في عزلة بداياته وشرود صيده وطيوره المهاجرة وأحلامه اليائسة المجهضة، نكأت القبيلة أطراف جروحه ورمته بمنجنيق الحقد والانتهازية والإقصاءالمتعمد والمفتعل، عيون القبيلة تطارده، وسفاؤها يحاولون تمزيق مذكراته التي خبأها تحت وطأة العيب وقانون القبيلة والقبلية الخزعبلاتية، وما زالتحملات التقزيم والتحجيم تنوي الفتك بهذا المبدع، لا لشيء غير أنه تمرد على سياسة القبيلة التبعية، ورفض السير في قطيع الوصائية، فجاء مبدعامرهفا شفافا خارج حسابات القوانين والقبيلة والتي كانت وما زالت حجر العثرة الأولى والموغل في القدم والجهل والظلام والجلافة والصلادةوالأعرابية.. هذا المبدع طرق بابا أوصدته الأسرة خاصة والقبيلة عامة، وسلك طريقا وإن كان ضيقا ينحسر ضوء الفكرة عند أول عتبات الواقعية ولكنخياله أكبر وأوسع من قيود السيطرة، فكان له فكره وآراؤه وتوجهاته ومساراته المعبرة عن شخصه ومنظومة عقيدته الفكرية و»الأيديلوجية» التي ينتميإليها. لم يقف المبدع عند حدود القبيلة والمناطقية وحدود الجغرافيا والتاريخ، بل تجاوزها حتى وقف على حافة الصمت يبوح بأسراره قصائد ورواياتتقتات عليها بائعات الصحف في شوارع البرد والثلج، وفي محطة القطار، يتجلى المبدع في لحظات الانتظار حين يتصفح المسافرون والعائدونإبداعه ونتاج فكره وتمرده وجنونه! هذه اللحظة ترسخ هويته ونضاله من أجل حرية أصابها الإحباط والإهمال والتناقضات والصراعات النفسية الملبدةبالضبابية والغموض، وبين الصراعات والواقعية تتجلى إسقاطات المبدع وحدة مزاجه لدرجة وكأنك ترى الخيط الرفيع الذي قد يصل كل شيء بمعاناتهالشخصية، وأولها القبلية، تلك النظرة التشاؤمية جعلت كل شيء يقف ضده ونافذة موصدة تروي المعاناة إبداعا وحرمانا! المبدع إنسان يؤمن بأنالإنسانية لا تكفل حقوقه المادية المحسوسة في نظم وأعراف القبيلة فقط، بل تكفل حقوقه الإبداعية في عرض اسمه الذي تصعد عليه القبيلة وتفتخر به،غير أنها هي من كسرت أحلامه قبل أقلامه، ولولا عزيمته وإصراره لكان ممن يتكسبون بالقبيلة وجاهة وبشتا وهياطا ونفاقا اجتماعيا! المبدع.. ماذا لوزاره الأمل في غسق الدجى وفتح له الحب نافذة حيث يجد نفسه المتمردة طفلة تلعب بأكوام التراب خلف قرص الشمس وفوق كل عرف قبلي ما أنزل بهمن سلطان .
ومضة :
يقول دكتور البلاغة والنقد محمد علي درع :
الإبداع عملية خلق وكشف ورفض وتاريخ وجدة وأصالة وابتكار، والمبدع صاحب هذا كله، والنص الإبداعي نص يحمل في ثناياه أوجها عدة تتفاعلمع الحالة النفسية للمتلقي فيسقط عليها مشاعره وأحاسيسه وتجاربه الشخصية، فتكوّن رؤيته الخاصة به والمختلفة عن غيره وقد تتعارض مع المبدعوتخرج عن النص لإسقاطات وشخصنة مقيتة بعيدة عن الحقيقة والمهنية حسب تعاطي المتلقي وتوجهاته ومستوياته الفكرية والتعليمية .