مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
لو قلنا ما معنى التضحية وكنهها؟
لكان ردنا: الأم،
ولو سألنا: ما شرح الحب النقي وخلاصة شهده؟
لعنينا الأم،
ولو تحدثنا عن ذروة الصنيع الإنساني من شخص لآخر لكان فعل الأم مع ذريتها،
ولو لخصنا معاني الأمن والطمأنينة والسكن في الحياة الدنيا لحازت الأم أكملها ،
وطن ليس كمثله، تنتمي إليه مفاخرا وفخورا.
اتفقت الأديان السماوية على مكانة الأم، وبالذات شريعتنا المحمدية التي وهبت تاج التفرد للأم حبا وكرامة وبرا .
بل أجمعت المذاهب الوضعية والنظم القيمية في جميع المجتمعات على هذا الكوكب على تعظيم الأم وتكريمها مع الاختلاف والتباين في درجة ذاك التكريم.
“وصاحبهما في الدنيا معروفا” تعني الديمومة و ” من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقالها ثلاثا: أمك ” تشير لأمرين: ثلاثية الأهمية فالنسبة الأكبر والسهم الأوفر هو للأم ،والأمر الآخر يشير للاستمرارية ، فالمصاحبة والصحبة تعني الاقتران والالتصاق؛ وهذا يسوق لمفهوم الأمومة في هذا الدين، إذ أن البر للأم يعني أن تحملها وتحلق بها بين فضاءات الحبور وسماوات الرضا، وهذا لا يتحقق باقتصاره على يوم ولا أسبوع ولا حتى شهر، بل يقتضي أن يكون الابن أو الابنة ظلا ظليلا وسحابة ماطرة طوال العام .
ومع هذا لا بأس أن يخصص يوم لزيادة ودق وإضافة نسمة عليلة تفرح قلب الأم وتفاجئها بعبق زهر وقنينة عطر وفجاءة فرح ، لا غضاضة في ذلك على ألا نعد ذلك عيدا ، فالأعياد في ديننا مقننة ومحددة، بل هو يوم تكريم كاحتفاليات مماثلة للشجرة والعلم والصداقة وغيرها.
لكن هي غصة في القلب إن اكتفى أحدهم بهذا اليوم ليمثل دور الابن البار ، فهذا لا يليق وليس هو المطلوب ، بل البارّ يقدم ويغدق طوال الشهور فإذا جاء يوم الأم زاد وأفاض وأمطر حتى تسيل عروقها فرحا ونشوة.
وعن غاليتي ..فقد رحلت عن الدنيا قبل عقود من زمن، وفرغت الدنيا من كنف يختصر الأمن والدفء والسكينة .
غادرت أمي في محطة باكرة وهي بين يدي وحدنا، وظل قلبي حبيس تلك المحطة،
كيف أنّت احتضارا ،
وكيف احتملتُ لحظة المرور لها بين الدار الأولى وبرزخها، حين تعطلت كل المشاعر واللغات والأفكار ، وبقي صوت نشيجها ووجهها المسافر يتسرب لوريدي سما زعافا يوجع ولا يقتل .
جعلها الله في وسع قصر وغسلها الله بماء وبرد .
عن أمي أدندن:
تجلى اليتمُ في همي ..
وطارَ القلبُ أحزانا
وعاد الليلُ يجذبني..
لوجدِ الشوقِ تِحنانا
أمِن ذكراكِ يا أمي..
يصيرُ القلبُ نشوانا
حديثٌ كان يجمعنا..
وأنسُ الوقت يغشانا
وكنا كالرفاقِ معا ..
و وقتي بالسّنا زانا
ينوحُ الصوتُ مشتاقا..
فينشدُ من دمي دانة
تعالَيْ..و اجلسي أمي..
نسامرُ بعضنا الآنا
ألوذُ بكلّي في صدرٍ..
رحيب الحضنِ ريّانا
أشمُّ العطرَ في عبقٍ..
