الزمن محبوسٌ داخل دائرة يكرر نفسه، وأنت الأبله الذي يعيد أخطاؤه في كل فرصة حياة.
السنة الرابعة لي ما بين هذه الرموز الفيزيائية، تشحن مخيلتي بالعديد من الأفكار لاستعادة الزمن، انتظر نهاية هذه الجولة في حياتي، لأبدأ من جديد حياة واضحة المعالم.
الحياة مغرية بلا أخطاء، بلا عثرات، حياة معلومة النهايات، مكشوفة الأقدار، غير أن هذا الوباء يهدد أحلامي بنجاحٍ مجاني، الجامعة تتوعدنا بالنجاح خوفًا من كورونا، وأنا لا أريد أن أنهي دراستي قبل العثور على ثقب دودي في جسد هذا العالم، يمكنني من السفر إلى الوراء، ويحقق رغبتي في تصحيح حياتي.
أتمنى أن يمهلني هذا الوباء قليلاً، عالَم الضوء الداخلي أصبح مفهومًا بالنسبة لي، فوتوناته تطاوعني كثيرًا. أعتقد أنني قريبٌ من مهمة امتطاء ظهر فوتون مطاوع، يقفز بي نحو الزمن الماضي، ويحقق اتصالي به، أتجول بين الوقائع الأكثر إيلامًا، وحينها أقوم بدوري، أعيد ترتيب الفوضى في خطتي، أعتق ذاتي من لحظات الوجع، لكن هذا النجاح الإجباري إن وقع سيعطل أحلامي.
أقسم لكم أنه لدي مجموعة من اللحظات الشائكة التي لطخت حياتي، صنعت لي مشاكل لا حل لها، إلا بالعودة إلى الوراء وإطفاء جذوتها من تاريخ الزمن.
أعلم أنكم تريدون أن تتعرفوا على هذه المشاكل أو حتى بعضها، صحيح أنها سرية وخاصة، بل وخاصة جدًا، لكن لا بأس سأعتبركم من أفراد أُسرتي التي أنجبها ماء لا مسؤول، أهم مشاكلي يا رفاق ظهر جدي المزدحم بماءٍ دبق، يثرثره هنا وهناك، في الظلام والنور، وما أن يقذفه في ظلام امرأة حتى يتشكل وجوهاً قاسية. أنجب لأمي الكثير ممن يسمون أخوة وعليّ مناداتهم بخال وخالة، وخلال حياة كاملة ملزوم بتقبيل أيديهم، وخدمتهم والتنازل لمؤخراتهم بالمقاعد الأمامية، مزيج من السقوط الأخلاقي: الداعر، السارق، المنافق، المتطفل.
أمي إلى لحظة الكتابة تلزمني بالتلطف لهم، وكلي رجاء أن ينظر إليهم كورونا، لا ألوم أمي على قسوتها، فهي فرعٌ صغير من شجرة القسوة العتيقة، وهذا لا يعني أنني متصالح مع اغتصابها لي. حادثة الاغتصاب تلك أيضًا من المشاكل التي تحتاج إلى عودة لنقطة البداية فيها وإطفاؤها، كنت صغيرًا في الرابعة من عمري، وأصبعها يحفر في بوابة جسدي السفلى، أشتكيت لأبي فرد بضحكة حفرت جرحي، أختي الكبرى تشارك في مهمة تثبيتي:
"أصبر .. سنخرج الدود وتنتهي الحكة"
سيلٌ من الأخطاء الصغيرة في تاريخي، عملقها تضخم سهم الزمن، ولا بد من عكسه، والقبض على اللحظات الزمنية التي تقع قبل السقوط. اللحظة الفارقة التي تسبق تجربة التدخين الأولى بلفافة من ورق الجرائد، اللحظة التي بإمكانها عرقلت اكتشافي الثقوب في جسد ابنة عمي، اللحظة التي تفصل بين تسليمي ورقة الإجابة لأستاذ مادة "النظرية النسبية" وتذكري قصاصة الغش بداخلها، اللحظة البلهاء التي تسبق تحرشي بامرأة مستديرة، تنتظر نجاحي لأدفع ثمن غلطتي وأقضي ما تبقى من عمري مدفونًا بين طيات بطنها.
اللحظة الحاسمة في تاريخ البشرية اليوم، التي خلقت الفاصلة المنقوطة لما نحن فيه، إنها اللحظة المتهمة باللعنة عندما فغرت فمها السيدة الصينية الأولى، لتلتهم خفاشًا موبوء، آه لو أنني أستطعت القبض على تلك اللحظة وإنقاذ حياة هذا العالم الممزق، أعدكم أنني سألقمها ضبًا حيًا وأتركها تتحشرج بذيله الشوكي، وفي أحسن الأحوال سأعوضها بجربوع ذي شوارب لطيفة، وقد يكون الأخير أكثر قبولاً لديها، فهي بكل تأكيد صاحبة سوابق مع أخوته الفئران.
أرأيتم كيف أنني أمتلك رزنامة ضخمة من الأيام المتعرجة، ولدي من التلهف ما يكفي لإجبار الزمن على الاستدارة، وتمزيق تلك الأيام من عمري، لكن كورونا جاء ونسي أن يحضر معه مفتاح بوابة الزمن، أم أنه هو خارطة الطريق نحو كون آخر؟ .. ربما.
قاطع ثرثرتي الصامتة رنين هاتفي ليخبرني برسالة نصية جديدة:
"نظرًا للإجراءات الاحترازية تم اعتماد تخرجكم من الجامعة" .