مضى شهراً كاملاً ونحن ـ جميع العالم ـ ننام ونصحى عبر نشرات الأخبار ـ المحلية والعالمية وكل وسائل الإعلام القديمة والحديثة ـ على أخبار الحرب في أوكرانيا ! التي أشغلت أحاديث مجالس الساسة ومجالس النخب الثقافية الخاصة ، وأشغلت مجالس أهل الوعظ الديني المحلي بالبحث والعودة لأحلام غابرة تم تفسيرها كنذير لحدوث هذه الحرب ، وأنها قاعدة وشرارة لقيام الحرب العالمية الثالثة ونهاية العالم ! ، وأشغلت مجالس العامة في كل مكان يجتمعون به للحديث مع بعضهم عن اثارها الاقتصادية والأمنية عليهم لدرجة الشجار فيما بينهم عن من يملك المعلومة الصحيحة المطلقة عنما يحدث في أوكرانيا ، وأسبابه ، والمتسبب به ؟! والفضل للقرية الكونية الموحدة وفضائياتها التي تنقل وتبث لهم أخبار العالم أول بأول على الهواء مباشرة وعلى مدار الساعة . ومن أجل ذلك قررت كتابة هذا المقال وبهذا العنوان.. وكتبت في مقدمته : (إذا أردنا أن نعرف ماذا في أوكرانيا ؟ فيجب علينا أن...؟!)* ، وقبل الاسترسال لإكمال بقية المقال قطع عليّ حبل أفكاري رنين هاتفي المحمول ورقم واسم زوجتي الظاهران على شاشته..
رديت عليها وطلبت منها دقائق معدودات حتى أكمل كتابة هذا المقال لكي اتفرغ لها ، ولمشاوير مقاضي شهر رمضان القادم علينا بعد أيام قلائل ، وحرمتنا جائحة كورونا من التبضع له في العامين الماضيين ، ورجعت بعدها لجمع شتات أفكاري المتفلتة لكتابتها دون شعور بالوقت إلى أن فقت على رنين هاتفي ، وزوجتي تصرخ في أذني بلا مقدمات : (لي ستين دقيقة جالسة انتظرك في بيت أهلي عشان نروح نقضي وحضرتك ولا هامك شيء ؟.. والآن أنا رايحة (تاكسي) للسوق.. وحضرتك إذا فضيت وقررت تجيلي اتصل عليّ وأقول لك عن مكان ؟.. ولا أقول لك : خليك مع (خرابيطك) أحسن.. وأنا مثل ما رحت أرجع للبيت).. وأقفلت الاتصال دون أن تسمع مني كلمة واحدة !.. ليتعكر مزاجي عن التفكير وأتوقف لوقت غير محسوس عن الكتابة إلى أن هدأ ضجيج أفكاري رجعت أكتب : (إذا أردنا أن نعرف ماذا في أوكرانيا ؟ فيجب علينا أن نعرف ماذا في روسيا ؟!).. ليقطع عليّ حبل أفكاري اتصال أحد الأصدقاء لنذهب حسب اتفاق مسبق بيننا لأمسية ثقافية..
رديت عليه ورحت في هستيرية ضاحكة وهو يضحك معي ويسألني عن سببها ؟.. إلى أن هدأت وسألته : تذكر المسلس السوري الكوميدي : (صحي النوم) ، أيام الأبيض والأسود ؟.. فقال : نعم أذكره.. ولكن أيّ حلقة تقصد ؟.. وما علاقته بموعدنا الليلة ؟!.. فرجعت للضحك وهو لا يشاركني هذه المرة إلى أن سمعته يقول لي : ستخبرني بالموضوع ؟ ولا أقفل الاتصال ؟!.. حينئذ توقفت عن الضحك ، قائلا : يا أخي أقصد حلقة الممثل نهاد قلعي ـ يرحمه الله ـ وشخصيته الشهيرة (حسني البورظان) ، وهو يمثل دور كاتب صحفي ويريد يكتب مقال مقارنة عن الاقتصاد في إيطاليا والبرازيل ، وذهب لفندق صحي النوم وأجر فيه غرفة من أجل كتابة المقال في هدوء وصفاء ذهن ، وغريمه اللدود بالحلقة وكل المسلس (غوار الطوشي) ، الممثل دريد لحام ، حين لاحظ اهتمام حبيبته الزائد مالكة الفندق (فطوم حيص بيص) ، الممثلة نجاح حفيظ ـ يرحمها الله ـ وبتوفير الهدوء والجو المناسب للكاتب (حسني البورطان) ، أفتكر ـ غوار ـ أنه جاء يخطفها منه ، وقام يحيك له المقالب الكوميدية من أجل تطفيشه لمغادرة الفندق وإبعاده عن حبيبته ـ (فطومة) ـ ، فكلما بدأ (حسني البورطان) كتابة مقاله بـ : (إذا أردنا نعرف ماذا في إيطاليا ؟ فيجب علينا نعرف ماذا في البرازيل ؟ وإذا أردنا نعرف ماذا في البرازيل ؟ فيجب علينا أن نعرف ماذا في إيطاليا ؟) . وقبل لا يكمل الكاتب (حسني البورظان) كتابة بقية المقال ، يقوم (غوار الطوشي) باختلاق مقلب له يعكر مزاجه ويمنعه من إكمال كتابة المقال إلى أن ينتهي به ـ (بالكاتب حسني) ـ الحال في أحد المقالب بالدخول إلى السجن بتهمة الشروع في القتل لـ(بائع الخضار) المتجول الذي أحضره (غوار) لينادي على بضاعته بالغناء بصوته المرتفع في الشارع تحت شباك غرفة الكاتب (حسني البورظان) ، لتنتهي الحلقة والأحداث والمقال لم يكتمل !. والليلة يا صديقي العزيز حصلت معي نفس أحداث حلقة الكاتب (حسني البورظان) في كتابة هذا المقال ، وكلما شرعت في كتابة المقال ؟ يردني اتصال يعكر عليّ مزاجي ويخرجني من أجواء إكمال كتابته !..
قام صديقي وقطع الاتصال بيننا دون ابداء أيّ ردة فعل أو تعليق ! وتعكر مزاجي ، وعجزت عن إكمال كتابة بقية مقال : ماذا يحصل الآن في أوكرانيا ؟!
*- كاتب وقاص سعودي .
*- مسلس كوميدي سوري كان يبث في بداية الثمانيات الميلاية بالأبيض والأسود على القناة السعودية .