مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
حِينَ اكتمالِكَ حِينَ البدرُ يَنْحَسِرُ
وحينَ يَملَأُ عُمْقَ الَأخْذِ ما يذرُ!!
أكونُ قد هيَّأَتْ مِنِّي الدروبُ مدىً
بألفِ لَونٍ على عينٍ بِهَا حَوَرُ
هناكَ تُشرِقُ شمسُ الرَّغدِ عندَ سُرَى
رَمَائِمِ القَحْطِ، حيثُ الغيثُ يَنْهَمِرُ
يا طَلْعَةَ النُّورِ، وجهي لم يَعُدْ مَدَرًا
للعادياتِ، وصدري للعُلا سُرُرُ
لَنْ أستَقِرَّ على طودِ الغيابِ…غَدي
شَطُّ الأمانِ وعندي الخوفُ ينكَسِرُ
مُذْ ألهمَ الغيمُ خُضْرِي أسْطُرِي احتفلتْ
بينَ الرِّياضُِ، وَغَنَّى بهجتي المَطَرُ
ياحَيْرَةَ العمرِ،طيفُ الراحلينَ مضى
والذِّكرياتُ خَبَتْ في عينِها الصورُ
وأسفرَ البِشرُ…لَكِنْ، دَهشَتِي نسيتْ
أنَّ الحبورَ بِصبحي كانَ يَنْبَهِرُ
مازلتُ أسمَعُ صوتَ الماءِ بعدَ صدى
رَعْدِ الضلوع، وَيَحكِي هَدْأَتِي القَمَرُ
مازِلتُ أملأُ حِبْرِي نفحةً بِشذا
أحلى الرِّياضِ، وعزفي بالنَّدى وَتَرُ
…………….
عَامٌ أتىٰ وأنقضَىٰ وَالنَّفسُ لَاهِثَةٌ
مَا بَينَ رَكضٍ وَعَدُوٍّ نَحْوَ غَايَتِهَا
عَامٌ تلا عَامَ يُطوَىٰ دُونَمَا أَمَلٍ
والنَّفسُ تَرجُو دُواماً نَيلَ بُغِيَتِهَا
هَا قَد تهَاوت سِنين العُمرِ وآ أَسْفَي
عَلَىٰ سِنِينٍ مَضَت مَا ذُقَّتُ بَسَمَتهَا
لَعَلَّ فِي العَامِ هَذَا نَجتَنِي حُلُمَاً
يُنْهِي المَآسِي وَيَطوِي فَصلَ قِصَّتِهَا
وَالخَيرُ وَالنُّورُ يَغْشَىٰ الْأَرضَ قَاطِبَةً
وَالسِّلمُ وَالْأَمنُ يَبقى ملء سَاحَتِهَا
………………
وعلى ضفافِ النيلِ جاءَ خيالُها حوريةٌ ترسُو على الشطآنِ فمددتُ كفِّي كيْ أصافحَ كفَّها وأضمَّها بالشوقِ في أحضاني قالتْ: رويدَكَ إنني لا ظِلَّ لي فأنا خيالٌ فاضَ بالألوانِ لمَّا أذابَ الشوقُ مجرَى أدمُعي سافرتُ ولهَى ما عرفتُ مكاني قالتْ: أنا الأنثى التي غادرتَها وتركتَها حيرَى بلا عنوانِ ووعدتني أنِّي لشِعرِكَ قِبلةً وقصيدةً ملأى بكل بيانِ وبأنِّني كلُ النساءِ وأنَّني وحدي التي ملكَتْكَ ما مِنْ ثانِ ورسمتَ من حُلوِ الكلامِ ملامحي وعزفتَ لي الأشعارَ بالألحانِ فرقصتُ نشوَى لا فضاءَ يحُدُّني وليَ النجومُ وصائفٌ وغواني وسكبتُ من شهدي رُضاباً سائغاً فشربتَه عشقاً بدونِ توانِ ومضيتَ تحكي في القصائدِ قصَّتي وحكايةً تُروَى بكل زمانِ وقفتْ وماءُ النيلِ بلَّلَ طيفَها والموجُ يسحبُها إلى الذوبانِ ناديُتها: مهلاً فإنِّي لمْ أزلْ أشتاقُ أنْ أطفِي هنا نيراني إبقَيْ لعلَّ النيلَ يعرفُ أنِّني بالعشقِ مجنونٌ وأنتِ كياني أهدَوْهُ قبلَكِ ألفَ جاريةٍ وما عادتْ سِواكِ بزحمةِ الطوفانِ ما زلتِ نبعي يا بُنيَّةَ أحرُفي ومشاعري وكوامنَ التَّحنانِ أنا ما تركتُكِ بَيْدَ أنَّ رَوَاحِلي لبَّتْ نداءَ النيلِ مُذْ ناداني وجلستُ أبحرُ فيه دونَ قواربٍ فإذا به أمسَى بها رُبَّاني لمَّا أحَسَّ تنهُّدي وتأوُّهي أهمَى إليَّ بطيفِكِ الفتَّانِ فمكثتُ أرقبُه أحادِثُ ضوءَهُ وأهيمُ لا أدري عن الخِلَّانِ حوريَّتي لا حُلمَ لي إلاَّ بهِ طيفٌ وأنتِ به ملاذُ أمانِ حوريَّتي لا تجزعي فتلهُّفي مُتوقِّدٌ من جَذوةِ الوجدانِ والنيلُ يشهدُ أنني أخبرتُه عن حُبِّكِ المنسابِ في شرياني ووعدتُه آتيه يومًا آخراً ليراكَ قربي كانَ ذاكَ رهاني |
