مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
القرى تستعد للقادمين من الليل، تركوا الليل حتى يستوي ويمضي ويزول سواده ، انتظروا النور حتى يشع، أناخوا ركابهم مع الشروق، فاحت روائح القرى، انبعثتْ الطيبات من جنبات الوادي، العطر القادم من باطن الأرض أرسل شذاه كي يكون النهار في أوج روعته، تسابقت القرى في إبراز ريحها، عطرُ البراري الذي أشرق مع نور الصباح عبَّرَ عن حبه للقادمين ;فمنحهم أريجًا يعطر تعبهم ووعثاء سفرهم، والعصافير التي صمتتْ في الليل قدمتْ لتنشدَ للقادمين تحايا الترحيب وفي مناقيرها خصلات من نباتات الأرض، والنسيمُ الهاربُ من وحشةِ الظلمةِ تسللَ إلى الفرحين بالصباح كي تسكن البهجة مع الفرح في قاع العيون، حضرت مع القادمين الجدد فتاةٌ فاتنةٌ تحب الحياة، عمرها كعمر الظلال عند الإشراق، بدت رائعة مثل الأغصان التي تتمايل مع نسيم الصباح، جلستْ تحت ظل شجرة كبيرة عليها عصافير ملونة، كتبتْ على التراب البارد فرحتها، سطرتْ ما رأته في أحلامها الجميلة، أعجب بها أحد المستقبلين -ولايزال للظلام والأحلام بقايا في وجنتيها- تمنى أن تسكن في روابي القرية، وأن يبني لها بيتًا يشبه بناء العصافير لأعشاشها، هزّتْ رأسها طربًا وكأنها تريد من الصباح أن يطولَ أكثر لتنسى رحلةَ السفر، طال وقتُ الصباح في فصل الربيع، امتد الظلال أكثر، ارتفع صوت العصافير بعد أن شبعتْ من رؤوس الحقول القريبة، ولّى الصباح بعد رحلة السفر، غادروا كلهم وبقيتْ تنتظر الليل لتراه في مكان آخر، جاء الليل مختلفًا، سكنتْ معه مثل عصفورين جميلين، انتظرتْ حتى يأتي صباح آخر لتستقبل القادمين للتهنئة، حضروا وقتَ الإشراق ومعهم أنفاس الصباح القادمة من وادي الحقول، احتفلوا بها وبالصباح، لم يغادوا مع الغروب، بدت القريةُ في أجمل حللها، سكنوا معها وجمعوا الليلَ والنهارَ في رحلةِ السفر، بنوا على ربى القريةِ أحلامهم.
في كل صباح يضع في طريقها ظرفاً يحوي على رسالة دون أسماء، لا اسم المرسل، ولا المرسل إليه، ويقف بعيداً يراقبها وهي تأخذه.
رسالة تنضح بالحب والجمال والهمسات الرقيقة تقرأها، وتريها لزميلاتها اللواتي يتخيلن جميعاً أنها لهن من فارس أحلامهن.
وفي كل مساء تدور في عقله معارك ضاريات بين تحطيم حاجز الخوف، وكتابة اسمه، واسمها في الرسالة لتعرفه; لتعرف أنها المقصودة دون سواها ،ولكن تهزمه جيوش الخوف فيتوارى خلف ستائر الصمت ويكتب الرسالة دون أسماء
تمر الأيام ورسائله بدون أسماء متداولة بين البنات .
وذات مساء وفي خضم معاركه الليلية مع خوفه يصله خبر خطبتها لأحد شباب القرية.
دارت به الدنيا وقرر أخيراً الانتصار على خوفه وكتابة اسميهما في الرسالة
وفي الصباح وضع الرسالة في مكانها ووقف في مكانه المعتاد مراقباً، ولكنها هذه المرة مرت ولم تلتفت للرسالة، ولم تأخذها، ونظرت نحو مكانه مطولاً وكأنها تقول له:
أعرف أنك هنا، وأعرف أنه أنت من البداية ولكن الحب لا يعترف بالجبناء.
خلقت من عجوة الهدوء وزبرجد الصمت والتأمل ، ركني الخافت يبتسم حين يعانق اخضرار الأمنيات ،حينما تدغدغ الشمس وجه الصباح أو اطلالة قمر يعانق السماء صديقتي الطبيعة ، المطر والعطر والضوء الخافت أكثر الزائرين لروحي ، نحتسي كوب قهوتي فأشعر أني ثرية كنهر ماديرا ؛ لم أكن أدرك أنني احتاج الكلام حتى موت الكلام .. كان يجب أن اسأل ؛ لماذا تأخرت ياحبيبي ؟
لماذا تتأخر دائماً ؟
ماذا تأكل اليوم .. ؟
ونما الكلام والصراخ والنقاش … قدم الطفل الأول انتزع نفسي من حضن الصمت ينصت لأغنياتي ثم يناغي في شهره الرابع ، يصرخ عندما لاأتجاوب معه ، صديقي الصمت يختبيء في خزانة الحنين كبر طفلي ؛ دخل المدرسة ..
الأسئلة تتكاثر لماذا تأخرت يا بابا ؟
هلا ذاكرت ؟
ماذا قال لك الأستاذ ؟
من أصدقاؤك ؟
يزداد عدد الكلمات يوماً بعد يوم يرتفع الصوت عالياً والاختلاف كثيرا والاتفاق قليلاً !
في العمل مشاكل غياب / تأخر / اهمال / خصومات ، ثرثرة وإسئلة وصراخ وشكوى وغيبة أحيانا جيراننا عامل النظافة الحراس التلفاز الموبايل الصمت يرحل،يبحث عن فتاة مازالت تحلم بغدٍ ناعم قليل الكلام .
كعادته في رحلاته بالحافلة يجلس دائماً في المقعد الأخير يقرأ كتاباً لا يهم نوع الكتاب رواية، ديوان شعر، مجموعة قصصية، المهم أن تمر رحلته وهو بعيدٌ عن زحمة المسافرين غارقٌ في أفكاره وإن غلفها بكتاب.
فجأةً وبدون مقدمات صوت ضحكةٍ موسيقيةٍ من المقعد الذي أمامه بعثر كل كيانه سرق أفكاره من الكتاب الذي معه لينصت بشغف لهذه الضحكة لهذه الألحان الساحرة على شكل ضحكة من ثغر امرأة تجلس في المقعد الذي أمامه مباشرة، يا الله إنها ضحكتها نعم ضحكتها تلك الضحكة التي سكنت قلبه وعقله تلك التي كان يسميها معزوفة السعادة تلك التي كان يرقص فرحاً كلما سمعها كم تمنى أن يحضن الضحكة أن يرقص على أنغامها.
امتلأت عيناه بالدموع غرق في بحر الحزن من جديد
سنوات منذ أن ودعها في رحيلها الأخير سنوات منذ اختار السفر بالحافلة بصحبة كتاب ربما ينساها وهاهو اليوم بضحكة موسيقية تشبه ضحكتها يعود من جديد سجين حزنه وشوقه لها
ردد بأسى والدمع ينهمر من عينيه رحمك الله.