مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
وقف العصفور على الغصن منتشيًا يغني للصباح، صغيرتي تلعب بقدميها في الماء، لم تمنعها روعة الماء وهو يدغدغ قدميها الصغيرتين من الاستماع للعصفور، قلت لها والعصفور يفتح فمه ليشرب من قطرات الندى على الغصن :كم عدد أسنان العصفور؟ ضحكتِ الصغيرة وارتفع صوتها، هرب العصفور من ضجيج ضحكي وضحكها، قالت لي: كم عدد أسنانك يا أبي؟
فاجأتني بسؤالها!! أدخلتُ أصبعي في فمي. لأحصيها ، قالت لي : لا تضع أصبعكَ في فمكِ، قلتُ لها لا أعرف ، لم يسألني أحدٌ قبلكِ ، لكنني معي أسنان؛ فهل للعصفور أسنانٌ مثلي، قالت لي عندما كان العصفورُ يغني لم أرَ حول منقاره من الداخل شيئًا، يبدو أنه بلا أسنان، هل تستطيع أن تُغني لي في غياب العصفور، كان الجو رائعًا ومناسبًا للتغريدِ كالعصافيرِ تمامًا، بدأتُ أدندنُ ورأسها على فخذي وأنا أحرِّكُ فخذي لتنتعش مع صوتي، عاد العصفور إلى الغصن، أردتُ أن ترى فمَ العصفور، وجدتُها قد نامت على فخذي، سألتُ نفسي عن أحلام الصغيرة ، لم تستغرق في نومها، فركتْ عينيها، قالت لي: كأنني نمتُ، قلتُ لها لقد نمتِ وحضر العصفور، لقد كان فمه ممتلئًا بالماء وبعض الأوراق الخضراء، قالت : لقد همسَ في أذني عندما غفوتُ، لقد أطبق بفمه على أذني، لم أشعر بأشياء حادة، انظر إلى أذني! هل ترى أثرًا لأسنان، قلتُ لها لقد أجبتِ ياصغيرتي، سأغني لكِ كالعصفور، لا تسأليني ثانيةً كم عددُ أسنانكَ؟
قبل قليل لم أجد نفسي- التي ربما اعتدت غيابها المتكرر عن واقعي المؤقت-
أثناء ممارستي دور كائن حيٍ في مشهدٍ متقطع لا يتعدى بضع دقائق.
قياسًا على مؤقت ساعتي الرملية.
أو ساعة هاتفي ذي الشاشة البنية التي بالكاد تبين من أثر الرضوض.
و لا تبتعد كثيرًا عن عدد الخيبات التي واجهتها منذ أمد بعيد.
ولم أستطع تجاوزها حتى بداية العام المنصرم.
العام الذي فقدت بمطلعه جميع مدخراتي من الهبات الزهيدة التي تلقيتها كمكافآت أثناء تأديتي لوظيفة كومبارس المزرية.
وبعد فترة قصيرة، أيقنت أن طموحي في أن أصبح فنانًا عظيمًا ينشر الحب بين الناس، ويضع البسمة على وجوه المشاهدين قد تلاشى.
وضعت جميع أشرطتي في سلة المحزنات…
أغلقت صفحة فيسبوك ;شفقة على أصدقاء يحاربون الكآبة بشق الأصابعِ.
قلت : غدًا سيكون أجمل…
ومثلت على نفسي دور النائم، كي أستيقظ على خيالٍ أجمل من سابقيه ،أو دعوة من الواقع; لأستأنف وظيفتي الوحيدة التي لا أجيدها،
ولكن ذلك الغد لم يأتِ بعد.
والآن بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على غفوتي،
لا يمكنني التمثيل على نفسي كما كنت في الماضي،
وقد لا أجرؤ على تحمل تداعيات الانخراط في البيئة الدرامية، والانخراط في الوسط الدراماتيكي التعيس،
كل ما أتمناه جنازة فعلية تليق بمشرد يجول مزابل الغزاة بحثًا عن هوية مزورة باسم الوطن .
