أحمد لطفي السيد.
مفكر مصري، عمل وزيرًا للمعارف ثم للداخلية، ورئيسًا لمجمع اللغة العربية، ورئيسًا لدار الكتب، ومديرًا للجامعة المصرية، ويعتبر من قادة التنوير والتثقيف في مصر في القرن العشرين، ولقب بأستاذ الجيل.
وُلِد «أحمد لطفي السيد أبو علي» في عام ١٨٧٢م في قرية برقين بمحافظة الدقهلية، ونشأ في أسرة ثرية.
التحق بمدرسة الحقوق وفي أثناء دراسته تعرف على الشيخ محمد عبده الذي شجعه؛ وعلى أثر هذا التشجيع قام أحمد لطفي السيد وجماعة من نابغي مدرسة الحقوق بإنشاء مجلة «التشريع»، كما التقى بجمال الدين الأفغاني أثناء زيارته لإسطنبول سنة ١٨٩٣م وتأثر بأفكاره.
بعد حصول أحمد لطفي السيد على ليسانس الحقوق عمل بالنيابة، وتدرج في المناصب حتى عُين نائبًا للأحكام بالفيوم. وفي أثناء هذه الفترة اشترك مع صديقه القديم «عبد العزيز فهمي» في تأسيس جمعية سرية باسم «جمعية تحرير مصر»؛ ولما نمى خبرها إلى الخديوي عباس حلمي سعى إليها عن طريق «مصطفى كامل» زميل أحمد لطفي السيد في مدرسة الحقوق، حيث كان الخديوي يسعى للتحرر من قبضة الاحتلال البريطاني.
تبنى أحمد لطفي السيد المفهوم الليبرالي للحرية في أوروبا مناديًا بتمتع الفرد بقدر كبير من الحرية.
وهو صاحب المقولة الشهيرة: «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.»
يعد أحمد لطفي السيد من أكبر المساهمين في حمل راية التثقيف والتنوير في مصر في القرن العشرين، وقد ظل أستاذًا لجيله الرائد إلى أن غادر دنيانا في ٥ مارس عام ١٩٦٣م بالقاهرة.
*نموذج من كتاباته:
من مقالة (أزهار الربيع).
ربِّ! كل ما خلقت تابع لقانون التطور حتى المعاني والأفكار، فالذين تجرَّدُوا من مزايا السلف الصالح في علم يُفيد وجد ممتع وسيرة طابت ظواهرها وبواطنها قد اكتفوا من أسلافهم بتقليد شيء واحد لم يقدروا إلا عليه وهو صورة ظاهرة من الإطراق لا في التفكير والسكون، بل هو مظهر يقتضيه الوقار؟
فإذا تحركت النفس الإنسانية في هذا الجسم الوقور فإنَّما حركتها إلى الشهوات السافلة المنحطة دون الشهوات العالية من اغتباط حقيقي بجمال الطبيعة، وتقدير صحيح لما أودع في الفنون من كنوز الجمال، ذلك جيل ذهب بأهله، ولنا جيل ناهض يجب أن يؤلِّف بين علمه وبين نزعات نفسه، ويضيف إلى تثقيف عقله تهذيب مشاعره، ويطرح جانبًا كثيرًا ممَّا ورثناه من ماضينا القريب، فيعمل للمزاحمة العالمية ليكسب قسطه تحت السماء من مال يسد الحاجة وقوة تحمي الوطن ،ولذة بجمال الطبيعة تعين على فهم الحياة، فيُعْنَى بمظاهر الجمال كما يُعْنَى بزراعة القطن؛ لأنَّ الحياة ليست شقاء خالصًا بل هي يومان: يوم للشقاء ويوم للنعيم، ويأخذ بنصيب من الالتفات للظواهر الطبيعية كما يحرص على الاستفادة من الظواهر الاجتماعية والحوادث الاقتصادية.
ها نحن أولاء أمام الربيع، أزهاره تنسم أنفاسها، وتأخذ بأبصارنا ألوانها، وتحرك جدتها عواطف الحنان في قلوبنا، كأنَّها بعض أبنائنا..
إن مرآها ورياها ينقلان نفوسنا من عالم الشقاء إلى عالم النعيم، ومن أرض الحقيقة الواقعة إلى سماء الخيال الجميل، لا أظن هذا الانتقال وهميًّا لا وجود له، كلا إنَّه صحيح واقع فإننا نشعر بوجوده في قلوبنا ونرى آثاره على وجوهنا، إنَّ خيال اللذة البريئة موجود وأثره سعد، ولعله هو نعيم الحياة، فأهلًا ومرحبًا بأزهار الربيع.
علموا أبناءكم حب الجمال، ونموا في نفوسهم ملكته، ليعلموا أنَّ الحياة ليست جحيم الهموم، ولكن فيها لمحات من النعيم، إنَّ حبَّ الجمال يرفع النفس إلى لذائذ أطهر طبعًا وأسعد أثرًا وأبقى في العواطف نتيجة من كل ما عداه من لذائذ الحياة، وإنَّ أبسط موضوع لتعرُّف الجمال والمران به أزهار الربيع.