرض، وتعطي للصيف فرصةَ أن يرى عارياتِ يناير!
أخيرًا، يتمكن الشتاءُ من فعلته الاعتيادية حتى تسمعَ احتكاك الأغصان الجرداء ببعضها، وقَهْقهةَ الغربان بانتظار نضج الثمار، وقبل أن يعلن الهدهدُ حلولَ الربيع، لا يزال مُزارِعٌ هاجعٌ بين الفرو يفكّر أيُّ الفصول أحبّ إليه.
_______________
*بنات الفصول: الأشجار المثمرة
** ربّة الفصول وغزالة السماء: الشّمس.