(1)
تشظى سبابهما في المكان، تبادلا التُهم المعلبة، دنا وجهاهما من بعضٍ كقاب قوسين أو أدنى. أبناؤهم ينظرون إليهما بدهشة الغريق.
مدت لسانها، فهمّ بضربها، استدارت عنه، فهوت يده في الفضاء، ثم لاذ بزاوية، وجلست هي في الزاوية المقابلة، في حين أكمل الأبناء فصل الهزل بمشاهدة التلفاز.
(2)
عاد من العمل بعد يوم شاق، رمى ثيابه على الأرض، أعاد تسريحة شعره بعناية، ثم استلقى على الأريكة بثيابه الداخلية، أخذ يقلب القنوات الفضائية باحثاً عمّا يرمم جدار روحه المتعبة، برزت إليه صارخة، وهي تلوح بأدوات المطبخ في الفضاء، مستحثة إياه بمساعدتها في العمل المنزلي.
لم يعطِ لنزقها بالاً، وكأنها صرير باب تحركه الرياح، وقف على أغنية تنبض بعشق جارف، أخذ يهز رأسه، ويحرك يده، توجهت نحو الشاشة وطلت في وجهه ؛وأخذت تزأر كلبوة استشعرت الخطر.
زاد في غليانها تجاهله البارد، أطفأت التلفاز) ومدت لسانها؛ ومضت.
صك ظهرها بجهاز التحكم، فاستدارت وصكت وجهه بـ "غرّافة" المطبخ، ولاذت بالفرار.
نهض مسرعاً كنمر الغاب، إلا أنها كانت أسرع منه، دخلت الغرفة؛ وأوصدت على نفسها الباب.
أخذ يركل الباب ويتوعدها بالطلاق، إلا أنها تجاهلته وأخذت تطلق صفيراً عالياً نكاية به.
(3)
بعد أن حلّ ثلاث ربطات مقدسة؛
تآكلت أيامُه حدَّ العجاف، وفاض معِين شوقه إليها، حاول أن يرمم أيامه العاقرة بدونها؛ ولكن دون جدوى. استبدَّ به الفقد؛ فتعاظم عن إرجاعها خشية الهزيمة.
حاول أن يتجاوز هزيمته، فبعث إليها رسالةَ اعتذارٍ باهت، ولكنها تمنعت من العودة له.
حاول أن يتحايل عليها ببكاء الأطفال، وشوقهم إليها، ولكنها بعثرت كل حيله في الفراغ.
خدش كبرياءه؛ فاشترى لها حُزمة وردٍ حمراء لأول مرةٍ في حياته مع جهله باسم الورد.
طرق الباب ؛وألح في الدخول، أخبرها عن باقة الورد، رفرف قلبُها إلا أنها أرادت أن ترضي نرجسيتها فتجاهلته. تخشَّب أمام الدار لأكثر من ساعة والعرقُ كحبات الندى تنزّ من جبينه. ضاعف محاولاته؛ فتراكمت خيباته، غلّظ أيمانه بالوعود؛ فزادت طوب عنادها بالسدود.
تشظى رجاؤه في الهواء، تنهد بحسرة، ألقى نظرة على باقة الورد، تردد في وضع الباقة عند الباب ؛أم يأخذها معه ويستعيد ثمنها.
تنشّق عبيرَها وحسم أمره، فوضعها عند الباب ومضى.
تواصل مع والديها، كثف اتصالاته مع أقربائها، حاول إقناعهم بالعودة، تمنعت على استحياءٍ بارد، فألح عليها والداها بالصفح والعودة؛ حتى وافقت
وربى خديها يسيلان حُمرة.
(4)
انتصبت الثلاث طلقات كحاجز فولاذي لا يستطيع خرقها إلا بزوج قبله.
فتش عن حيلة شرعية يميط بها "المُحلل" عن دربه فلم يجد.
أعيته الحيلة؛ فذهب إلى إمام المسجد، وبعد أن صلّى خلفه، قبّل جبينه، وجلس بجانبه بانكسار مُر وأخبره بقصتِه.
ربّت إمام المسجد على كتفه، ثم ضغط على ساعده وهو يقول:
لا بد أن تنكح زوجاً غيرك؛ وهو موجود عندي، ولن يفشي سرك لأحد!
فأجابه:
-ولكني لا أريد أن يلمس زوجتي أحد.
-هذا شرع الله ولا أستطيع التلاعُب فيه، إلا أن ترتد عن الدين!
شكره على حسن النصيحة، وخاطِره يتآكل غيظاً، فخرج كسير الفؤاد، يخب الطريق بخطى وئيدة، يجرُّ قطار الخيبات خلفه!
وما أن فرش الليل عباءته؛ حتى تلوى في فراشه كأفعى جائعة.
قلّب أوراق أفكاره حتى تمزقت بالخيبة. طنّت جُملة إمام المسجد في أذنه ( إلا أن ترتدّ عن الدِين ) ؛اهتدى إلى حيلة يعيد بها زوجته دون أن يلمسها أحد..
وما أن فتل الصباح حبائله، ورفعت الشمس أكتافها، اتصل على زوجته وحثها على الاستعداد للسفر، حيث هناك ستعود حليلة له.
لملما بعض ثيابِهما) وطارا إلى دولة مجاورة.
استقل سيارة أجرة وطلب منه إيصاله إلى أقرب كنيسة، وحين وصلا رفضتْ الدخول؛وضعها أمام خيارين، إما الرجوع له ؛أو الرجوع عن الدِين! هرشت رأسها ثم أردفت تقول:
هل يتوجب عليّ أن ألبس الصليب؟
فهز رأسه نافياً.
دلفا إلى الكنيسة والأجراس تُقرع.
دخل وهو يجُرها كسبيّة حرب. استقبلهما رجل ذو طلّة بهية.
شرحا له قصتهما وهما يئنان حسرة. ابتسم لهما ؛وأرشدهما إلى حيلة قديمة، فاستحسنا الفكرة، دلق عليهما بركتهُ؛ فانساب الفرح من شدقيهما وخرجا.
(5)
استلقت على ظهرها كجثة باردة ملّت الانتظار، نكاية بطلقاته الثلاث.
عامَ على جسدها بانتفاخ كنورس يفلّي ريشه وهي لا تحرك ساكناً ولا تطرف بجفن. وبسرعة الضوء دلق فحولته بعُنفٍ حاد كزوج شرقي يريد أن يثبت رجولته.
استلقى بجانبها وهو يلهث كثور إسباني أتعبهُ مصارعهُ بكثرة الركض؛سَحبتْ اللِحاف ؛وأدارت له ظهرها، فجذب منها اللِحاف؛ وأدار لها ظهرُه. ناما بصمتٍ تحت لحاف واحد؛ وكل يجذبه إلى جسده.
قرأ المعوذات؛ وآية الكرسي، وأغمض عينيه، في حين رفعت الصليب من جيدها، وقبلته ونامت!