إلى : ن . هـ
.. ولمَّا اصطفانا المساءُ
عرفنا بأنَّ الفوانيسَ فلسفةُ العمرِ تجري علينا
ومحضُ حَكاياتِ أنفاسِنا النازفاتِ التي لا يواري لظاها الكلامْ
لعينيكِ دفءُ الهديلِ
لقلبي حنينُ النوافذِ مشتاقةً للحمامِ فكيف يهاجرُ سربُ الحمام ؟
تشعلين بقلبيَ ذاكرةَ الوقتِ عمرًا
فلا ينتهي الوجدُ فيَّ ،
ولا يتبرَّأ مني الغرام
ضلوعي الشبابيكُ تنزفُ وجدًا
تسيلُ حنينًا
لمن علَّقَ العمرَ يومًا هديلًا فكنا اصطفاءً ..
وكان على شرفةِ الليلِ يرتبكُ الضوءُ
يسقطُ من شفتيهِ الكلامْ
ويغرقُ حلمٌ
كتذكرةٍ في رصيفِ بلا عابرين
سوى الريحِ
تبعثُ وجهَ الزحامْ
يمرُّ المسافرُ بين شظاياهُ يجمعُ ضوءَ مراياهُ ( لا شيءَ )
غيرُ خطاياهُ تشهدُ في الطينِ تاريخَ
هذا الحُطامْ ..
لآدمَ أخطاؤهُ الباكياتُ
وللماءِ أوجاعُهُ
من يعيدُ إلى الأرضِ عطر الغمام ؟
والفوانيسُ تسقطُ من ظلِّ أحلامِها
يعرِّشُ في كلِّ بابٍ ظلام ..
والأزقةُ تطرقُ مغفرةً كي نكونَ كما تبتغيهِ طفولاتُ جدرانِنا
أو تريدُ الحكاياتُ حين ننامْ
من يعيدُ إلى الظلِّ أشجارَهُ ؟
وكُلٌّ تساقطُ من نفسِهِ ..
تتطايرُ أوراقُنا في الممراتِ تكنسُها الريحُ في طُرُقاتِ الفناءِ ،
ولم يبقَ إلا صريخُ العراءِ شهودًا على كلِّ هذا الحطامِ الختامْ
والشوارعُ جوعى مهرولةُ الروحِ منذُ ارتحالِ الهديلِ تفتشُ عمن يقول " سلامْ "
يا وجوهَ الذين مضوا وقضوا لم يزلْ شارعُ الأمسِ يحفظُ أسماءَنا ،
لم تزلْ دكةُ العمرِ مقهى حكاياتِنا " سمسميةَ " أشواقِنا تستريحُ على كتفِ الوقتِ ذاكرةً لا تنام
تغيبيونَ ؟
كيفُ يغيبُ الحمامُ وهذي الشبابيكُ فيضُ المواويلِ تمطرُ بين ضلوعي فينسابُ عمريَ سربَ حمام ؟
يمرُّ القطارُ ببردِ الليالي وأضلاعُهُ نازفاتٌ تحنُّ
وكلُّ المحطاتِ جرحٌ يجددُ جرحًا
فلا الذكرياتُ تعيدُ بلادًا ،
ولا السفرُ / الهربُ المرُّ يصنعُ نسيانَنا
أو يعيدُ السلامْ
قد تركنا هناااالكَ أسماءنا خلفنا في الرياحِ على دكةِ الأمسِ ..
مازالَ شايُ الحبيبةِ نعناعُهُ فائحًا خلفَ شباكِها ساهرًا لا ينامْ
ما أزالُ أنا حارسَ الليلِ ..
حارسَ ليلِ الأزقةِ قديسُها أطردُ الجنَّ أبعدُ أشباحَها عن بيوتِ العذارى
أحصِّنُ كحلَ الظباءِ وأسهرُ تحتَ الشبابيكِ
أفرشُ سجادةَ الحبِّ وجدًا ،
وأوقظُ الأعينَ الناعساتِ إذا جنَّ ليلٌ وغبَّ المدى لصلاةِ القيامُ
فمنذُ احترقنا ونحنُ نلملمُ ما يتساقطُ منا صدًى -
ماؤنا ظامئٌ في طفوقِ السرابِ
يفتشُ عن مائهِ ينبتُ الجمرُ في شفتيهِ رهينَ المقاديرِ ..
نسألُ هل من محيصٍ ؟
وفخَّارُنا عذَّبَتُهُ ندوبُ الحنينِ يحنُّ ،
فكم خلفَ صمتِ الرمادِ جراحٌ تئنُّ
ودمعٌ يفيضُ كلام !
وتبقى المرايا فراغَا يتيمًا
تشيِّعُ أنفاسَها في الظلام
سنبقى على حافَةِ الوقتِ خيطَ صدًى
وبرقًا يسامرُ صمتَ الغمامْ ..
-----