دفءَ الروحِ أوطانا
قَد تَجَـــلَّى بيننــــا صُبْــحٌ أَغَـــرْ
وانطوى غيمُ النوى والليــــلُ فَرْ
ليس في صدر التّداني ريبــــةٌ
نشوةُ العشّاق تنسينــــا الكَدَرْ
إنّهــــا روحُ المُنــى تَسْـــري بنــا
كيفمـــا شـــاءتْ لنــا شـاء القدرْ
في جناح الضوء معراجُ العُلى
في رَذاذ المسكِ قد طابَ السّمرْ
طَرْفُها الوضَّــاحُ يصْطاد الحشــا
قد تمـــادى في ضلوعي واستقرْ
تعزف الألحان من وهجِ الضحى
من أرِيــج الذَّوْقِ ينْسَـــلُّ الوتــرْ
تَنْفثُ الأورادَ في تغـــريدهـــــــا
كلُّ قلْبٍ لامس الصَّــوت استعـرْ
تَسْحرُ الأنظـــــار من إشراقهــــا
كلُّ طـــرفٍ شـاهد الحسنَ انبهرْ
تَسْكبُ الأقـــداحَ من كـرْمِ النّدى
فيهِ ذابَ الثــلْجُ والخمـرُ اعتصرْ
قال عنهـــا المتْنُ في سِفْرِ الشذا
ليس تُبْقي فيكَ طينــــــاً أو تذرْ
عانقتْنــي عنـــدما ســحَّ الهَــوى
في غــــرامٍ لا أرى منهُ مفــــرْ
حيثمــــا طــارت بنـــا أنفاسُنـــا
واستجاب الشَّوْقُ والسعدُ انهمرْ
إذْ غرقنــــا في محيـطٍ صــامتٍ
أشْعَـــل الوجــدانُ إكليــلَ الخبرْ
حينهـــــا قالت : تأمل مـابـدا
إنّهـــا الأنــــوار تهمـــي بالدررْ !
نخلعُ الأجســـاد في دَرْبِ النّقـــا
هاهنـــا ليست مقـــاماتُ البَشَــرْ
نَرشـــفُ الأفراح من نَبْعِ الصفا
من هُنـــا تجــري ينــابيعُ البُشَـرْ
عند أبوابُ السمــــا تشْدو الرؤى
ذاك مفتــــاح النُّهى. يسمو المَقَرْ
مُذْ رأيتُ الحُـــورَ في أفيـــــائِها
وانْبِجَــسَ السِّرِ في عمق الصّورْ
في ذهــــولٍ مُسْكِـــرٍ أهذي بهــا
تلك شمـــسٌ هائمٌ فيهــا القمـرْ
حينمـــــــا أذْكَتْ فـــؤادي رتَّلَتْ
ما غـوى القلب ولا زاغَ البَصَــــرْ
رمضانُ يابشرايَ حلّ ببابِ
أهلا بضيفِ نوائلٍ وثوابِ
حُيّتَ ياخيرَ الشُّهورِ بأرضِنا
تهدي القلوبَ إلى معينِ صوابِ
يا أيّها الشّهرُ الكريمُ مقامهُ
يامن خُصِصْت َ بنفحِ خيرِ جنابِ
ياقوم أقبلَ من تتوقُ نفوسُنا
لعناقِهِ من بعدِ طولِ غيابِ
بهِ ليلةُ القدْرِ التي من فضلِها
وفدُ السماءِ أتى بخير ركابِ
نزل الرسولُ إلى الصفيِّ محمدٍ
بشرائعٍ مكنونةٍ بكتابِ
حملَ الفضالَ إلى العبادِ لتكتسي
من فضلِ ربٍّ مُنْعِمٍ وهّابِ
سكبَ الضّياءَ على مآذنِ روحِنا
الكُلُّ عنّ بنظرةٍ ورقابِ
في كل فجٍّ يستنيرُ بنورهِ
أهل النُّهَى وطلائعُ الألبابِ
أعطوا الصلاةَ مكانةً بنفوسِهِمْ
فوقاهُمُ الرحمانُ شرَّ عذابِ
تتضرّعُ الرّاحاتُ مثل سنابلٍ
