يصدح عالياً فتهتـز الذكريات شجناً ، وتهيم الكلمات عشقاً وتتساقط الألحان قصائداً تأخذ من سحنة الروح بوحاً فتملأ به جسد السمرة التهامية الفاتنة ؛ غناءً فاخـراً يلقيه على وجه السامرين المعتصبين بطلائل البرك والشذاب ، وفتل الأصوات المتدلية و الصاعدة نحو حنجرة هذا الفنان الكبيـر والتي تتسابق عليه الألحان طواعيةً في زحام المحبين ؛ كي يمنحها وحي القداسات الفنية الموغلة في عشق التهايم للسروات ، وفي ذات اللحظة المسكونة بالجن والمخطوفة بالأنس تهيم الخطوة توليشة مشبّعة بالإخضرار الأنيق وتتعالى أصوات العابرين الخائفين ؛ بحثاً عن لحن يحيكه الفنان عامـر عسكـر ، ويعبر كل الحدود التهامية خطوة تحنو لكل الخطوات التي تعانق أرواح العاشقين وتغازله نشوة الخطوة الغاوية ؛ كي تدعوه لطاولة يقارع فيها قمار التحدي ، وكؤوس النادل وشارحة الكف ، وكاشفة الفنجال ؛ولاعب النرد ؛ يقيناً بأنه رأى مارد الشعر الكبيـر ، وشياطين الشعر تتلاقفه .. يجلد ظهر قرينه بسواط اللحن فيبوح بخطوة عامرة بالعشق .. عسكرية جاذبية بالموسيقى ، واسألوا كل العازفين الذين اقترفوا خطيئة الموسيقى التائبة ، وتصطف الأقدام والقلوب ويزهـر الإخضرار ثانية في دموع تهامة ، ويبوح ابن عسكـر بطرقة شعبية باذخة قد لا يقرأ تفاصيلها إلا من أصيب بداء العشق مثله .. تاركاً أهل الخطوة في حيرتهم ودهشتهم ، وتقصي خطاه المتعبة .. !!
هو الخطوة الحداثية في الموروث العسيري تحديداً ، والتي تمردت على كل موازين فنون الخطوة القديمة فأحدثت حراكاً فنياً راقياً اطربت كل من سمعه ، وشهدت له بالجدّة والإبتكـار وصدارة فن الخطوة ..!
هو العامـرٌ فناً، والثائر روحاً وفكـراً على حالة الإنكفاء التي أرادت وأد الحياة الجميلة النقية وأوشكت أن تصادرها للأبد لولا أنه كان الإنعتاق الفني الذي منحنا التجديد الذي لم نستوعبه للحظة !
كلما ناوش قلبه وذاكرته لحناً عصياً من عصبة ألحانه الجمّة أيقض تهامة من سباتها وأعاد فيها لحن الحياة وفتنة اللقاء الأول المخضّب بالحب والعناق .. ابتساماته الشاعرية تمنح ” مايسترو ” الأمسية الملونة مرونة الأوتار .. يكاد يوحَّد أطياف السمرة التهامية ، ويجذب فيها السامرين الباحثين عن قلوبهم الخضـراء .. هو الإيغال في خيوط الرياحين الممتدة بإمتداد جبال السروات وأودية تهامة وسواحلها .. فحنجـرة هذا العامر تبدو أكثر طرباً وفرحاً ونشوة ” بسم ربي عليه ” كما يرتّلها مفتوناً مثلي بهذا الصوت الطربي الخالد في قلوب محبيه وإن انكر عليه قادحوه ومجايلوه !
وفي صوته وحي الأقدام القادمة من السماء لحظة ميلاد لحن القصيدة البكـر ، وفي عمق الخطوة العسيرية ينازع قلبه جسده فيحدث تناغماً فنياً يسترق السمع في حضرة شهاب المعاني المضيئة .. هو إستعارات الغزل والكحل من عيون الحسناوات وكفوف الحناء وطرق الغانيات .. هو وقود الحب الذي لا يهرم ، والمقالم التي يداعبها صفيـر الرعيان .. هو صدى الزيـر وإيقاع الزلفة ، وبكاء العود ، ومواويل الجدات المتوشح ثوب الخطوة العسيرية المولودة في حداثية اللحن المنسكب في وريد الموروث الأصيل وإن مضت به السنوات وغيّبه الوجد والفصول ؟!
هو المعادلة الفنية الباذخة التي أوجدت نوتة موسيقية مغايرة للمألوف فكانت عقد الوصل بين بلاد السرو والتهم ؛ لأنه بإختصار مجازات الحقيقة وكنايات الأزمنة المختلفة في تورية ضحى الأمكنة المتجانسة .
ومضة :
الفنان الكبيـر عامر عسكـر حداثية الخطوة العسيـرية ، والإستثناء الفني الفاخـر في زمن التشابه والإقتران .