اكتشافي الصادم، بمقدرتي على ركن الحياة على الرف، وتوظيف التفاصيل اليومية لصالح رؤيتي الكونية للوجود قد هز كياني، وحولني لانسان يتأمل الأشياء بدافع الدلوف للفراغ، وكسر الحدود التي تصف الأشياء، فتبدو لي الأيام التائهة في فوهة الثقب الأسود لمعناي تشكلاً جديدًا يُضفي مساحيقًا تجميلية على علاقاتي، ويتكون العبور المؤقت على جسر التواصل محض شكلية نتجاوز بها انقطاعنا عن استخدام الكائنات لغايات بقائنا! عجيب مع ذاك أن يجمد الشتاء ما بقي من نزر علاقتنا المهشمة، ويبدو لي الزمهرير الأوحش كجنة ربيع إذا ما تذكرت.
إن الصمت الذي يعترينا أبلغ أسلوب تواصلي قد عرفتهُ البشريه؛ فهو يعمقُ تواصلنا يجعلنا مسيسين حدّ الانتهاء، حدّ الوفاة، والنهاية؛ أن تكون علاقتنا في مهب النسيان يعني أننا وصلنا حدودًا قُصيا من الشعور فهل يقال لي اليوم أنّي بعيد، وقد نموت من عرف شمعةِ غرفةٍ عَتِمة فينيقَ التحريق لما مضى بجليد النسيان.
أدورُ في حلقة مفرغة لكن العالم لا يعود ذاتهُ إذا ما دلفت مشاهدًا صدري الحاوي كواكبه الدرية والمُعتمة، ممسكًا بريشةِ بقائي وكأني بها صراطًا مستطيرًا يعبر مِنه لاعبو السرك أمامي ليسقطوا لكن الهواة ويا للعجب يصلون المحل الأقصى.
متمشيًا في ردهة الكتابة ممسكًا بزمام الوقت المُفلت حياتي قد حنطت بالكلمات غير أن العودة للكتابة، هي العودة للألم والولادة، فهل يريدون لي أن أصير ما كنت وقد أُبدلت كائنًا آخر .
على منضدةِ الشعور وقد التم الشتاء إلى أقصاه كانت لحظتي خاليًا من الذكريات، والرمادُ يذرو كراستي للهباء؛ بيد أن يدي تتحرك لم تنس الكتابة غريبٌ ممارسةُ ما نسبته حيث أصبح جسدي أداة هذا الألم القصي، و وطنًا للقبلات الأولى أكسير العلاقات المنسية يعيدها للمشهد بلبوس جديد، هذا الجسد لغةُ معناه الدفاق.
أغمضُ عيني على الصور التي تُكبل فمي فتطلع منه الأشجار والعصافير لتحول شكل الأماكن، تبدو الكائنات على غير المحل إذ هي منتج تفصيلي رائق وتشكل فني للسعادة والجمالية أنا من مني صدري بكواكبٍ ومجرات من الأحزان السرمدية وقد محوتُ هويتي مناديًا ذاتي الأولى، النفسُ التي هويتُ بها لدرك التواصل والاتصال فصمتُ. إليّ باللغة العريانة يا كلماتي .
في هذه الليلة الظلام عادت روحي القصية لتنوب الشمعة التي كادت تنطفىء لتربت على كتفي فتطلع منه أغصان المرايا التي تعكسُ وجهي فحسب، تاريخ تبدلاتهِ ليكون لغةً ويكون كوكبًا وقُربًا يأخذني لحظيًا للأشياء وقد زلتُ عن التذكر لأكون ذاكرة؛ هذه المشاعرُ التي تتدفق عبر القوالب لتحطمها والى الجسور لتتجاوزها والى القلوب لتترك فيها بقاءً لا يزول. أسفر قلبي عن حدوده، وقد جاوز الحد للماوراء عائدًا بالزمن لمنتهاه وللحب لمبتغاه وللأيام رداء جسدي المجرة.
يا عاهل آلام العالمين هبوطك الآن صعودٌ سماوي، ولغة قد تخلقت في يديك وقد صِرتَ وطن الأشياء الدائرة في محرابك الحب. يا عاهل آلام العالمين وقد رفعت يديك عن الكتابة يعاود قلبك خط كلمته الأولى والأخيرة: الحُب.
هيثم البرغش ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٣م