غالبًا يذهب المرء وبشكل فطري إلى المقارنة، كعامل يساعد على تغيير الفكر الإنساني أو تطوره، وذلك على المستويين، الذاتي لـشخص طموح أو للآخر بغرض التوجيه والترقية إلى ما هو أفضل، لكن ما يجري تحت وطئة هذا العامل هو إحداثُ آثار لها من السلبية ما يفوق ظاهر الأمر ووقع صريحه .
ففي العالم الإنساني يفضل أن تُشحذ الهمم بالتشجيع والحث وتلميع نقط الوصول وتصعيد حال الخطى وإنارة الخطط المستقبلية بشيء من اليقين المحفز والتمايز الذي لا يشوبه تشكيك من قبل الآخر، أو شك الأنا المحبة لبلوغ الهدف.
المقارنة بكلمة بسيطة هي شيء لا منطقي، سميّ، وقاتل .. فعالم التباين بين الشخصيات والنفسيات كبير جدًا ! وواسع لا تحيطه حدود، ولعل التحليل النفسي قد عُني بذلك بشكل مفصل، ودقيق.ويتبع ذلك استقلالية مخرجات المرء سواءً على المستوى الداخلي ( النفس) أو الخارجي ( مع الغير ) بنسب شتى وجزيئات عدة، وما قد يكتمل لدى شخص يقابله نقصان عند آخر والعكس، فلا تطابق و كمال فيما جُبل الإنسان عليه من اختلاف، وتنوع و تدرج المستويات في الأفكار والقدرات والملكات والرؤى والتصورات.
وقد يهمنا بعد ذلك أن نتعرف على مفهوم القدوة، فـ المُقتدي والمقتدى به لا يكونا في نفس المنزلة و لا بقُرناء، فقط يكون بينهما اهتمام رغبوي مشترك سبق أحدهما الآخر به، وقد يكون من العرف أن نقتدي بمن قد مات وانتهى من هذه الحياة، فالأحياء يشوبهم احتمال التغير أو التقلب. أما المقارنة فهي غالبًا بين الأقران وأصحاب المستويات المتقاربة وقد تولد العداء والبغض وربما الحسد وما لا تحمد عقباه.
لذلك التطلع إلى رفع المستوى الفكري، والمأخوذ بالاقتداء يكون غالبًا بالنظر لمضمون الفكر وليس لشخصياته،فعندما ننظر لشخصية ما وما قد وصلت إليه فعليه تكون المثابرة والبداية من حيث توقف السابق و إكمال المسيرة وليس في إلغاء البصمة الخاصة، بتلبس بصمات الآخرين و الاستظلال بهيئاتهم.
مقارنة النفس بالآخرين جلد للذات، والآخرين بمن حولهم تنمر على أقرب وصف مؤذي، فأنت تقارن تميز أحدهم لينتفي وجود آخر له اختلافه بالطبع ، فلابد أن يتبادر مع المقارنة حصر بديهي للتشابه والاختلاف في أغلب الجوانب من الشخصية ولو ذهنيًا، والإيمان بأن الاختلاف منهج وفطرة، فالوتيرة الواحدة يستحيل شمولها والكمال يصعب تحقيقه.لكن الاجتهاد باق ما بقي للحياة مدى وللتطلعات فضاءاتها.