✍"الأقزل"
يقبع بيتنا في حارة البائس. أزقة ضيقة تصطف عليها بيوت صغيرة متلاصقة . كثيرا ما أقفز على سطوحها إذا ما أرسلتني أمي لإحداهن .
ذات صباح زارت حارتنا فتاة غضة السن تعتل سِلال مصنوعة من الخوص . تجوب البيوت لبيعها . طنين من الأفعال أحدثتُها لِجذب انتباهها وهي تناول أمي سلة من مبيعاتها . نظرتْ إليّ باسمة .لمحتُ في وجهها نظرة مُنهكة. لمحةٌ أجّجَتْ مشاعري.
من يومها اتخذت من عتبة منزلنا مركازاً أرقب المارّة في انتظار بائعة السِلال .
شهرٌ كاملٌ مرّ قبل عودتها . هذه المرة تحملُ أواني فخارية . تتبعتها أتحين إنحناءة زنقة للبوح لها . تدخلُ من بيت وتخرج من آخر . وأنا أتوارى خِفية . حميتْ الشمس وازددتُ حنقاً . هاهي تخرج من آخر البيوت . في آخر الحارة كهلٌ أقزل في انتظارها . لابدّ أنه والدها !
عليّ أن افتعل أي حيلة . أسرعتُ الخطى؛ ناديت بأعلى صوتي :
- ياعم ؛ ياعم .
- مابِك ؟
- ألا تريدان أن تشربا في هذا اليوم القائظ ؟
أشار للفتاة الغضة قائلاً :
- شكراً جزيلاً ، فزوجتي بحوزتها الطعام والشراب .
وراح يحجل على الطريق وهي تتبعه ...
✍️ " مَسْغَبَة"
امتلأتْ الحجرة بالضجيج. حملتْ الأم طفلها الملفوف بالخرق إلى السرير. ظلت ترضعه نادبةً حظها وفاقتها.
أخذَ نفساً عميقاً من السيجارة وسحق عقبها تحت قدمه. خاطبها : سأتصرف.
دمدمت بتذمر : مثل كل مرة!.
ذَبّ الذباب عن أنفه وهو يطحن الفكرة مع نفسه.
- أعدكِ، سأجلب الطعام.
حمل معه مصباحا يدويا .
لحقت به جلبة كلاب حتى نهاية الشارع. وصل المستودع؛ شدّ القفل بيده اليمنى وأدخل رأس المبرد في الرزة، حرك ذراعه عدة مرات حتى استجاب .
فتح الباب مواربة ودخل.
كان الممر مظلماً. راح يحرك المصباح يمنة ويسرة بحثاً عن صناديق المؤن. مشى بحذر حتى وصل، لفّ حاجته في لفافة وهم بالانصراف .
ظهر ظِلٌّ أمامه، قفز متخذاً وضعية التأهب.
- لن تخرج من هنا .
- أرجوك، دعني أذهب.
تشبث الحارس بدرفتي الباب، حاول المُعْسِر إزاحته جانبا. تعاركا حتى بدأا بفقدان قواهما.
زفر الحارس حنقاً، وثب على ظهر خصمه فسقطا معاً.
ثناثرت على الأرض حبات أرز وتدحرجت زجاجة حليب.
نظر كل منهما في عيني الآخر...
أفلتَ الحارس يده من قميص الأخير .
جمعَ ماسقط من لفافته؛ مجرجراً قدميه للخارج، يتحسس رعاف أنفه.....