صديقي الأب الخمسيني مثلي دعني أحكي لك ولي حكاية نقطع بها مفازات السّمر، والليل، والشتاء الذي لاأظنه سينتهي قريبًا . كنا أطفالا نلهو من البيت إلى المِسْراااب …للجَلّة ..! شبّ فينا ذلك الصغير سرقه الزمن ليجد نفسه شابا وصوته أضحى حادا كبر قليلا فكان الشاب أبًا .. رويدا رويدا ينغمس في انشغالات الحياة يحارب من أجل لقمة عيش أبنائه الذين يكبرون أمام عينيه.. هو منشغل جدا ببنائهم بينما هم يهدمون ركنا منه ..! يبني هذا ويبني هناك دون أن يشعر هو بتقدم سنه ..! ولاهم يشعرون ..! فجأة يبدأ العدد في ذلك البيت بالتناقص وتبدأ الأرواح الصغيرة في ربط حقائب الوداع ..! مابين ولد كبر وقرر الاستقرار بعيدا وبنت تزوجت ولم تعد تأتي إلا في المناسبات. يعم الصمت اللعين ذلك البيت الكبير..! ذلك الصدر الكبير في دفئه يتحول إلى صمت كئيب يذبحه برد قارس. وتنتهي رحلة طفل .. عجوز , وتبدأ رحلة أخرى لجيل آخر.. نأتي ونغادر من جلباب الحياة..! نفيق ..نغفو ..ننام .. نرحل ..!
وتستمر الحياة ياصديقي الطفل / الشاب / الرجل / العجوز
أخذ نور الشمس المتصاعد يبدد رويدا رويدا زرقة فجر الحديقة الخلفية للفندق الريفي العتيق.
وضع النادل قطعة كروسان وكوب شاي على الطاولة التي أمام نزيل الفندق الوحيد الجالس في هذه الساعة المبكرة، في حديقة الفندق ، صفّ ثلاث وردات صفراء داخل مزهرية الخزف، وقال له بنبرة ودودة: أرجو أن تكون بخير. في الأثناء، كانت رائحة بقايا عطر هاربة تقترب منهما، ارتبك الرجل حين رأى امرأة تسير بخطى متعجلة باتجاههما، ألقت بجسدها على الكرسي المقابل، كاد كوب الشاي أن يسقط عندما اصطدمت قدمها الحافية بالطاولة، احتضنت أطراف عباءتها بأصابع مرتجفة ثم أسندت مرفقيها على حافة الطاولة، وضعت رأسها بين يديها.. من تحت شالها الأسود؛ انسدل شعرها الفضي على جبينها بلا انتظام.
همس في داخله، لعلها أخطأت العنوان!
:مرحبا يبدو أنني لست الوحيد الذي يصحو مبكرا! هل تبحثين عن شخص ما؟ قال لها مبتسما.
لم تجب!!
دفع بقطعة الكروسان أمامها، رشف الشاي ببطء وهو يتأمل وجهها، كانت ملامحها جميلة، لكنها شاحبة، بدت له أنها في الخمسين من عمرها.
أراد استفزاز قلبها، قال ملاطفا:
لا تهتمي يا عزيزتي بتقدم السن، العمر مجرد أرقام، أنا أيضا تجاوزت الخمسين، عفوا، أقصد الستين، لا، لا، ربما أكثر! أوه، يا إلهي، لقد نسيت! اللعنة على الذاكرة، أصبحَت كثيرا ما تخونني!
ملَّ صمتها الغريب، ركز اهتمامه على إزالة بقايا الأعشاب الصغيرة العالقة في ثوبه.
اقترب النادل من المرأة وقال لها بصوت خفيض: لقد وجدته نائما على العشب يا سيدتي. انتابه القلق عند سماع الكلمة، حاول أن ينهي كوب الشاي ويغادر المكان، لكن لم يعد يدري إلى أين يتجه!
تناولت يديه برفق وهي تنظر إلى عينيه، لم يتبين طبيعة نظرتها جيدا، لأنها كانت غائمة!