يومياً يذرع أزقة حارتنا ذهاباً وإيابا من بداية ساعات الصباح الأولى إلى قرب مغيب الشمس.. يحمل فوق رأسه (قيروانة) معدنية مناديا : بني بار.. بني بار..
ويجعل لزقاقنا وقفتين .. وقفة في الذهاب.. وأُخرى في العودة.. يضع خلالها القيروانة من فوق رأسه على برميل خفيف فارغ يحمله معه على الأرض مقابل لإحدى بيوت الحارة ويقف خلفها مناديا : أسود وحالي يا بني بار.. عذبت حالي يا بني بار.. ليتك حلالي يا بني بار..
لعله يحظى بنظرة عابرة من خلف المقفل في وجه أو بمشتري لبعضاعته... وكنا أحياناً نشتري معه.. وأُخرى نكتفي بالترديد خلفه ببراءة ضاحكة : أسود وحالي يا بني بار.. عذبت حالي يا بني بار.. ليتك حلالي يا بني يا بني بار.. إلى أن جاء ذلك اليوم وفي وقفة العودة وقبل أن ينادي نداءه المعتاد شاهد مظاهر الفرح تنبعث من البيت الذي يقف مقابله.. فقام وحمل بضاعته فوق رأسه ومضى في صمت.. ولم نره بعدها أبدا .
بني بار : حلوى هندية سوداء اللون لذيذة المذاق .
ذهب باكراً يطلب الرزق إلى سوق قريته الأسبوعي... وحين وصل توجه إلى بائع جديد لأول مرة يراه في السوق ليفك ريقه من عنده بقطعة حلاوة فاخرة... ناول البائع قيمتها وأخذ أكبر قطعة معروضة أمامه ومضى يتجول بالسوق يمضغها بين أسنانه... وكلما قضم قضمة منها ذاق مرارتها وسالت فقاقيع رغوية من فهمه قال لنفسه بصوت خافت : لا بارك الله فيك من حلاوة (زنبطية)*... ولا بارك الله فيمن صنعك وقللك امْصنكر* .
حلاوة زنبطية : قطع حلاوة شعبية جيزانية لذيذة فاخرة وقريبة الشبه بقطع الصابون المصنوعة يدويا .
امْصنكر : لهجة جيزانية شعبية للسٌكر .
كلا النصين كتبا في 15/ أكتوبر / 2021م .