والكتف لامسَ أُلْفةَ الأحبابِ
رفعوا الأكفَّ إلى السماءِ تضرُّعا
نحو الإلهِ تمدُّ بالأسبابِ
تخشى الوقوفَ على منابرِ عدلهِ
يوم المتونِ تهزّ نحو حسابِ
وتحنُّ للرّحَمَاتِ مُهجَةُ صائمٍ
وإذا الرحيمُ يرِقُّ للطلّابِ
عزّتْ نفوسُ العارفين بفضلهِ
كم لذّةٍ لتلاوةِ الأوّابِ
صرفوا القلوبَ إلى محاريب الهُدى
ومضُ الدعاء يسيرُ دون حجابِ
نالوا رضا الرحمانِ جلَّ جلالهُ
خصّ العبادَ بنفح طيبِ جوابِ
تسري نسائمُ عفوهِ من فوقِهِمْ
تُزْجي بعفوٍ مثل غوثِ سحابِ
يستقبلُ الرّيانُ خير ضيوفِهِ
من بعدِ عتقِ الغافرِ التّوابِ
رمضانُ ويحَ قلوبِنا إن فاتها
صومٌ قيامٌ واجتنابُ عِقابِ
عشرٌ بآخره تكامل عقدُها
بنزولِ قولِ الله خيرُ كتابِ
وبليلة القدر الملائكُ أُنزِلتْ
بضياءِ ربٍّ وانثيالِ ثوابِ
بخواتمِ الشهر العظيم تفتّحت
كل السماءِ بأعظمِ الأبوابِ
أرأيت أعظم أو أجلَّ من الذي
عند الرحيلِ يفيضُ بالأطيابِ
من أينَ أبدأُ جولتي أو أختمُ ؟
وبأيِّ لونٍ للمليحةِ أرسمُ؟
وهنا المشاعرُ في الحشا معزوفةٌ
من كلِّ عرقٍ نابضٍ تتكلمُ
وهنا الحروفُ تموسقتْ وكأنَّها
باسمِ الرياضِ جميعُها تترنمُ
هذي الرياضُ جميلةٌ نجديةٌ
من ذا سينكرُ حسنَها أو يكتمُ؟
عربيةٌ فيها الجمالُ مقدسٌ
والمجدُ وصفٌ والشموخُ معلمُ
وافيتُها والعشقُ يغمرُ مهجتي
والبوحُ قبل مراكبي يتقدمُ
سحرتْ أحاسيسي وأشعلَ خاطري
هذا الجمالُ اليعربيُّ الملهمُ
وعلا القريحةَ حسُّ شعرٍ غامرٌ
من نبضِ قلبي والشعورُ مترجمُ
أنا ههنا قلمٌ يسطرُ حبَّها
وأنا هنا في وصفِ روعتِها فَمُ
قبلَ المجئِ إلى الرياضِ مشاعري
كانتْ حطاماً والحشا يتألمُ
حتى كأنَّ مشاعري مفقودةٌ
والبوحُ في الصدرِ المعذبِ أبكمُ
لولا جمالُ مليحةٍ نجديةٍ
ماكنتُ أحسبُني أبوحُ وأنظمُ
هذي الرياضُ وهكذا أحساسُنا
يشدو بروعتِها الأديبُ ويغرمُ
أنا شاعرٌ أهوى الرياضَ وحبُّها
دونَ البلادِ بمهجتي يتحكمُ
أتأملُ الحسنَ المقدسَ صامتاً
والصمتُ أبلغُ في البيانِ وأعظمُ
وكأنَّهُ عندَ البيانِ يقولُ إنْ
نطقتْ مخاسُنِكِ الكلامَ محرمُ
عذراً فإنَّ مشاعري صوفيةٌ
أهوى وأعشقُ غير إنيَ مسلمُ
حبُّ الرياضِ مشاعرٌ ومواجدٌ
وقصائدٌ يجري بنبرتِها الدمُ
أنا يارياضُ -ألا ترينَ- حقيقتي
قلبٌ نقيٌّ بالبراءةِ مفعمُ
أصفُ الجمالَ وأنتقي أوصافَهُ
وأنا بقدرِكِ والمكانةِِ أعلم
فلأنتِ عاصمةٌ لأرضٍ قُدٍَسَتْ
فالبيتُ فيكِ مبجلٌ ومعظمُ
تكفيكِ بالحرمينِ أقدسُ بقعةِ
في الأرضِ ترويها وتغسلُ زمزمُ